Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/07/2008 G Issue 13067
الثلاثاء 05 رجب 1429   العدد  13067
إعادة المحرك الفرنسي الألماني في أوروبا إلى العمل
أورليك غيوروت (*)

إنّ مدى نجاح الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، والتي تبدأ في الشهر القادم، يتوقّف إلى حد كبير على إمكانية إعادة التعاون الفرنسي الألماني إلى الحياة. أثناء ذلك العصر الذي أصبح يبدو بعيداً اليوم، كانت المبادرات المشتركة من أجل أوروبا تشكِّل القاعدة، وكانت المقترحات الفرنسية الألمانية تشكِّل عادة تسوية مقبولة لأوروبا بالكامل. وربما كانت معاهدة ماستريخت في العام 1992 هي آخر مظاهر الإبداع الفرنسي الألماني .. إلاّ أنّ الشُقة تباعدت منذ ذلك الوقت بين البلدين. إذ إنّ فرنسا لم تشارك قط بأي قدر من الحماس في عملية التوسعة، بينما أدى ابتكار عملة اليورو إلى نشوء توترات خطيرة بين فرنسا وألمانيا أثناء الفترة من العام 1993 إلى العام 1999. كما لم يسفر القرار الذي اتخذته فرنسا بالتخلي عن التجنيد العسكري الإلزامي في العام 1996، بينما استمرت في إجراء التجارب النووية، عن تحسين العلاقات بين الدولتين إلاّ قليلاً. ولقد كانت سنوات جاك شيراك الأخيرة في الرئاسة سبباً في الوصول إلى الطريق المسدود، الذي بلغ ذروته في شهر مايو - أيار 2005 بسبب التصويت الفرنسي برفض المعاهدة الدستورية التمهيدية للاتحاد الأوروبي.

لا شك أنّ المحرك الفرنسي الألماني لم يَعُد قادراً على العمل بنفس طاقته السابقة. إذ إنّ السلوك المتعجرف من جانب الدولتين - على سبيل المثال، انتقاد أنظمة الضرائب في شرق أوروبا، رغم عجزهما عن الالتزام بالمعايير التي أرستها معاهدة الاستقرار والنمو للاتحاد الأوروبي - كان سبباً في تنفير البلدان الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، وبصورة خاصة البلدان الأحدث التحاقاً بعضويته. وكذلك أدت غطرسة الدولتين إلى نفس النتيجة حين زعمتا أنهما فقط القادرتان على فهم (أوروبا السياسية)، وعلى هذا فهما وحدهما لهما الحق في صياغة الاتفاقيات السياسية كتلك المرتبطة بالزراعة في العام 2002 .

رغم كل ذلك، ما زال الاتحاد الأوروبي معتمداً على فرنسا وألمانيا كقوة دافعة له. ورغم خسارتها لنفوذهما، إلاّ أنّ الاتحاد الأوروبي لن يحقق تقدماً يذكر بدون مشاركتهما .. ماذا نستطيع أن نفعل إذاً لتوليد شعور جديد بالزعامة حول المحور الفرنسي الألماني؟

ربما كان في انتخاب نيكولا ساركوزي منذ عام رئيساً لفرنسا أملاً في بزوغ عصر جديد من التعاون. إلاّ أنّ وجهة النظر التي تبنّاها ساركوزي بضرورة خضوع البنك المركزي الأوروبي للهندسة السياسية، كانت سبباً في إغضاب ألمانيا، وكذا زيارته لموسكو، لأنّ ألمانيا شعرت وكأنّ فرنسا تتحايل للدوران من حولها .. فضلاً عن ذلك فقد انتهت المناقشات التي دارت بين ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون أثناء زيارته الرسمية للندن لمدة يومين، إلى الاتفاق على استخدام الخبرات النووية الفرنسية الواسعة في بناء محطات نووية جديدة لتوليد الطاقة في بريطانيا - الأمر الذي شكّل مصدراً آخر للخلاف مع ألمانيا. فرغم أنّ ساركوزي ينظر إلى الطاقة النووية باعتبارها مصدراً واعداً للطاقة (المتجددة)، إلاّ أنّ ألمانيا ما زالت تعارضها بكل شِدة - وهي السياسة التي وضعتها المستشارة أنجيلا ميركيل على رأس أولويات أجندتها أثناء رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي في العام 2007 .

كما أسفرت زيارة ساركوزي للندن عن التزام فرنسي بريطاني بتعزيز الخطة الأوروبية للأمن والدفاع (ESDP)، ومن جانب فرنسا أيضاً الالتزام بإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان. ولكن لا بد أيضاً من إشراك ألمانيا فيما يتصل بالخطة الأوروبية للأمن والدفاع، وأفغانستان. وإذا ما كانت لرئاسة ساركوزي أي تأثير على العلاقات الفرنسية الألمانية، فربما كان ذلك التأثير يتلخّص في تعزيز وجهة النظر التي ترى أنّ الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى زعامة جديدة، وأنّ هذه الزعامة لا بد وأن تقوم على الشركاء المؤسسين.

الحقيقة أننا لا بد وأن ننظر إلى التعاون الفرنسي البريطاني الأوثق باعتباره تطوراً إيجابياً، إذ إنه يساعد في اجتذاب المملكة المتحدة مرة أخرى نحو أوروبا. كما أنّ العلاقات الألمانية البريطانية أيضاً تشهد تحسناً. والمزيد من التقدم على هذا المسار سوف يشكِّل أهمية متزايدة مع تعاظم المسؤوليات الأوروبية وتوزعها على المزيد من بلدان الاتحاد الأوروبي: وإن قضايا مثل إيران، وتغير المناخ، والخطة الأوروبية للأمن والدفاع، تشكِّل أمثلة للتعاون في صنع القرار.

بيْد أنّ المسائل الجغرافية الإستراتيجية الأضخم، مثل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا وارتباطاته بمنظمة حلف شمال الأطلنطي، تتطلّب قدراً أعظم من الاهتمام من جانب فريق زعامي أضخم، يتضمّن بلدان شرق أوروبا. والحقيقة أنّ بولندا تمتلك مقومات هذا الدور الزعامي، حتى ولو ظللنا نعتبر ألمانيا بمثابة الغراء الذي يلحم بين شرق وغرب أوروبا.

يقول ساركوزي إنه يرغب في تركيز الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي على تعزيز الخطوات والإجراءات اللازمة للتعامل مع قضية تغير المناخ، ومراجعة السياسة الأوروبية في التعامل مع قضية الهجرة، وإعادة تنشيط الخطة الأوروبية للأمن والدفاع، وكل ذلك جنباً إلى جنب مع القرار الذي اتخذته فرنسا بالعودة إلى منظمة حلف شمال الأطلنطي. فضلاً عن ذلك، فمن المنتظر أن يبدأ تفعيل معاهدة لشبونة أثناء الرئاسة الفرنسية، وهي المعاهدة التي تتضمّن الترشيحات لزعامة الاتحاد الأوروبي في المستقبل، بما في ذلك الرئاسة الدائمة، واتخاذ خطوات نحو صياغة مستقبل هيئة العمل الخارجي الأوروبي، أو في الأساس السياسة الخارجية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي.

إنه لبرنامج طموح، ولسوف تحتاج فرنسا إلى الدعم من جانب ألمانيا إذا ما كانت راغبة في النجاح. ومما يدعو إلى التفاؤل أنّ النزاعات الفرنسية الألمانية، رغم أنها قد تبدو شرسة في كثير من الأحيان، إلاّ أنها لا تدوم طويلاً، بل إنها حتى قد تخدم كسبب لإعادة تركيز انتباه الناس على أهمية هذه العلاقة. في وقت ما وصلت التوترات بين الدولتين إلى النقطة التي أعلنت معها فرنسا عن تأجيل (محادثات بلاشييم)، والتي تشكّل في الأساس تبادلاً منتظماً لوجهات النظر بين القيادات الفرنسية والألمانية فيما يتصل بالقضايا الأوروبية، والتي بدأت في العام 2001. بيْد أن آليات الاتصال المؤسسية في كل من البلدين تمكنت من الصمود رغم كل المصاعب.

يتعيّن على فرنسا وألمانيا، وبقية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن تضع في حسبانها أنّ معاهدة لشبونة تعتبر في الواقع بمثابة دستور أوروبي، مصمم لتوجيه الاتحاد نحو القرن الواحد والعشرين، وأنّ نجاحها يتطلّب زعامة أعرض اتساعاً. كما يتعيّن على فرنسا أن تبرهن أثناء فترة رئاستها للاتحاد على اهتمامها الحقيقي بأوروبا وتعزيز دورها الذي تضطلع به في العالم، وأن تثبت أنّ الاتحاد الأوروبي أكثر من مجرّد أداة فرنسية. وهذا يعني أنّ المهمة الأساسية التي يتعيّن على ساركوزي أن يقوم بها تتخلّص في تأسيس فريق زعامة جديد للاتحاد الأوروبي.

***

(*) أورليك غيوروت كبير زملاء البحث ورئيس مكتب برلين لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية(ECFR).

خاص ب(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد