Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/08/2008 G Issue 13097
الخميس 06 شعبان 1429   العدد  13097
لما هو آت
الرحلة للداخل (2)
د. خيرية إبراهيم السقاف

هذا الجوف يبدو للبصر المحدود صغيراً بحجم الكف... وللبصيرة الضيقة لا يتعدى أسيجة الضلوع.

لكن, ما الكف إن لم يكن في بصيرة المدى فضاءً لا تحيط به قدرة بشر... ولا تلحق به لمحة عين...

ولا تملك القبض عليه كف الإنسان التي تكبر في عينه.

فلا تعدو أن تكون قطعة من لحم... وبضعة عروق وأجزاء من عظم... وشيئا من مراكز حس تشعر حين ألم وحين زمهرير يلفحها ببرده أو بقيظه...؟!

هذا الداخل عامر بما لا تدركه البصائر ولا الأبصار.

عالم كلما عبر المرء بوقت الزمن...أو بزمن العمر...أو بعمر الحياة... اتسع ما شاء لتفاصيل العبور أن تعلق تترك فيه عدتها وعتادها...بذورها وحصادها...أنهارها ونيرانها... وجوهها وأصواتها..ألوانها وأشكالها...وأشياء لا حصر لها من الخيبات والأمنيات... وتفاصيل لا عدَّ لها من الأحلام والطموحات...

وأفكار ما لبثت أن تبخرت لكنها بقيت في ركن قصي من الداخل تتخمر لتنمو.. أو تترمد لتُبصَم.

هذا الداخل بحجم وكيفية وماهية ولون وشكل وجزيئات الوقت والزمن والعمر والحياة...دفتر كبير...

مدى وثير...عالم أثير...كون شمسي...ليل قمري...نهار راكض...وأسى صامت...وفرح هاجد..وابتسامات ناهضة.

صديقتي جاءتني...

جلست أمامي...على الطاولة المستديرة التي أمامنا بسطت ورقتها وأمسكت بقلمها ثم قالت لي:

هيا علميني كيف أرسم درب الداخل...ومن أين أبدأ الرحلة لفض ما فيه..؟

ربما لم أفكر في لحظة من الزمن أن بصمة إصبعي سوف تتجلى فوق أرنبة أنفي إلا حين ذهبت أتأمل سؤالها... لم يكن في وسعي أن أدفعها للحاق بذويها في رحلة سفر لتعفني من الإجابة...

لكنني سألتها بعد ذلك أن تترك لقلمها أن يتحرك بحرية في مساحة ورقتها... فهو الوحيد الذي سيرسم لها الدرب لا أنا.

اعترانا صمت...

جف فنجانا القهوة بعد ارتشافهما...قبل أن تنطق إحدانا بشيء.

ابتسام , ناديتها...

لم تجب...

برد كوب الشاي..

ابتسام , لم تجب...

تسللت بهدوء نحو مكتبي..تركتها تعبث على ورقتها...

بعد ساعة كانت ابتسام قد قررت أنها عرفت من أين تبدأ رحلتها للداخل.

يقيني بأن لا أجمل ولا أثرى نفعاً من هذه الرحلة على الأقل مرة في فراغ.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد