Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/07/2008 G Issue 13067
الثلاثاء 05 رجب 1429   العدد  13067
الغاية تبرر الوسيلة
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

تمضي الحياة الإنسانية على الرغم من متناقضاتها ومعوقاتها ومصاعبها وآثامها وآلامها التي تصيب الأغلبية من البشر لأسباب عدة يتعلق معظمها بطرق ووسائل وأنماط ومستويات الحياة الإنسانية وعلاقاتها وتشابك تلك العلاقات، وتداخلها مع بعضها البعض على مختلف المستويات والأصعدة التي ترتبط بحياة الإنسان منذ مولده وحتى وفاته.

البعض يمضون في مسارات الحياة كما هي كائنة لا كما يجب أن تكون، والبعض الآخر يمضون في مساراتها كما يجب أن تكون عليه الحياة لا كما هي كائنة بالفعل، فيما القلة القليلة من البشر المتمكنين بمقدورها أن تلعب على المتناقضين بل وعلى كافة المتناقضات والمتغيرات المرتبطة بها أو المتقاربة معها، مبدأهم في الحياة الغاية تبرر الوسيلة أيا كانت تلك الوسيلة، وقانونهم في التعامل والتفاعل مع الآخرين لا يختلف إطلاقا عن قانون الغاب وشريعته.

صحيح أن الغاية تبرر الوسيلة سياسة ميكافيللية لقاعدة فكر وعمل وسلوك قدمها المفكر والفيلسوف السياسي ميكافيللي لدولته انتقدها معظم الفلاسفة والمفكرين، بيد أنها كانت ولازالت قاعدة التعامل والتفاعل بين البشر كأفراد وكجماعات وكدول، هذا ما نلمسه من واقع وحقائق في حياة البشر والدول التي ينتمون إليها، فتلك القاعدة أثبتت أنها الأكثر ملاءمة للتعامل مع المصالح والمصاعب والتحديات بل وحتى المخاطر.

من هنا وتمشيا مع تلك القاعدة فإن قنوات الاتصال بين البشر التي تعد عاملا رئيسيا لتسهيل أمور الحياة أو نقيضها لا يمكن أن يخوض غمارها إلا من بمقدوره أن يوظف الغاية لتبرير الوسائل التي يتبعها في تفاعلاته وتعاملاته مع الآخرين، تلك القنوات وإن كان من المفترض أن تكون مفتوحة ومشرعة على كافة المستويات والمسارات بيد أن القلة ممن يمتلكون قدرة التعرف على تلك القنوات والخطوط هي التي بمقدورها أن تفتحها ومن ثم الانخراط فيها كي تستقيم لهم الأمور وبالتالي تبتسم لهم الحياة وتهنأ وتستقر.

هكذا تستكمل الصورة الواقعية لحياة معظم المجتمعات الإنسانية بمنظرها البراق من الخارج القاتم من الداخل حيث يعاني في غمراتها ومستنقعاتها الأكثرية فيما تستفيد منها الأقلية بفعل جهل الأكثرية وبفضل ما تفرزه من سلبيات العمليات الإرهابية التي حرصت على غزو المسلمين في عقر ديارهم، تلكم هي معادلة الواقع مع اللاواقع، أو بمعنى أصح معادلة الواقع مع الخيال الذي يصبح حقيقة للقلة القليلة فيما يبقى حلما بعيد المنال للأغلبية، كيف يمكن أن تنبعث الحقيقة من بين نيران ورماد الباطل؟ كيف يمكن للباطل وللجهالة أن ينقضيا إلى الأبد بسيف الحقيقة؟

المجرمون والإرهابيون ومن في حكمهم من الخارجين على القانون يؤمنون بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة أكثر وأعمق من الأفراد والجماعات والدول، لهذا يتحركون على كافة الأصعدة والقنوات والمستويات لجمع الأموال لشراء الأسلحة والمتفجرات وتهريبها بأي وسيلة كانت إلى داخل الدول المستهدفة لتنفيذ عمليات إرهابية تودي بحياة الأبرياء والضعفاء والفقراء وتنمي من معاناتهم وتعيق حركتهم بل وتخنق نفوسهم.

على سبيل المثال لا الحصر فإن تنظيم القاعدة الرئيسي والتنظيمات الفرعية المرتبطة به خصوصا في المغرب العربي يحرصون على جمع الأموال بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة حتى وإن كانت من خلال أموال الصدقات والزكاة وإلى تهريب المخدرات وتسويقها والتعامل مع منظمات غسيل الأموال، فتوظيف قاعدة الغاية تبرر الوسيلة يحتل مقدمة اهتماماتهم وسياساتهم وتحركاتهم وأفعالهم حتى وإن ألحقوا خسائر فادحة في بلاد الإسلام وفي المسلمين أنفسهم، فتهريب الأسلحة والمتفجرات في المغرب اتخذ أشكالا مختلفة واستنبط طرائق عجيبة منها تهريب الأسلحة والمتفجرات في أجساد الموتى وتحت أكفانهم أثناء نقلهم من الخارج إلى داخل المغرب لدفنهم خصوصا من أوروبا.

الذئاب والأسود كثر لكن النعاج أكثر، والنتائج والمردودات لأفعال تنظيم القاعدة ومن في حكمهم من المتاجرين بمصالح الدول والشعوب لا تقل عن إضعاف الدول الإسلامية وزيادة الفقراء المدقعين فقرا، ولن تختلف عن وقف مسيرتهم التنموية وإعاقة حركتهم الاقتصادية والاجتماعية، ولن تكثر عن إزهاق أرواحهم وتدمير ممتلكاتهم البسيطة، وذلك في سبيل تحقيق أهداف لا يمكن أن تتحقق ولا محل لها من الإعراب إذا جاز لنا القياس بمصطلحات قواعد اللغة العربية.



drwahid@com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد