Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/07/2008 G Issue 13069
الخميس 07 رجب 1429   العدد  13069
الناس لا يشربون النفط!
أحمد الفهيد

لا يشك أحد في تأثير النفط وأسعاره على دوران عجلة الاقتصاد العالمي، فحتى يومنا هذا لا يزال الوقود الأحفوري مادة أساسية في كثير من الصناعات خصوصاً صناعة النقل التي قد تحتاج إلى عقود من الزمن قبل أن تلوح في الأفق ملامح طاقة بديلة تحرك السيارات والطائرات والسفن البحرية العملاقة.

ولكن الإشارة بأصابع الاتهام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر للدول المنتجة أو حتى لدول الأوبك فيه كثير من التجني والتجييش للرأي العام العالمي ضد هذه الدول.

ولا يسع الدول المنتجة سواء الدول (الأوبكية) أو غيرها التحكم في السعر مهما أرسلت من تطمينات أو رفعت من سقف إنتاجها. فإنتاج أوبك الذي لا يتجاوز ثلث الإنتاج العالمي من النفط المعروض في السوق قد لا يستطيع منفرداً من التأثير على أسعار النفط وذلك نتيجة لوجود عوامل كثيرة متعلقة بتسارع الارتفاع في الأسعار خارجة عن معادلات السوق وقواعد العرض والطلب، وهي مشكلة عالمية يجب أن تتضافر جهود الجميع للتخفيف من حدتها.

فمع تواتر التأكيدات الصادرة في العديد من الدراسات التي يتم تناولها كحقائق علمية، تشير إلى نضوب هذا النوع من الطاقة في العقود القليلة القادمة، الأمر الذي يفرض على البشرية التشارك في تقنين هدرها لهذا المورد المهم حتى لو كان ذلك عبر أسعار مرتفعة.. فرب ضارة نافعة!

ورغم تزايد الاعتماد المباشر على هذا النوع من الطاقة خلال القرون القليلة الماضية، إلا أن الناس لن يموتوا بدونه، فالناس لا يشربون النفط!

في المقابل نجد أن شركات الأدوية التي ترتبط منتجاتها بحياة الإنسان وموته، تقوم بتنفيذ سياسات احتكارية وتضع سقفاً مرتفعاً للأسعار لعدة سنوات يموت خلالها مئات الآلاف من المرضى من دول العالم (التالف) الذين ليس لديهم شركات تأمين طبية أو مراكز بحثية قادرة على خلق البدائل المناسبة.. ومع ذلك لم يقلق الرأي العالمي نفسه أو ينتفض لمجابهة هذا الغلاء أو التنصل من علاقته به.

ونستمر كدول منتجة في محاولة تبرير علاقتنا بالأسعار والبراءة منها وكأنها تهمة ندفعها! أو كأننا مذنبون لأننا مستفيدون رغماً عنا!

أية ثقافة سوق وأي نظام اقتصاد جديد ذاك الذي يُحرم علينا الاستفادة من مواردنا الطبيعية التي هي هبة ربانية لا تختلف عما تتمتع به الدول الأخرى من هبات الجغرافيا والمناخ الجميل!؟

وعلى الرغم من أن استفادة الدول المنتجة للنفط أصبحت أقرب ما تكون إلى استفادة (اسمية) من هذه الأسعار التي رغم ارتفاعها إلا أنها قوبلت بارتفاع في معدلات التضخم وانخفاض في العملة التي تباع بها براميلها، لكنها بالتأكيد تظل حقاً مكتسباً للدول المنتجة، ومن حقها أن تعلن عن ذلك، بل وأن تدافع عنه! على الرغم من كل التهجمات التي يحركها الواقفون خلف الرأي العام العالمي.

فالمشكلة المباشرة للرأي العام العالمي في الدول (المستهلكة) للنفط هي مع فارضي الضرائب وليست مع الدول المنتجة. والحديث عن دور للدول المنتجة في إحداث خفض ملحوظ على الأسعار الحالية حديثٌ ينطوي على كثير من التبسيط والتسطيح. فلا يسع الدول المنتجة أكثر من إرسال تطمينات عن استمرار وتيرة إنتاجها واستعداداها لتلبية الطلب المتزايد. لكنها بأي حال من الأحوال لا تستطيع أن تطلق تطمينات هشة عن توفر هذه الطاقة لمئات السنين، مهما صدرت التصاريح بأن الأزمة قائمة على مشكلة (سياسية) وليست (جيولوجية)!

وسيكون على الدول المتقدمة البحث عن نفط جديد في مواقع (لم تكشف عنها حتى الآن) أو حتى في كوكب آخر غير كوكبنا هذا.



Office552@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد