Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/09/2008 G Issue 13128
الأحد 07 رمضان 1429   العدد  13128
نوافذ (1)
الوحش
أميمة الخميس

افترس الإعلام الأمريكي الحياة الخاصة لحاكمة الاسكا والتي عينها المرشح الأمريكي الجمهوري لمنصب نائبة الرئيس، فبين ليلة وضحاها أمست تفاصيل طفولة ونشأة وعائلة (سارة بالين) تتداول في الصحف وعلى برامج التلفاز، بل وأيضاً في البرامج الفضائحية المعنية بفضائح المشاهير.

فبدأت الأضواء ترصد عائلتها، عمل زوجها وعلاقتها به، وابنتها القاصر (الحبلى) ورضيعها صاحب الاحتياجات الخاصة، بل تتبع هواياتها كونها تحب الصيد وأكل لحم الغزلان، حتى علاقتها بحماتها أم زوجها أصبحت مادة إعلامية مطروحة للمتلقين.

و(سارة بلين) التي كانت حاكمة لولاية الاسكا النائية والهادئة والتي يقطنها عدد محدود من السكان بالتأكيد أعشى عينيها هذا الكم الهائل من الأضواء من إعلام فضولي ومتسلط وخاضع للعبة الشد والجذب بين الأحزاب المتنافسة على الرئاسة.

الذي يهمنا من هذا كله أننا من خلال هذا الطوفان الإعلامي حولنا، أصبح لدينا اختلال بتنظيم قائمة الأولويات في أخبارنا الرئيسة أو تلك المتعلقة بهمومنا وقضايانا المصيرية.

فالعالم أصبح يتابع أخبار عائلة (بالين) بنفس الشغف والاهتمام الذي يتابعه بها أي أمريكي يعيش داخل حمى سباق المنافسات الانتخابية الأمريكية، وبالتالي تتقلص الأخبار المحلية على حساب الحضور المكثف للإعلام الأمريكي.

ومن هنا يصبح لدى المتلقي وعي مضطرب مشوش، مع عملية تغريب حادة عن قضاياه الحيوية الخاصة بمحيطه الحيوي أو الاقليمي.

وهذا بالتحديد أبرز ملامح الاستعمار الذهني الذي يسعى له الإعلام الأمريكي في سعيه لترسيخ دعائم إمبراطوريته حول العالم، فالمتلقين في دول العالم الثالث ورويدا رويدا سيشعرون بأنهم يعيشون على الأطراف والهوامش (كمتفرجين) فقط، وأن قضاياهم وهمومهم اليومية ليست بتلك الأهمية مقابل ما يطرحه ذلك الإعلام العجائبي الساحر، لاسيما أن هذا الإعلام بمثل ثقافة القوي والمتقدم تقنيا وحضاريا والذي بات معنيا منذ أجيال بصناعة الحضارة وتصديرها للعالم.

المفارقة هنا انه لا يوجد في مقابل ذلك صناعة إعلامية مضادة من شأنها أن تتصدى لهذا البث، عدا الطرح الخطابي المتشنج المقدم من الحركات الظلامية المتشددة، أو ذلك الخطاب الإعلامي التقليدي القائم على الحجب أكثر منه على الوضوح والمكاشفة، ضمن لغة خطاب رومانسية موثقة بالشعارات والآمال.

لم يستطع الإعلام الأمريكي أن يقتحم القلاع الأوروبية المحصنة بتفوقها الحضاري، لم يستطع أن يفرض عليها قائمة أولوياته وقضاياه، وظل على الهامش والأطراف في ظل وجود بدائل متصدية قادة على تكوين وعي قومي أوروبي مستقل، (تماماً كما لم تستطع أن تقتحم مطاعمه للوجبات السريعة ومقاهي القهوة الأمريكية المدن الأوروبية ذات الحضارة والإرث العريق في هذا المجال).

هذا كله يحيلنا إلى حالة الاغتراب التي يعيشها العالم الثالث عن قضاياه وهمومه، مقابل بث قوي قائم على صنعة إعلامية محترفة ومادة إعلامية قادرة على أن تخاتل وتناور ذهن المتلقي حتى تسقطه في إسارها.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد