Al Jazirah NewsPaper Friday  27/06/2008 G Issue 13056
الجمعة 23 جمادىالآخرة 1429   العدد  13056
عقاب جماعي
منيف خضير

أتذكر في أيام خلت على مقاعد الدراسة، كان المعلم إذا شاهد أو سمع حركة مشاغبة أثناء كتابته على السبورة يسأل التلاميذ عن المشاغب، ونظراً لأن (الحروش) لا يحظى بسمعة حسنة بين أوساط التلاميذ، فلا أحد منا يريد هذه الصفة لذلك نرفض أن نخبر المعلم بالتلميذ الذي أصدر مثل هذه الحركات، فيقوم المعلم - كردة فعل - متوقعة بجلد تلاميذ الصف جميعهم عقاباً لهم على هذا الاتحاد والاتفاق مع المشاغب.

والحروش - لمن لا يعرفه - هو التلميذ الفتان الذي يخبر المعلم بكل شيء حول زملائه!

وهذا العقاب الجماعي يلوح في الأفق عبر أشكال عديدة نشاهدها في الحياة العامة بأوجه مختلفة. تعالوا مثلا إلى قضية الزحام والاختناقات المرورية، خذوا مثلاً العاصمة الرياض، لقد تشكلت لدي قناعة كلما شاهدت زحاماً في أحد المخارج أيقنت أن وراء هذا الزحام أمرين لا ثالث لهما. الأول: هو وجود حادث تصادم، والثاني: وجود دورية للمرور تنظم السير، وقد يفاجئكم ذلك وهذه مفارقة مضحكة، لأن السبب أيها السادة وببساطة هو العقاب الجماعي. فلذلك تجد هذه الدورية تقف على الممر المؤدي إلى الطريق الرئيسي بغية التنظيم وتخلق وهي لا تعلم زحاما في موقع آخر، وقد تتساءلون أين العقاب الجماعي إذن؟؟ والعقاب هو هذه الساعات التي تضطر أن تقفها هنا وهناك من أجل فك الاختناق، فما ذنبي أنا أن أقف حتى تنساب الحركة في الطريق الرئيس؟ أليست هذه المخارج والمنافذ هي جزء من الطريق؟!

إليكم مثالاً آخر ربما تتضح فيه صورة العقاب الجماعي بشكل أكبر، الآن تقريباً كل حي في المملكة لا يخلو من مطب صناعي بأحجام نتفنن في إيجادها، كل هذه المطبات بدون داع حتى غدت بلادنا بلد المليون مطب!

وهذه المطبات وجدت لأن مجموعة من المراهقين يفحط ويزعج الأهالي أو يشكل خطراً على المدارس، وما ذنبي أنا أتضرر نفسياً وتتضرر سيارتي من هذه المطبات؟ ثم أين الإشارات المرورية؟ وأين الدوريات الراجلة والراكبة؟ أليست هذه هي مهمتهم الأصلية؟ كل هذا الثمن أدفعه من أجل مراهق يجب أن يعاقب لوحده.

وهذه الصورة من العقاب الجماعي - كما يحلو للبعض تسميته - تشاهدها في الموظف الحكومي الذي يتعامل معك بطريقة راجعنا (بكرة)، ونشاهدها في أستاذ الجامعة الذي لا يجد غير الأسئلة الصعبة لطلابه والطلبات المعقدة، ونشاهدها أيضا عند بعض الآباء الذي يحرم بعض أبنائه من حقوقهم من أجل البعض الآخر.

باختصار: انظروا حولكم وستشاهدون أننا نعاقب جماعيا في تصرفات لا ذنب لنا فيها، وسامح الله معلمينا السابقين فقد غرسوا فينا هذه البذرة، والآن نعاني من ثمارها.



mk4004@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد