Al Jazirah NewsPaper Thursday  03/07/2008 G Issue 13062
الخميس 29 جمادىالآخرة 1429   العدد  13062

نحاة شعراء

 

قال أحد النحاة في رثاء علي بن عصفور النحويّ المشهور المتوفى سنة 663هـ:

أسند النحو إلينا الدؤلي

عن أمير المؤمنين البطل

بدأ النحو عليٌ وكذا

قل بحق ختم النحو علي

أثنى نحوي على كتاب (الفوائد) لمحمد بن مالك المتوفى سنة 672هـ بقوله:

إن الإمام جمال الدين فضَّله

إلهه ولنشر العلم أهَّله

أملى كتاباً له يسمى الفوائد لم

يزل مفيداً لي لُبّ تأمَّله

فكل مسألة في النحو يجمعها

إنّ الفوائد جمع لا نظير له

ورثا ابن مالك معاصره شرف الدين المضي بقوله:

يا شتات الأسماء والأفعال

بعد موت ابن مالك المفضال

مصدراً كان للعلوم بإذن الله

من غير شبهة ومحال

يا لها سكتةً بهمز قضاء

أورثت طول مدة الانفصال

رفعوه في نعشه فانتصبنا

نصب تمييز، كيف سير الجبال؟!

صرفوه يا عظم ما فعلوه

وهو عدل معرَّف بالجمال

وقفوا عند قبره ساعة الدفن

وقوفاً ضرورة الامتثال

ومددنا الأكفَّ نطلب قصراً

مسكناً للنزيل من ذي الجلال

يا لسان الأعراب يا جامع

الإعراب يا مفهماً لكلِّ مقال

كم علوم بثثتها في أناس

علموا ما بثثت عند الزوال

أرغموه في التُّرْب من غير مثلٍ

سالماً من تغير الانتقال

وقال ابن النّحاس تلميذه:

قل لابن مالك إن جرت بك أدمعي

حمراء يحكيها النجيع القاني

فلقد جرحت القلب حين نعيت لي

فتدفقت بدمائه أجفاني

لكن يُهون ما أُجِنُّ من الأسى

علمي بنقلته إلى رضوان

قال صلاح الدين الصّفدي في رثاء أبي حيان الأندلسي المتوفى سنة 745هـ:

يا عين جودي بالدموع التي

يورى بها ما ضمه من ثرى

واجري دماً فالخطب في شأنه

قد اقتضى أكثر مما جرى

مات إمام كان في علمه

يرى إماماً والورى من ورا

أمسى منادي للبلى مغرداً

فضمه القبر على ما ترى

يا أسفاً كان هُدى ظاهراً

فعاد في تربته مضمرا

وكان جمع الفضل في عصره

صحَّ فلما أن قضى كسرا

وعرِّ من الفضل به برهةً

والآن لما أن مضى نُكرا

لا أفعل التفضيل ما بينه

وبين ما أعرفه في الورى

لا بد لي من نعته بالتقى

ففعله كان له مصدرا

ما أعقد التسهيل من بعده

فكم له من عثرة يسَّرا

وجسَّر الناس على خوضه

إن كان في النمو قد استبحرا

وكان ثبتاً نقله حجة

مثل ضياء الصبح إن أسفرا

وشاعراً في نظمه مفلقاً

كم حرَّر اللفظ وكم حبَّرا

أفديه من ماض لأمر الردى

مستقبلا من ربه بالقرا

وخصه من ربه رحمةً

نورده في حشره الكوثرا

قال ابن ولاد المتوفى سنة 298هـ:

إذا ما طلبت أخاً مخلصاً

فهيهات منك الذي تطلب

فكن بانفرادك ذا غبطة

فما في زمانك من يصحب

هجا الشاعر الرومي النحوي أبا الحسن الأخفش الصغير أو الأصفر المتوفى سنة 315هـ بقوله:

قل لنحوّينا أبي حسنٍ

إني حسام متى ضربت مضى

وإنّ نبلي إذا هممت بأن

أرمي فوَّقتها بجمر غضا

لا تحسبن الهجاء يحفل بالرفع

ولا خفض خافضٍ خفضا

كأنّي بالشقي معتذراً

إذا القوافي أذقْنه مضضا

وبقوله:

ألا قل لنحويك الأخفش

أنست فأقصر ولا توحشِ

وما كنت عن غيَّة مقصراً

وأشلاء أملك لم تنبشِ

لئن جئت ذا بشر مالكٍ

لقد جئت ذا نسبٍ أبرشِ

وما واحد جاء من أمه

بأعجب من ناقد أخفشِ

أسود جاءت به قردة

سويداء غاوية المفرشِ

أقول وقد جاءني أنه

ينوش هجائي مع النوَّشِ

إذا عكس الدهر أحكامه

سطا أضعف القوم بالأبطشِ

ثم مدحه بقوله:

ذكر الأخفش القديم فقلنا

إن للأخفش الحديث لفضلا

زار الأخفش الأصفر يوماً رجل من أهل حلوان كان يكرمه فحين رآه الأخفش قال له:

حياك ربك أيها الحلواني

ووقاك ما يأتي من الأزمان

وعرض الأخفش الصغير بعلي بن عيسى الوزير بقوله:

هون عليك فإني غير جائيكا

وإنني غير ماض في نواحيكا

والله لو كانت الدنيا بزينتها

وادٍ بكفك لم أحلل بواديكا

ولو ملكت رقاب الناس كلهم

شرقاً وغرباً لما جئنا نهنّيكا

قال السخاوي المتوفى في 646هـ بعد أن نيف على التسعين:

قالوا غداً نأتي ديار الحمى

وينزل الركب بمغناهم

وكل من كان مطيعاً لهم

أصبح مسروراً بلقياهم

قلت فلي ذنب فما حيلتي

بأي وجه أتلقّاهم

قالوا أليس العفو من شأنهم

لاسيما عمن ترجّاهم

كتب أحد تلاميذ بهاء الدين بن النحاس المتوفى 698هـ رسالة له يتشوق فيها إليه ويشكو له نحوله فقال:

سلم على المولى البهاء وصف له

شوقي إليه وإنني مملوكه

أبداً يحركني إليه تشوقي

جسمي به مشطوره منهوكه

لكن نحلت لبعده فكأنني

ألف وليس بممكن تحريكه

وقال بهاء الدين بن النحاس:

اليوم شيء وغداً مثله

من نُخَب العلم التي تلتقط

يحِّصل المرء بها حكمة

وإنما السيل اجتماع النقط

قال أبو حيان الأندلسي:

عداي لهم فضل علي ومنة

فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا

هم بحثوا عن زلتي فأجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

وقال أيضاً:

سبق الدمع بالمسير المطايا

إذ نوى من أحب عني نقله

وأجاد السطور في صفحة الخد

ولم لا يجيد وهو ابن مقله

(ابن مقله يضرب بحسن خطه المثل).

قال ابن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761هـ:

ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله

ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل

ومن لا يذل النفس في طلب العلا

يسيراً يعش دهراً طويلاً أخا ذل

وقال أيضاً:

سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى

بكل شيء في الحياة قد أتى

ورثى ابن نباتة ابن هشام بقوله:

سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة

يجر على مثواه ذيل غمام

سأروي له من سيرة المدح مسنداً

فما زلت أروي سيرة ابن هشام

ورثاه آخر بقوله:

تهن جمال الدين بالخلد إنني

لفقدك عيشي ترحة ونكال

فما لدروس غبت عنها طلاوة

ولا لزمان لست فيه جمال

قال ابن عقيل المتوفى 769هـ:

قسماً (بما أوليتم) من فضلكم

للعبد عند قوارع الأيام

ما غاض ماء وداده وثنائه

بل ضاعفته سحائب الإنعام

قال ابن الصائغ المتوفى سنة 776هـ:

لا تفخرن بما أوتيت من نعم

على سواك وخف من مكر جبار

فأنت في الأصل بالفخار مشتبه

ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار

قال علاء الدين المقريزي: رأيت ابن الصائغ في النوم بعد موته فسألته ما فعل الله بك؟ فأنشد:

الله يعفو عن المسيء إذا

مات على توبة ويرحمه

* أستاذ جامعي سابق


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد