Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/07/2008 G Issue 13075
الاربعاء 13 رجب 1429   العدد  13075
صناعة الموهبة؟
د. عبد الله بن محمد الجغيمان

لعلكم قد لاحظتم إضافة علامة الاستفهام إلى عنوان هذه المقالة، اطمئنوا ليس في ذلك خطأ مطبعي، وإنما هي علامة دائماً ما أجدها تشع في فكري وتحيك في صدري كلما نظرت إلى واقعنا التربوي والاجتماعي. أعتقد جازماً أننا جميعاً في حاجة إلى أن نضع هذه العلامة نصب أعيننا ونحن نتمعن في حقيقة الدور الذي تقوم به مؤسسات البناء في المجتمع.

ما الذي تحقق في مدارسنا، كلياتنا، جامعاتنا فيما يتعلق بعنوان هذه المقالة.. أَنْظر إلى علامة الاستفهام هذه في هذا العنوان كالمؤشر الموجه إلى قلوبنا ليوجه بدوره أبصارنا إلى ضرورة أن نجيب عن هذا التساؤل الآن وليس غداً، نحن وليس غيرنا من خبراء العالم.

دعونا نسأل بأريحية وشفافية بالغة أنفسنا.. ما الذي نعمله نحن كأفراد ومؤسسات مدنية وحكومية لصناعة الموهبة ورعاية الموهوبين.. وهل نعمل بصدق على رعاية مواهب أبنائنا وطلابنا؟.. قبل أن نجيب، اسمحوا لي بتوضيح حقيقة لا أظن أحداً يجهلها ولكن قد يغفلها.. هناك فرق جلي بين أن نعمل بصورة جيدة أو حتى متقنة.. وبين أن نعمل بأفضل طاقاتنا وقدراتنا الذهنية الإبداعية.

أتصور أن التفريق بين الصورتين عامل رئيس لاستيعاب فكرة صناعة الموهبة، ولعله من الجلي أن مؤسساتنا التربوية بل والاجتماعية تتبنى الصورة الأولى فقط، وتهمل بل وفي أحايين كثيرة تحارب الصورة الثانية، وهو ما يفسر معضلة عدم انتشار ظاهرة صناعة الموهبة في مجتمعاتنا.

أنا لا أشك أبداً في وجود طاقات بشرية عالية الجودة فيما بيننا تضاهي أعلى المعايير والمواصفات العالمية إن لم تتفوق عليها، إلا أن المشكلة ليست في انعدام وجودها ولكن في صناعتها.

إن من فضل الله عز وجل على البشرية وكمال عدله أنه لم يختص جنساً ولا لوناً ولا عرقاً بقدرات عقلية عالية دون الآخرين، ولكن الشعوب والأمم تتنافس في تلمس هذه القدرات في أفرادها وتحمل مسئولية بعثها ومن ثم تهيئة البيئة المناسبة لصناعتها.

صناعة الموهبة مسئولية من؟ لا أشك أن هذا السؤال أكبر من أن يُجاب عنه بصورة كافية في هذه السطور، ولكن لِمَ لا نجمل الإجابة في عبارة فضفاضة لنقول إنها مسئولية الكل.

ولِمَ لا نقول إن التصور الذي يحمله المجتمع بسائر مؤسساته عن الموهبة والموهوبين عامل رئيس في صناعة الموهبة.

أليس من الحكمة - إن وافقتني على هذا الرأي - أن نبدأ بصناعة هذا التصور في قلب مؤسساتنا التربوية والاجتماعية والإعلامية؟

إن صناعة الموهوبين أصحاب القدرة على تقديم إسهامات عميقة ومهمة في حاضر المجتمع ومستقبله ليس بشأن ثانوي أو اختياري بالنسبة للشعوب التي تعد أمر تقدمها وتفوقها أول أولوياتها، وإن وجود فكر يتبنى صناعة الموهبة في كل مدرسة ومنزل ومؤسسة ليس بأمر يمكن حدوثه بالتمني أو المصادفة أو بمجرد مرور الزمن، بل المسألة في حاجة إلى (صناعة) مقصودة موجهة على بصيرة وذات رؤية واضحة تلامس حاجات المجتمع الحقيقية.

في بلادنا، تباشير صناعة الموهبة ظهرت - ولله الحمد والمنّة - بنبتة غرستها أيدي قادة هذه البلاد، وانبرى لرعايتها رجال ونساء مخلصون من أهل العلم والفكر والمال لتثمر عن إنشاء مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، والتي تُعد بحق ظاهرة فريدة من نوعها على النطاق الإقليمي والعالمي، وتتوالى التباشير بافتتاح إدارة لرعاية الموهوبين في وزارة التربية والتعليم أكبر المؤسسات التربوية في هذه البلاد الفتية.

نعم.. صناعة الموهبة بدأت في بلادنا بفضل الله عز وجل، ولكن ثمة حقيقة مهمة يجب عدم إغفالها مع نشوة البدايات وتلمس حلاوة الطريق، ألا وهي ضرورة احتراف هذه الصنعة، إذ لا مكان في هذا المجال للهواة والمتنزهين أُولي النفس القصير والمتطلعين إلى المكاسب السريعة والمناظر الخلابة ريثما يشربون فنجاناً من القهوة.

صناعة الموهبة في حياة الأمم والشعوب الواعية خيار إستراتيجي طويل المدى تضعه نصب أعينها جميع مؤسسات المجتمع خصوصاً تلك التي تُعنى بالتعامل مع العقول.

صناعة الموهبة؟ تساؤل يجب أن يبقى صامداً في مواجهة الكمّ، تساؤل يجب أن يكون محركاً للهمم لتعمل، تساؤل يجب أن يستعمر قلوبنا ليصبح همَّاً نحمله نروح ونغدو به، نبحث عن من هو قادر عليه، نهيئ البيئة المناسبة له، نسهم معه في هذه الصنعة.

جامعة الملك فيصل



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد