Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/07/2008 G Issue 13065
الأحد 03 رجب 1429   العدد  13065
عودة الأفغان
أنّا هوسارسكا

وكأن الصراع المسلح الدائر بين القوات الحكومية الأفغانية المدعومة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وبين قوات طالبان لم يكن كافياً، فإذا بنا نجد أفغانستان وقد أصبحت في مواجهة الأزمة التي كانت تتمنى لو تعتبرها نجاحاً: وهي أزمة (العودة الكبرى).

من جلال أباد إلى هيرات - بل وفي كل مكان من شمال أفغانستان - نستطيع أن نرى العلامات الدالة على عودة الأفغان من المنفى. فالشاحنات الباكستانية الملونة في كل مكان، تحمل الروافد والنوافذ الخشبية والأبواب وهياكل الأسرة، والزوجات والأطفال يجلسون فوق كل هذا.

لقد كان حجم النزوح هائلاً.. ففي ذروته بلغ عدد الأفغان الذين كانوا يعيشون خارج بلادهم ستة ملايين، أغلبهم في باكستان وإيران، وكان ثلاثة أرباعهم تقريباً قد فروا من البلاد بعد الغزو السوفييتي في العام 1979، إلى جانب أعداد أقل ممن فروا من حكم الرئيس نجيب الله المناصر للسوفييت، أو من الحرب الأهلية التي استمرت منذ العام 1992 إلى العام 1996 بين فصائل المجاهدين المختلفة، ثم حكم طالبان بعد ذلك. كما فرَّ بعض أنصار طالبان في أعقاب طرد قادتهم حين دخل التحالف الشمالي كابول في نوفمبر- تشرين الثاني 2001.

منذ ذلك الوقت عاد أكثر من 3.5 ملايين لاجئ أفغاني إلى ديارهم بالفعل. إلا أن أولئك الذين ظلوا خارج الحدود الأفغانية يشكلون أضخم مجموعة من اللاجئين في العالم، وهناك أيضاً العديد من المهاجرين الأفغان، وبصورة خاصة في إيران.

تؤوي باكستان أغلب اللاجئين الأفغان المتبقين الذين ربما يبلغ عددهم 1.9 مليون لاجئ.

وحين أجريت عملية تسجيل اللاجئين الأفغان في باكستان أثناء عام 2007، كان نصفهم تقريباً يعيشون في معسكرات.

بيد أن هذه (المعسكرات) تحولت بعد ثلاثة عقود من إنشائها إلى قرى من البيوت المبنية بالطوب اللبن التي تحيطها أسوار عالية. وحيث إن ثلاثة أرباع اللاجئين تحت سن الثامنة والعشرين فإن أغلبهم لم يروا مسقط رأس آبائهم قط. فقد ولدوا ونشأوا في أفغانستان، وأغلبهم لا يتحدثون إلا لغة الباشتو، وهي إحدى اللغتين الرسميتين في أفغانستان. وتستخدم لغة الباشتو بواسطة القبائل التي تعيش على كل من جانبي خط ديوراند، وهو الخط الحدودي الذي رسمه حكام الهند المستعمرون في القرن التاسع عشر. ولكن رغم هذه الروابط العرقية، واستضافة باكستان لهؤلاء اللاجئين لمدة ثلاثين عاماً، إلا أن باكستان لا تسمح للأفغان بالاندماج رسمياً في المجتمعات المحلية. ولا أمل لهؤلاء اللاجئين في الحصول على الجنسية الباكستانية أو حتى تصاريح العمل، ولا حق لهم في الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية. وعلى هذا فإن الخيار الوحيد المتاح أمامهم هو (العودة).

إن الإقليم الحدودي الواقع بين باكستان وأفغانستان يشكل التهديد الأساسي (للحرب ضد الإرهاب). ففي هذا الإقليم نجد تورا بورا، أو آخر عنوان معروف لأسامة بن لادن.

والموقف المشتعل في المنطقة يشكل ذريعة إضافية تنتحلها الحكومة الباكستانية في الإصرار على ترحيل كافة اللاجئين -إذ أنهم نظراً لانتماءاتهم القَبَلية المعقدة قد يشكلون تهديداً أمنياً داخلياً.

وطبقاً للاتفاقيات الثلاثية بين حكومتي باكستان وأفغانستان ووكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR) فمن المقرر أن يتم إغلاق أربعة من أضخم المعسكرات في باكستان وترحيل كل الأفغان المقيمين فيها.

ورغم أن الترحيل من المفترض أن يكون آمناً وطوعياً على المستوى النظري، إلا أن الواقع مختلف. فالعودة كثيراً ما تكون محفوفة بالمخاطر، وما دام من المعروف أن المواقع البديلة تكاد تكون غير قابلة للسكنى، فإن هذا يعني أن ذلك الخيار مفروض على اللاجئين.

بعد مفاوضات مطولة وافقت السلطات الباكستانية على شكل من أشكال التسوية. فقد تقرر إغلاق المعسكر الأضخم بين المعسكرات المتبقية، وهو معسكر جالوزاي، الذي كان ذات يوم يؤوي حوالي 110 ألف لاجئ -كان معسكر كاتشا غاري قد أغلِق بالفعل في العام 2008. وبعد بضعة أيام من حلول الموعد النهائي في الخامس عشر من إبريل-نيسان، دخلت البلدوزرات لكي تسوي بالأرض المتاجر التي فككها التجار الأفغان المغادرين مسبقاً.كانت رحلات العودة من باكستان تتألف من عشرين ألف شخص أسبوعياً منذ بداية شهر مايو(أيار) 2008، فضلاً عن سبعين ألف أفغاني عادوا منذ بداية العام وحتى نهاية شهر مايو(أيار)، وأكثر من خمسين ألفاً عادوا من معسكر جالوزاي، طبقاً للبيانات الصادرة عن وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ولكن ما لم يعترف المسؤولون في كل البلدان المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بأن أفغانستان ما زالت خطرة وغير مجهزة لاستيعاب هذه العودة الضخمة، فلن يكون بوسعهم اتخاذ الخطوات اللازمة لعلاج الموقف وضمان سلامة وأمن العائدين واكتمال العودة بشكل طوعي مسالم.

*كبيرة مستشاري التخطيط والسياسات لدى لجنة الإنقاذ الدولية.
خاص ب(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد