Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/08/2008 G Issue 13097
الخميس 06 شعبان 1429   العدد  13097
الناصية والجبهة والجبين
د. عبدالرحمن بن عبدالله حجر

قمت بترجمة كتاب طلبة الطب في مادة الأنف والأذن والحنجرة، وقد عانيت كما يعاني كل طبيب في فهم معاني العديد من الكلمات ووجود أكثر من معنى لكلمة واحدة وكنت أخشى أنني تسرعت في خوض غمار معركة خاسرة، فأنا لست لغوياً وليس لدي معرفة بالترجمة ولا أملك إلا نفسي ومشرط عملياتي وهنالك من هو أفضل وأعلم وأحرص مني، وسوف أضيع وقتي في شيء لا جدوى منه فمن سوف يقرأ كتاب مترجم في تخصص نادر؟ وهل وقتي الضيق يسمح لي؟ ومن أي الحسابات الوقتية سوف استعير هذا الوقت في الترجمة؟ هل هو من حساب العبادة أو الأسرة أو العمل أو الراحة أو أصدقائي..؟ تذكرت أن جميع أوقاتي عبادة فسوف أتعبد الله في الترجمة أما الأسرة فقد استشرتهم في هذا الموضوع وأعطوني الضوء الأخضر ولسان حالهم يقول (ما فرقت معنا أنت مشغول مشغول ويمكن لو تنشغل بالعربي نقدر نفهم عليك)، أما العمل فكنت أتصيد الفرص بين المرضى في العيادة والعمليات، أما الراحة فوجدت راحتي في تعلم شيء جديد وتعليمه، أما أصدقائي المقربين فقد غررت بهم فوقع خمسة منهم في الشبك ولقد واجهتني العديد من الكلمات التي لم أعرف معناها لبساطة ما أملك من لغة فرجعت إلى أمهات المعاجم المتوفرة في الشبكة العنكبوتية واكتشفت العديد من الكلمات التي حزنت على أنني لم أكن أعرف معانيها وهي في القرآن ومع البحث وجدت أن ما يقارب 80% من الكلمات في تخصصي قد ذكرت في القرآن فقمت بإعداد محاضرات بمعاني هذه الكلمات ووضع الصور لها والاستشهاد بالقرآن. وقمت بالترويج لفكرة إنشاء تجمع لعلماء الدين والأطباء وعلماء اللغة لكي يتقاربوا ويفيد كل منهم الآخر بما يعرف وبهذا سوف نعرف نحن الأطباء كيف نتواصل مع مرضانا باللغة التي يعرفونها وهذه أبسط حقوق المريض على الطاقم الطبي من أطباء وممرضين وفنيين ناهيك عن التعلم من مشايخنا وعلماء اللغة ما يزيد إيماننا ويرجع لنا كرامتنا التي لن نجدها يوماً بلغة أجنبية. لن أطيل عليكم فقد يكون للحديث بقية لكن دعوني أذكر لكم تجربتي مع ترجمة كلمة Frontal وجدت لها ثلاثة معاني الناصية والجبهة والجبين!! فأيهم صحيح؟! عندما رجعت إلى معاجم اللغة عرفت المعنى لكل كلمة فدعونا نرى معنى كل كلمة منها:

الناصية: هي مقدمة الرأس التي تلتقي فيها الجبهة بشعر الرأس. وفي (المعجم المحيط) الناصية: مقدم الرأس، قال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} شعر مقدم الرأس إذا طال.

ويقال: (القيا عند ناصية الشارع) أي رأس الشارع لدى ملتقاه بآخر، كما يقال: (أذل فلان ناصية فلان) أي أهانه وحط من قدره، ويقال: (فلان ناصية قومه) أي تشريفهم ويقال: (امتلك ناصية الأمر) أي أخذ السلطة. وجمعها نواص وناصيات. وقد ذكرت الناصية أيضاً في القرآن قال تعالى: {كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} العلق. ولكن ما هي العلاقة بين الناصية والكذب والخطيئة؟ أم أنها آية كغيرها من الآيات التي نمر عليها ولا نعرف معناها؟ تسمى القشرة الأمامية الجبهية للمخ الناصية وهي مركز التحكم بشخصية البشر وسلوكهم وتعاملهم مثل الصدق والكذب والصواب والخطأ.. الخ وهي التي تميز بين هذه الصفات وبعضها البعض وهي التي تحث الإنسان والحيوان على الخير أو الشر قال تعالى: {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} هود: 56. كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك..) وقوله: (أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته)، ومعروف طبياً أن الذين يعانون من إصابة أو التهاب أو ورم في الفص الأمامي من المخ يعانون من تغير في سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين. سبحان الله العظيم هذا ما أثبته العلم الحديث وهو في القرآن منذ ألف وأربعمائة سنة.

هذه الناصية ولكن ما هي الجبهة؟

الجبهة: جزء من الوجه يبدأ من الناصية إلى الحاجبين، قال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}(35)) سورة التوبة، يقال (جبهة القتال) أي واجهة القتال.

والجبين هل هو مرادف الجبهة أو الناصية أم أنه مختلف عنهما؟

في معجم المحيط الجبين: عن يمين الجبهة أو شمالها قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} (103) سورة الصافات. وجمعها أجبنة وأجبن وجبن. ويقال سلوك يندى له الجبين. وفي تفسير القرطبي (إن الذبيح قال لإبراهيم عليه السلام حين أراد ذبحه: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون الموت أهون علي واقذفني للوجه، لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع، وإذا أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلام. فلما جر إبراهيم عليه السلام السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس، فلم تعمل السكين شيئاً، ثم ضرب به على جبينه وحز في قفاه فلم تعمل السكين شيئاً).

هذا والله أعلم وأتمنى في الختام أن لا يقال ليته سكت وكان المشرط أولى ليمينه من القلم.

استشاري أنف وأذن وحنجرة
عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود
http://faculty.ksu.edu.sa/drhagr



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد