قبل سنوات قد تقدر بخمسة عشر عاماً، كانت هناك قصة تتردد أحياناً في المجتمع (أب مسكين أدخل إلى بيته الفيديو، وهو لا يعلم أنه أدخل الشيطان إلى بيته وبين أهله، وفي غفلة من الأبوين، جلست الفتاة المراهقة تشاهد الأفلام الخليعة عبر هذا الجهاز اللعين، فتنحرف وينحرف أخوها الأصغر، الذي شاهد أيضا الفيديو في غفلة من أهلهما...) الخ، المهم الأب يصاب بالشلل عندما يعرف ما حدث.
وتمر السنوات.. فتظهر الأطباق اللاقطة، وتنطلق القنوات الفضائية، ويتقهقر استخدام الفيديو، ولكن القصة نفسها تبقى: أب مسكين أدخل (الدش) إلى بيته....! ثم يأتي عصر الإنترنت، وبعد استخدامه فلا نجد أمامنا إلا القصة نفسها، (أب مسكين أحضر لأبنائه الإنترنت)!، ولست أدري كيف كان الأمر قبل أربعين أو خمسين عاماً فلست متأكدة إذا ما كانت نفس القصة ترددت على الألسنة في ذلك الحين عند غزو الراديو لأول مرة!! المهم أن هذا التعاطي مع التكنولوجيا يعكس نوع ثقافتنا، ومدى استعدادنا للتعامل مع هذه المعطيات، صحيح أن الانفتاح على وسائل الاتصال والإعلام يحمل بين ثناياه الشر كما يحمل الخبر والفائدة - وهذا أمر مفروغ منه - ولكن الإشكال في طريقة التوعية وأسلوب التناول الواعي المدرك لطبيعة هذا المد العلمي الهائل، البعض من المحذرين والناصحين ما زال يتناول الموضوع بطريقة غريبة من نوع: (لقد نجح الغرب الكافر في غزو وتدمير عقول الشباب في المجتمعات الإسلامية عن طريق الإنترنت والقنوات الفضائية...).
هل يريد أن يقنعنا بأن الغرب الكافر قد أنجز كل هذه المنجزات وأنفق عليها المليارات وسخر عقول علمائه ومخترعيه فقط من أجل أن يغزو ويدمر المجتمعات الإسلامية، وكأن هذه المجتمعات بحاجة إلى من يدمرها أو يغزو عقولها؟!
