سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد المالك -وفقه الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزتي الجزيرة:
تعقيباً على الزميلين القرزعي والعويد: التقويم الوصفي المستمر ثقافة تربوية سرني ما طرحه الزميل عبدالله القرزعي في مقالته في جريدتنا الغراء الأحد 6 جمادى الأولى 1429هـ العدد (13009) والزميل يوسف العويد الاثنين 20 جمادى الأول 1429هـ العدد (13024) وقد آثرت على مشاركتهما ما يهتمان به رغم تناولهما الموضوع باحترافية علمية تدل على فهمهما عملية التقويم الوصفي المستمر، فقد وجدتهما حجتين في طرحهما.
عندما أقرت وزارة التربية والتعليم لائحة تقويم الطالب في عام 1420هـ فإن ذلك يعد نقلة نوعية في عملية القياس والتقويم، وبدأت العمل في هذا التوجه بقوة وبعمل دؤوب استنفر له جميع الجهات ليسير بخطى ثابتة نحو النجاح. بيد أن هذا المشروع حصل فيه أخذ ورد من كثير من التربويين بين مؤيد ومعارض.
إن مبتغى الوزارة في ذلك تيسير التعلم عند التلميذ وتذليل كافة الصعوبات التي تعيق تعلمه، ومن خلال ذلك عرف الميدان مسميات كثيرة من الحالات التي كان الميدان يجهلها ولا يعترف بقدرتها على التعلم بكافة أنواعه مثل: صعوبات التعلم وبطء التعلم وفرط الحركة وتشتت الانتباه.. وغيرها واختفت مسميات عقيمة لا تبين مكمن الخلل الذي يعاني منه التلميذ مثل: بليد وكسلان ومهمل وضعيف.. وغيرها، بيد أن التقويم الوصفي المستمر وضع الأمور في نصابها عندما جعل المدرسة هي المسؤولة الرئيسة في عملية التعلم لدى الأطفال الذين هم في حقيقة الأمر لا يدركون - بحكم مرحلتهم - ضرورة اكتساب مفردات المقرر وتعلمها، ووزارتنا الموقرة لم تنشئ هذا المشروع وتتركه عائماً في الميدان حيث وضعت الضوابط له والأدلة التي تحكم العمل به.
ولكن! ما زالت الآراء متباينة حول قبوله من عدمه رغم الأدلة الدامغة التي تثبت نجاحه؛ غير أن في عملية التقويم الوصفي المستمر جعلت جل مقومات نجاحه تعتمد على قدرات المعلم على التعامل معه وبالتالي أصبح هذا التقويم مثار شك من قبل غير القادرين على التعامل معه رغم جهود الوزارة في تهيئة وتدريب المشرفين التربويين الذين بدورهم نقلوا هذه الخبرات إلى الميدان التربوي.
بعض أولياء الأمور والعاملين في الميدان التربوي اتهم التقويم بأنه أفرز مخرجات ضعيفة وأنه سهل عملية الانتقال. وذكر أن لجنة التوجيه والإرشاد بوابة واسعة لانتقال الطالب للصف التالي، ولكن الأرقام تثبت عكس ذلك. فبالرجوع إلى نتائج الطلاب ومقارنة التقويم المستمر بالاختبارات نجد أن الانتقال عن طريق الاختبارات أكثر وأسهل - حسب ما استطعت الحصول عليه من وحدة المعلومات والحاسب الآلي في إدارة التربية والتعليم بمحافظة عنيزة - فاعتماد الاختبار ليس بالضرورة مثلاً على قدرة الطالب على قراءة نص ما دام قادراً على حفظ نشيد وبيان معاني كلمات لتكمل الأخيرة ما قبلها وتمنح الطالب الدرجة المستحقة للانتقال.
نقر أن عملية التقويم في الميدان مبنية على رأي المعلم وبطبيعة الحال يختلف رأي معلم عن آخر حتى في المدرسة الواحدة، ولكن لا يجب أن نسلم بأن هذا خلل في التقويم لأن لجنة التوجيه والإرشاد شريك أساسي في عملية التقويم من خلال متابعتها المستمرة للطالب سواء بعد ظهور نتائج الفترة الأولى للطالب المستجد أو من خلال التاريخ التحصيلي للطالب والذي ينبغي أن يكون المعلم ولجنة التوجيه والإرشاد على دراية به، فإن كانت اللجنة شريكاً رئيساً في متابعة المتأخرين دراسياً أصبح الحكم الصادر حول إتقان التلميذ من عدمه منطقياً وصحيحاً.
فهل لجنة التوجيه والإرشاد تؤدي دورها بالشكل المطلوب؟ هذا سؤال يجب أن نتنبه إليه ونسعى إلى الوصول إلى درجة من العمل تكفل حصول التلميذ على حقوقه. فعندما ذكر الزميل القرزعي في النقطة الخامسة ما نصه: (قرار انتقال الطالب من عدمه ليس قراراً مطلقاً بيد المعلم فقط..) فهذا يعني أن هناك شركاء لهم الحق في إبداء رأيهم حتى لو أعطى المعلم حكماً بالإتقان على الطالب في الفترة الأولى للمستجد أو غير المستجد ليأتي سؤال من أعضاء اللجنة هل بالفعل هذا الطالب متقن للمهارات؟ مما يستدعي إعادة النظر في تقويمه قبل وصول السجل أو الإشعار لولي أمره منعاً لوقوع حرج على المدرسة.
كذلك ذكر الزميل القرزعي بأن الوزارة لا تتحمل قصور وتقصير لجنة التوجيه والإرشاد في المدرسة وقد حدد التنظيم مهامها وأدوارها بدقة وشدد على صلاحياتها واجتماعاتها الدورية لمناقشة كل معلم في دقة تقويمه لطلابه وزيارة الصف أثناء العام الدراسي للتحقق من دقة التقويم.. وأنا أؤيده بذلك إن كان هناك مميزات لأعضاء اللجنة للقيام بمهامهم. وهذا للأسف مفقود في الميدان التربوي رغم إقرار الأنظمة بضرورة تمييز أعضاء اللجنة عن غيرهم، ولكن مدير المدرسة يجد صعوبة في إعطاء تلك الميزات لأن ظروف المدرسة وجدولها وأنصبة المعلمين تحول دون تحقيق ذلك.
وأود في هذا الصدد وتعقيباً على ذكر زميلي العويد بضرورة وجود تحديد وتوحيد المرجعية عند تباين وجهات النظر واختلاف رؤيتها؛ فإن تقويم المهارة مبني على متطلبات الإتقان كما يعرفها العاملون في مجال التقويم وكما جاء في دليل المعلم لقياس مهارات اللغة العربية في الصفوف المبكرة، كأن يؤدي الطالب هذه المهارة ويمارسها بشكل صحيح في أي موقع تستخدم فيه هذه المهارة وليس في الكتاب فقط، وأن يستطيع ممارستها بأوقات متفاوتة وظروف متباينة، وأن يمتلك التلميذ القدرة التي تؤهله لاكتساب مهارة الصف التالي التي تعتمد على هذه المهارة.
أخيراً أقول إننا نزخر بمعلمين أكفاء قادرين على العمل على ضوء التقويم المستمر ولكن ما زلنا نفتقد إلى اكتمال ثقافة التقويم المستمر عند بعض شرائح المجتمع المختلفة، وهذا أمر طبيعي، فقرابة العقد من الزمن فترة قليلة لاكتمال هذه الثقافة التي أحسب أنها مع مرور الوقت سوف يستوعبها الجميع ويقتنع بها ويدرك أهميتها وجدواها.
عبدالرحمن بن محمد الجاسر
مشرف تربوي