Al Jazirah NewsPaper Monday  28/07/2008 G Issue 13087
الأثنين 25 رجب 1429   العدد  13087
الرئة الثالثة
وجدانيات!
د. عبدالرحمن بن محمد السدحان

(1)لماذا الحنين... لأيام الشقاء؟!

* من مفارقات النفس البشرية أنها لا تسلو أو ينسى صاحبها مواقف الشقاء في حياته، وخاصة تلك الملتصقة بمرحلة الطفولة متى وجدت، وفي الوقت نفسه، تمرُّ بالمرء مواقف طارئة من السعد والفرح، ثم تتلاشى ذكراها حضوراً في خاطره، حتى تغدو نسياً منسياً!

**

* أقول هذا رغم ما تدّعيه مقولة إن الحزن يبدأ كبيراً وينتهي صغيراً بالسلوى والنسيان، وهذه لا ريب نعمة من رب العالمين، وإلا لغدا الحزن على فقد عزيزٍ ليلاً لا فجر له، ولست أرى في تلك المقولة ما يعارض ما سبق ذكره في مطلع هذه المداخلة، فمناسبة الحزن ترحل إلى سرداب اللا وعي في النفس البشرية، أما (الإحساس) بها فيبقى في قاع الوعي حاضراً!

**

* ومن عجبٍ أيضاً أن المرء منا قد يحن إلى الأيام المشحونة بآهات المواقف الصعبة، بل و(يزورها) حيناً بعد حين ذِكْراً وتذكراً، وهذا قول صحيح في مجمله، بدليل أنه يزورني بين الحين والآخر شعور يتقاسمه الشوق والحنين لأيام مضت من حياتي كان يكسوها جليد التقشف والحرمان المادي والمعنوي، وشيء من شقاء البدن إما في الجبل مع الأغنام.. أو في المزرعة مع البقر و(آليات) السقيا و(تقنياتها) البدائية، يلي ذلك العناء ليلاً في تلاوة مقاطع جزء (عم) على مسمع جدي (لأمي) رحمهما الله في ضوء سراج خافت! ناهيك عن (الماراثون) اليومي إلى المدرسة ومنها سيراً على الأقدام وسط مخاطر بيئية وبشرية وصحية.

**

* نعم.. أحنّ لأيام الشقاء والحرمان بعد أن أبحرت بعيداً عنها إلى شطآن السعادة والاستقرار، وأتساءل الآن إن كان هذا التذكر نوعاً من (جلد) الذات، وهو ما أنكره واستنكره، أم وسيلة حميدة لشكر أنعم الله علي مقارنة بما كنت وما آلت إليه! وبشكر الله تتجدد النعم وتزداد!

**

* نعم.. أحمد الله ثلاثاً على ما كان.. وما هو كائن من أمري:

* أحمده أولاً أن جعل بداية مشوار عمري قاسية، كي أتعلم ما لم أعلم عن نفسي، وعن دنياي.. وعن الآخرين معي!

* وأحمده ثانياً أن مكنني من البقاء كي أدرك الفرق بين أمسي الذي كان، وغدي الذي صار أمساً ثم أشهد هذا الفرق حياً لأرى بأم عيني وملء إحساسي كيف غدا عسري يسراً!

* ثم أحمده ثالثاً أن شهدت اليوم الذي عرفت فيه معنى الراحة بعد مرارة التعب، واليسر بعد فتنة العسر، واللذة بعد شقاء الحرمان!

(2)في ذكرى رحيل أمي رحمها الله:

* لأول مرة منذ اكتشفت في نفسي نعمة الإحساس ومهارة التعبير يخونني اللفظ، ويتمرد علي القلم.. وتتعثر في صدري آهة الكلام! لماذا؟

* هل لأن مشاعر الحنين تجاه أمي الرابض في سقيفة أحلامي منذ أن نطقت حرفي الأول قد خَبَتْ منذ رحيلها أو اختلفت عما كانت عليه قبل حين؟! هل شاخت مثلما شاخت أحلامي وكل بصري، ووهن العظم مني! لا أظن أبداً.. لأن القلب المحب لا يشيخ.. وإن وهن عظم صاحبه وكلَّ بصره وقل عزمه!

**

* إذن فما هو سرُّ تعثر الكلام؟

* هتفت لنفسي بالسؤال ذات يوم، وأنا أغالب دمعة تتمرد على دفء الشمس يوم بلغني النبأ الصاعق بوفاة والدتي رحمها الله، ورحت أناجي ذكرى أمي الحبيبة التي أودعت الثرى ضحى ذلك اليوم قبل تسع سنوات: (أماه.. أحسب أن بعدك القريب، أو قربك البعيد قد هزم في نفسي القدرة على النطق فاستعصى علي الكلام، ورغم ذلك.. هانذا أتوسد طيفك كلما أمسيت، وأتمتم به كلما أصبحت، وأدعو لك من قلبي بين هذا وذاك.. ولكل أمهات المسلمين وآبائهم بالرحمة والغفران).

والحمد لله من قبل ومن بعد!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5141 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد