Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/08/2008 G Issue 13107
الأحد 16 شعبان 1429   العدد  13107
تعقيباً على مقال السماري:
الحرية المطلقة تجعل الحياة فوضوية

اطلعت على مقال للكاتب الدكتور عبدالعزيز السماري كان عنوانه: (الإسلام والسلطة) في العدد ذي الرقم (13099) فأحببت أن أقف معه هذه الوقفات التي أرجو أن تجد لها مساحة في هذه الجريدة.

1 - كان مقال الكاتب دائراً حول ما أطلق عليه: (أفول السلطة الدينية)، وأنا هنا لن أتطرق لتفنيد هذا المصطلح وما يشوبه من شوائب أوحى إليها مقاله، وذلك لأن معالي الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله وهو عضو هيئة كبار العلماء قد ناقش الكاتب في رده الذي نشر في ذات العدد الذي نشر الكاتب فيه مقاله هذا (13099)، ولقد كان تعقيبه حفظه الله شافياً وافياً أظن الكاتب لن يتردد في الوقوف عندما دعا إليه.

2 - يقول الكاتب: (فالدرزي شكيب أرسلان كان عالماً مسلماً لا يُشق له غبار...).

ويفهم من كلام الكاتب هنا أن الأمير شكيب أرسلان ظل على العقيدة الدرزية طيلة حياته، وهذا أمر يظنه البعض لكنه يندفع بأمور بينها بعض الباحثين في هذا الشأن، ومنها: أنه قام بأداء فريضة الحج بل ألّف كتاباً في توثيق هذه الرحلة سماه (الارتسامات اللطاف) (ومن المعلوم أن الدروز ينكرون فريضة الحج).

ومنها ما كان بينه وبين الشيخ رشيد رضا من علاقة قوية لدرجة أن شكيب رحمه الله ألف كتاباً سماه (السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين عاما) وقد كان الشيخ رشيد يفتي بكفر الدروز، فكيف يجتمعان؟ ومنها: المراسلات التي ذكرها الكاتب والتي كانت بينه وبين الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله ومدحه للشيخ بقصيدة ذكرها المحقق القاضي في مقدمة كتاب (يأجوج ومأجوج)، وقد أفاد الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه عن (رشيد رضا) أن شكيب أرسلان كان على مذهب أهل السنة.. إلى غيرها من الدلائل التي تبرئه من تهمة البقاء على دين الدروز.

3 - ذكر الكاتب أمثلة ثلاثة لمن تأثروا بما سماه الكاتب (القوة الناعمة للإسلام) ثم قالك (ولم يحتاجوا إلى مغريات مادية لاعتناقه، ولا تأليف لقلوبهم، ليعلنوا إسلامهم في مهرجان احتفالي.. لكن ما جمعهم هو أن زمنهم خلا من دعوات الكراهية ومشاعر البغضاء لغير المسلمين، والذي ازدادت نبرته وحدته كثيراً في العقود الأخيرة.. ولي هنا ثلاث وقفات:

أ - إن كان زمن (القوة الناعمة) لم يسعفك إلا بذكر ثلاثة ممن أسلموا! ففي زمننا ما يفوق ذلك بكثير بحمد الله سواء كان على المستوى المحلي أو كان على المستوى الدولي، وسأذكر مثالاً واحداً على كل منهما، فعلى المستوى الدولي ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها للكاتب جودي ويلجورين بأن (الإسلام يعد أسرع الديانات انتشاراً في الولايات المتحدة، ويبلغ عدد المسلمين في أمريكا ستة ملايين مسلم)، وقال أحد الخبراء الأمريكيين (إن عدد الذين يعتنقون الإسلام سنوياً يقدر بخمسة وعشرين ألفاً)، وقال أحد رجال الدين المسيحي (إن عدد المسلمين قد تضاعف أربع مرات بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر).

أما على المستوى المحلي فتكفيك زيارة واحدة لمكتب من مكاتب دعوة وتوعية الجاليات وفق الله القائمين عليها لكل خير لتقف على الأعداد الكبيرة للداخلية إلى الإسلام، فعلى سبيل المثال نشر تقرير للمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالحمراء بمحافظة جدة بأن الداخلين إلى الإسلام منذ افتتاح المكتب عام 1415هـ وحتى عام 1426هـ بلغ عددهم (5469) مسلماً وهذا جهد مكتب واحد فقط!.

ب - تأليف القلوب ب(المغريات المادية) حكم جلي من أحكام الإسلام الواردة في الكتاب والسنة، وهو ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وفي السنة جاء ذكره في مواطن كثيرة أكتفي بما رواه البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، قال: بعد إلي النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فقسمه بين أربعة وقال: (أتألفهم).

يقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (فإذا كان الفقير يعطى منها لإحياء بدنه، فإعطاء الكافر الذي يرجى إسلامه من باب أولى).

ج - يقول الكاتب: (ليعلنوا إسلامهم في مهرجان احتفالي).

وأنا أقول: إن ما يقام من احتفالات ليس مقصوداً لذاته بالدرجة الأولى وإن كان جديراً به بلا شك، ذلك أن في إنقاذ إنسان من النار أعظم الغنيمة وأكبر الظفر وفي الصحيح: (فو الله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم)، إن في وجود المسلم حال إعلان إسلامه بين إخوته من المسلمين وتعرفه عليهم وتقويتهم له ودعاؤهم له بالغ الأثر على ثباته على دينه بعد توفيق الله.

4 - يقول الكاتب: (تكمن قوة هذا الدين في مبادئه الراشدة في زمن الرسول، عليه الصلاة والسلام فدعوة الإسلام الفطري خلت من السب والشتم أو القدح في عقائد الشعوب المجاورة، فقال الفرس ولم يذكر المجوس في دعوتهم للإسلام، وخاطب دولة الروم وخاض الحروب ضدهم، ولم يخاطبهم بالصليبيين).

كلام الكاتب هنا غير وجيه لما يلي:

أ - جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبين انحراف أصحاب العقائد الأخرى في نصوص لا تكاد تنحصر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}

ومنها: ما ورد في قصص الأنبياء مع أقوامهم.. وغير ذلك كثير.

وفي السنة ما هو أكثر من ذلك ومن الأمثلة عليه قوله صلى الله عليه وسلم في رسالته إلى (هرقل) وفيها: (من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وهي في صحيح البخاري رحمه الله.

ب - صح في الحديث وصف الفرس بالمجوس وهو حديث أورده البخاري رحمه الله في صحيحة، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرحه لهذا الحديث آثاراً متعددة فيها ذكر هذا الوصف لهم.

ج - أما وصف (الصليبيين) فهو وصف أراده الصليبيون لأنفسهم وقت الحروب الصليبية حيث كانوا يرتدون الصليب، ثم إنهم يرفعونه فوق كنائسهم كما هو معلوم، ولا زال أحفادهم إلى يومنا هذا ينسبون أنفسهم إليه، ولا يرون أن في النسبة إلى هذا الصنيع نوعاً من (السب أو الشتم أو القدح) كما يقول الكاتب الكريم!!.

5 - يقول الكاتب: (أفول السلطة التقليدية الحالية له علاقة بصعود قوى أو سلطات اجتماعية أخرى مثل تيارات الاقتصاد والثروة والفكر وحرية الرأي..).

وأقول : بعيداً عن مصطلح (السلطة) الذي ذكرت في بداية هذا التعقيب أنني لن أتطرق إليه، لا يشك عاقل فضلا عن مؤمن بأن الاقتصاد والثروة والفكر والرأي وغيرها والتي تتسم بالحرية المطلقة ليست من العقل في شيء، ولولا ذاك لأضحت الحياة فوضوية لا يمكن العيش فيها، ومن أجل ذلك تجد أن أكثر الدول إلحاداً تسن القوانين والتشريعات التي تنظم مسيرة حياة شعوبها، فإذا أضفنا إلى تلك الحقيقة التي لا جدل حولها أننا مسلمون نؤمن أننا خُلقنا لأجل عبادة الله جل وعلا كان من الواجب علينا أن نبحث عما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أوامر فنأتمر بها ونواه فننتهي عنها، وهذه هي حقيقة العبودية التي لا مناص عنها شئنا أم أبينا.

ومن أجل ذلك جاء في النظام الأساسي للحكم في هذه البلاد التصريح بمنع سنّ أي أنظمة تخالف الشريعة.

وأما علماء الشرع فهم مبلغون لدين الله مجلون لأحكامه، وقد أمرنا الله بسؤالهم عند الجهل فقال: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، لذا فإن اتباعنا لفتاواهم ليس اتباعاً لذواتهم كما يوهم المقال بل هو لأجل ما يبلغوننا إياه من الفهم الصحيح المستند إلى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

6 - وأما قول الكاتب: (فقد انتشرت الفتاوى، وصار لكل عالم وشيخ رأي وفتوى..).

أقول: هذا من أكبر الأدلة على أن علماءنا حفظهم الله يبذلون جهدهم وطاقتهم في البحث عن القول الراجح المستند إلى الدليل الشرعي دون النظر إلى قائله، وهذه منقبة عظيمة يشاد بها ولا تعد نقيصة يعابون بها!

ختاماً.. هذه بعض الوقفات التي أرجو أن يكون فيها الخير والنفع.

ماجد بن محمد العسكر-الخرج



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد