Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/09/2008 G Issue 13139
الخميس 18 رمضان 1429   العدد  13139
البنان يتعثر والجنان يعجز
د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشعيل

بموت من كان له أثر في نفسك، وله وقع في حياتك، ليس أمامك إلا أن ترفع أكف الضراعة إلى الله داعياً له بالرحمة والمغفرة، وأن يجزل له المثوبة على ما قدمه من خير في حياته لك ولغيرك ممن تعرف ومن لم تعرف؛ فالموت حق وقضاء محتوم.

إن الفضلاء والكرماء والأوفياء والمصلحين والصادقين نهجاً ونمطاً في حياتهم عملاً وتعاملاً مع الآخر، يظل ذكرهم بعد موتهم، وكأنهم أحياء؛ لما قدموه من خير للآخر، ويبقى تأثيرهم علامة إيجابية في حياة الكثير ممن تعاملوا معهم، وبقي تأثيرهم متواصلاً ومتصلاً ومتأصلاً وممتداً من جيل إلى آخر، وذاك من الخير المأمول لهم بعد الغياب الذي هو قدر، وليس أمامنا إلا القول: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). إن البنان يتعثر والجنان يعجز أمام القدر الذي قضى بوفاة المربي والأب والإداري والمنظر والقائد الذي يعد علامة إيجابية في حياة الكثير ممن تعاملوا معه أو عملوا تحت مظلة قيادته.. إنه الرجل الذي تعجز الكلمات طوعاً للبنان عن خط لقب له.. إنه الشيخ محمد بن عثمان الركبان.

عرفته منذ أن تجاوزت الجامعة إلى ميدان العمل وأخذ بيدي منذ الوهلة الأولى؛ لأنه يؤمن بواجبه كموجه ومرب؛ فكان لطيفاً معي؛ كبح بلطفه رعونتي وعدم قدرتي ومعرفتي وجهلي بأساليب الحياة ومناهجها؛ فوجه الطموح لديّ منذ اللقاء الأول به أحمل أوراق التعيين، وكان ذلك بمقر رئاسة الحرس الوطني القديم بالمربع، وقد تم ترشيحي على وظيفة مدقق حسابات؛ فاعترضت على ذلك؛ لأنني سبق أن عرفت صعوبة العمل في الحسابات التي سبق أن تدربت عليها وأنا أدرس في الجامعة بإحدى الدوائر الحكومية، وبحكم تخصصي الأدبي كنت أجد أنها ثقيلة عليّ، ولكنه رد عليّ بالقول: (نحن نحرس....)، وكأنه وضع بذرة الثقة في نفسي متخذاً المنهج التفاعلي والاستيعابي في القيادة الإدارية دون تكلف وبمنطق وطني وكأنه يرمز بقوله إلى أنه حارس للمفاهيم العملية للشباب منطلقاً من واجبه كأحد مسؤولي الحرس الوطني محققاً لأهداف مركزه الإداري بكفاءة وقدرة والمفاهيم الوطنية التي أفنى عمره من أجل تحقيقها كمعلم في المدارس الحكومية ثم مسؤول عن الإدارة في الحرس الوطني منتهجاً بتصرفه معي ومع غيري من أهداف الحرس الوطني كمؤسسة حضارية وبرؤية واعية للأهداف من منطلقات تتسم بالإخلاص نحو واجباته الوطنية.

عرفت قدر ذلك الرجل منذ بداياتي العملية تحت قيادته، ولم يكن جدلي معه والاعتراض عليه في أول لقاء معه سبباً في إبعادي أو في أن يتضايق مني بل جعل رحابة الصدر، وتلا ذلك متابعة واهتمام، ووجدته يغفر رعونتي موجها لي المسيرة الإدارية في أبوة لا يدرك معانيها إلا من تقدمت به خطوات العمل والتفاعل الإداري الراقي الذي يخلو من الإشكالية التنافسية السلبية، خصوصاً بعد أن جربت العمل مع غيره في موقع عمل آخر في الحرس الوطني.

إن هذا المربي الجليل - رحمه الله - ليس بحاجة إلى شفاعة من قال او خط بيده فهو بما أبان من إيجابيات تعددت وتنوعت وكثرت تبيح لي ولغيري أن يصفه بجليل الصفات، ويذكره بالخير حياً أو ميتاً، ولعل من قام بتعليمهم الخط بدأ تفصح رقاعهم بما هو أجل وأفصح، ولعلهم يدركون ذلك من خلال ما اعتراهم من رؤية في حياتهم، وإن لم يفصح جلهم بذلك، كما أن من عملوا تحت قيادته لا يستطيعون إنكار ما قدمه لهم من معروف؛ فالشمس تضيء دون استئذان البشر.

هذه وقفة وذرة من الذرات التي قدمها ذلك الرجل الفاضل الذي أبى طيلة حياته إلا أن يكون شعلة وطنية همه وحياته كرسها من أجل أن يكون مصلحاً ومربياً له رؤية مستقبلية تتشرف الأشياء وينظر إليها نظرة الفضلاء، وقد قيل: (ويؤمن أنه اليوم أو غداً فاني.. فما الذكر إلا لصاحب الإحسان) هنا لا يسعني إلا أن أقف، وعلَّ الأيام مستقبلاً تبيح لي وتمكنني من أن أقدم ولو نزراً يسيراً عن هذا الأب صاحب الفضل والمعروف مع يقيني بأنني لن أستطيع أن أقدم له مقابل ما قدمه للوطن عموماً، ولي على وجه الخصوص، ولو جزءاً يسيراً من معروفه الذي أراه باقياً طيلة حياتي ومن بعدي؛ فجزاه الله خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته.

- مدير عام الشؤون الثقافية بوزارة التربية والتعليم



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد