Al Jazirah NewsPaper Friday  19/09/2008 G Issue 13140
الجمعة 19 رمضان 1429   العدد  13140
(فادي) الحبيب! رحم الله أباك 1-2
بقلم د. زهير الأيبوبي

قرأت للابن العزيز السيد (فادي إبراهيم الذهبي) في العدد (13062) من هذه الجريدة، الصادر يوم الخميس 29 من جمادى الآخرة 1429هـ، مقالاً بعنوان (عزنا.. فخرنا.. مجدنا) بمناسبة الذكرى الثالثة لتولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في بلادنا العزيزة...

لقد كان ذلك المقال صادقاً مخلصاً حاراً من عنوانه..

نعم إن (عبدالله بن عبدالعزيز) هو (عزنا) الذي نعتز به كل الاعتزاز.. وهو (فخرنا) الذي نفتخر به على غيرنا.. وهو (مجدنا)، مجد وطننا الغالي، ومجد عالمنا العربي، ومجد الأمة الإسلامية، بل هو مجد الإنسانية في كل مكان من هذه الدنيا..

يقول (فادي إبراهيم الذهبي):

(وتمضي الأيام تباعاً، وتعبق من أرض الجزيرة العربية نسمات الذكريات تحمل معها أمجاد التوحيد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله. ونشأت الدولة السعودية الحديثة التي أصبحت ملكاً للتاريخ، وضربت بجذورها عميقاً في مجتمعها وشعبها، واستمرت صورة البطولة في أبنائه الميامين من بعده الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد - رحمهم الله - في حمل راية التوحيد، ثم استلم الراية من بعدهم خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) أطال الله في عمره، وأطل علينا (عبدالله) متوكلاً على الله مبتدئاً باسم الله يحمل العهد، عهد الولاء، عهد العزيمة والإصرار وتحدي الصعاب.. إلى آخر هذا المقال الصادق المخلص العفوي الحار الذي لا أريد إعادته، فقد قرأه كل من اقتنى (جريدة الجزيرة) في ذلك اليوم، ولكنني أريد أن أقول إن النهج الذي ربى عليه أخونا الحبيب، الأستاذ (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله أولاده عليه، من حب هذه البلاد التي احتضنت مقدسات الإسلام، وحب قادتها العظام الذين أعطوا للدنيا كلها الدروس التي لا تنسى في حب وطنهم وفي خدمة شعبهم وفي العمل على تحقيق المجد لأمتهم العربية والإسلامية، وفي رعاية الإنسان أي إنسان في كل مكان.. إن النهج الذي ربى (إبراهيم الذهبي) أولاده عليه، ها نحن نراه حياً واقعاً أمامنا من خلال مقال (فادي) سلمه الله، وهو عيّنة رائعة صادقة من أولاد (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله، وهم (نضال) و(فادي) و(حسين) و(مجد) بارك الله فيهم جميعاً وجعلهم خير خلف لخير سلف.

لقد كان الابن (فادي) يحفظه الله في مقاله أشبه ما يكون بالجدول الصغير المنبثق من النهر الكبير، والبحر المحيط، أو الغصن الأخضر الغض الممتد من تلك الدوحة الكبيرة أو الأيكة الملتفة الأشجار، أو الطَّلِ الندي الرطيب، الذي نتج عن ذلك الوابل الغزير، والمطر المدرار.. إنه أشبه ما يكون بالمهر العربي الأصيل الذي يذكر بالحصان الجواد السبّاق المتميز المعقود بناصيته ونواصي أترابه الخير.

نعم يا قارئي العزيز، إن (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله، كان في عمله الإعلامي نهراً كبيراً، وبحراً محيطاً، كان دوحة فريدة باسقة ملتفة الأغصان. وكان كذلك وابلاً مدراراً، وجواداً عربياً أصيلاً لا يشق له غبار!

تعرفت على هذا الرجل أول ما تعرفت عليه حينما كنت طالباً في المرحلة الثانوية في (دمشق) في أواسط وأواخر عقد الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي، وكان واحداً من المذيعين النجوم في (إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في عمان)، (محمود الشاهد)، و(عمر الخطيب)، و(إبراهيم الذهبي)، و(سليمان المشيني)، و(عائشة التيجاني) و(هند التونسي)، و(كوثر النشاشيبي)، وسرعان ما انضم إليهم (حيدر محمود) الذي صار وزيراً للثقافة فيما بعد وسفيراً لبلاده في أكثر من بلد وخاصة في (تونس)..

كان هؤلاء المذيعون النجوم من الرجال والنساء يتناوبون على قراءة نشرة أخبار الساعة الثانية بعد الظهر، ويتبارون من حيث يشعرون أو لا يشعرون في أداء قراءتها على الوجه الأكمل، وكان قائدهم في تلك الفترة، مدير إذاعة (عمان) الأستاذ (صلاح أبوزيد) الذي صار وزيراً للإعلام فيما بعد..

وعلى صعيد آخر كان في الإذاعة السورية في ذلك الوقت عدد من المذيعين النجوم من الرجال والنساء، يتقدمهم الأمير (يحيى الشهابي) ثم (توفيق حسن) ثم الدكتور (صباح القباني) ثم (عصام البديري) و(عادل خياطة) و(فؤاد شحادة) و(عبدالهادي البكار) و(عبلة الخوري) و(فاطمة البديري) و(إحسان المحمودي). وكان مدير الإذاعة في ذلك الحين الصحفي العبقري الأستاذ (أحمد عسة) عليه رحمات الله.

لقد تجلى صوت (إبراهيم الذهبي) وأداؤه في قراءة نشرات الأخبار في إذاعة (عمّان) وخاصة في نشرة الأخبار الرئيسية في الساعة الثانية بعد الظهر، وكذلك في قراءة البرامج المختلفة وخاصة في قراءة البرامج السياسية التي من أهمها حديث (يا حماة الديار) اليومي مع بداية الستينيات من القرن الميلادي الماضي الذي كان موجهاً إلى أحرار سورية لكي ينتفضوا على الحكم الناصري الدكتاتوري الغاشم.

ولقد برز (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله في تلك الآونة وما بعدها، ليس كعلم من أعلام المذيعين الأردنيين فحسب، بل كعلم من أعلام المذيعين في العالم العربي كله..

وكنت أشعر أن (إبراهيم الذهبي) في تلك الفترة وما بعدها قد جمع صوته وأنا أستمع إليه وأتابعه في برامجه المختلفة، أن صوته ذاك قد جمع في ثناياه بين (رنين) الذهب الإبريز الخالص، وبين (زمزمة) الرعد، و(زئير) الأسود، وبين (ألحان) الكنار والفحل الشجي الحزين..

ولا أبالغ إذا قلت: كنت أشعر وأنا أستمع إليه وهو يقرأ مادة إذاعية باقتناع وراحة وانسجام، كأنني أستمع إلى قصيدة حلوة جميلة صاغتها ريشة (أمير الشعراء) أحمد شوقي عليه رحمات الله، ويؤديها (محمد عبدالوهاب) أو (أسمهان) أو (كوكب الشرق) أم كلثوم عليهم رحمات الله.

وحينما كلفت بأن أكون المسؤول الأول في (إذاعة الرياض) عام ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين الموافق عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين، وطفقت أراجع ومن معي في تلك الفترة من الزملاء، النقاط التي علينا أن نراجعها، والأمور المطلوب استحداثها في سبيل النهوض بالإذاعة العمل على رفع مستواها بحيث تصبح إذاعة مسموعة، ومتابعة لها شعبيتها على النطاق المحلي، ولها متابعوها على النطاق العربي..

كان من بين النقاط الأساسية التي اتضح لنا أهميتها، معالجة النقص الحاد في الأصوات الإذاعية القوية المقتدرة التي تفتقر إليها الإذاعة، لتقديم نشراتها الإخبارية، وأداء برامجها الثقافية الكثيرة، وتغطية الإذاعات الخارجية الكثيرة التي تكلف بتغطيتها..

ولأن تحقيق هذا الأمر لا يتم بين يوم وليلة، فقد فتحنا أبواب التعاون مع الإذاعة على مصراعيه، ومكّنا من لديه الرغبة والقدرة والاستعداد للعمل في الإذاعة من المواطنين والمقيمين على التعاون مع الإذاعة، إضافة إلى أعمالهم الأساسية، فقد كان العمل في الإذاعة لا يصلح له كل واحد - وخاصة في مجال المذيعين - وإذا صلح، فلا يميل إليه الناس، إذ إنه عمل مسؤولياته كثيرة، فضلاً عن حساسيته، وليس فيه أي ميزة عن غيره من الأعمال الإدارية الأخرى في وزارات الدولة المختلفة.

ونتيجة لذلك فقد انضم إلينا عدد لا بأس به من الشباب السعوديين والمقيمين كمذيعين متعاونين ومنهم: الدكتور علي الخضيري، والأستاذ منصور الخضيري، والأستاذ عوني كنانة يرحمه الله، والأستاذ علي آل علي يرحمه الله، والأستاذ محمد معروف الشيباني، والأستاذ محمد خير الغلاييني، والأستاذ عبدالرحمن زارع، والأستاذ محمود عواد وغيرهم.

وعلى صعيد آخر فقد تقرر التعاقد مع عدد من العناصر الإعلامية المميزة من الدول العربية المجاورة، وتشكلت لجنة في وزارة الإعلام مني ومن ثلاثة زملاء آخرين يمثلون (التلفزيون) و(الشؤون الهندسية) و(الإدارة)، سافرت على سنتين إلى كل من (الأردن) و(سوريا) و(لبنان) و(مصر)، وكانت حصيلة هاتين السفرتين أن فزنا بعدد من البطاقات الإعلامية والهندسية والإدارية المميزة وكان في طليعة هذه الطاقات، الزملاء الأساتذة (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله، و(جودت مرقة) و(سلامة محاسنة) و(علي الغرايبة) و(مهدي يانس) و(أحمد الردايدة) من (الأردن) الشقيق و(ميسر سهيل) و(كمال البني) و(عصمت شيخو) و(عدنان الدبسي) و(سعيد قتلان) من (من سورية الشقيقة) والشيخ (محمد صلاح الدين كبارة) و(عبدالمجيد الذهب) من (لبنان) الشقيق و(صالح مهران) و(زكريا شمس الدين) و(مصطفى النحاس الزيادي) و(عبدالله عمران) و(ماهر الرفاعي) من (مصر) الشقيقة..

لقد كانت حصيلة تعاقدنا في هاتين السفرتين كبيرة جداً ويكفي أنه انضم إلى (إذاعة الرياض) في معظم أقسامها فضلاً عن (التلفزيون) والإدارات الأخرى في الوزارة عدد من العناصر المتميزة الرائدة في مجالاتها، وأخص بالذكر منهم الزميل الأستاذ (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله، والزميل الأستاذ (صالح مهران) متعه الله بالصحة والسعادة..

ومهما يكن من أمر، فإن حصيلة سفرتي التعاقد مع الموظفين من الدول العربية التي بينتها سابقاً إن لم تكن إلا التعاقد مع هذين المذيعين الكبيرين النجمين (إبراهيم الذهبي) و(صالح مهران) لكفى، وحصل المطلوب!

ذلك أن كل واحد منهما يعتبر في وقته ثروة وطنية.. ثروة وطنية لبلده بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى! ولو كنت مسؤولاً صاحب قرار في بلديهما تلك الأيام، لما سمحت بسفرهما للعمل خارج بلديهما، ولسعيت في أقل تقدير إلى وضع حواجز وعقبات في طريق سفرهما، ومن هذه الحواجز والعقبات توفير الحوافز بكل أنواعها لهما في بلديهما! وإذا كان لا بد من سفرهما لأسباب وجيهة جداً، فليكن ذلك ضمن شروط أهمها أن لا يعملا خارج بلديهما إلا عدداً قليلاً من السنوات يعودان بعدها إلى ميدان العمل الذي برزا فيه وتألقا من خلاله، وصار لكل واحد منهما جمهوره الكبير، وشعبيته الواسعة..

أقول هذا الكلام لأنني أعتبر المذيع المتفوق المميز في بلده على الأقل، يحتل موقعاً مميزاً مرموقاً، لا يقل عن الموقع الذي يحتله الشاعر المميز، والكاتب المميز، والمطرب المميز، والملحن المميز، ولاعب كرة القدم المميز، وغيره وغيره من المتفوقين المميزين.

إنني أعتبر (إبراهيم الذهبي) و(صالح مهران) وأقولها بالفم المليان، لا يقلان في مجال الإذاعة المذيعين عن (محمد عبدالوهاب) و(أسمهان) و(أم كلثوم) و(صباح فخري)، و(فيروز) و(وديع الصافي) و(ناظم الغزالي) و(محمد عبده) في مجال الطرب والغناء.

ولا يقلان عن (أحمد شوقي) (وحافظ إبراهيم) و(بدوي الجبل) و(عمر أبوريشة) و(الأمير عبدالله الفيصل) و(عبدالله بن خميس) و(محمد مهدي الجواهري) و(نازك الملائكة) و(إبراهيم طوقان) و(الأخطل الصغير) و(أمين نخله) و(محمود درويش) في مجال الشعر والشعراء.

ولا يقلان عن (بيله) و(مارادونا) و(زيدان) و(بلاتيني) و(ماجد عبدالله) في مجال الرياضة وكرة القدم.

ولا يقلان عن (مصطفى العقاد) و(يوسف شاهين) في مجال السينما والإخراج السينمائي..

وما قلته في حق (إبراهيم الذهبي) عليه رحمة الله وفي حق (صالح مهران) أقوله في حق الزملاء الكبار العمالقة الأستاذ (مطلق الذيابي) رحمه الله والدكتور (بدر كريم) والأستاذ (ماجد الشبل) والأستاذ (محمد عبدالرحمن الشعلان) عليه رحمات الله والدكتور (محمد صبيحي) والأستاذ (غالب كامل) والدكتور (حسين نجار) والأستاذ (علي داوود) والأستاذ (بكر باخيضر) والدكتور (محمد كامل خطاب) عليه رحمات الله وغيرهم وغيرهم..

وإذا اعترى قارئي العزيز أدنى شك في كلامي هذا فليسأل عن المكانة المرموقة التي وصل إليها المذيع الإنجليزي الشهير (روبن دي) من خلال عمله كمذيع في (بريطانيا)! ويكفي أن الملكة (اليزابيث) ملكة (بريطانيا) قد منحته لقب (سير)! وأن يتعرف كذلك على أهمية المذيع السيد (لاري كنغ) في الولايات المتحدة الأمريكية، والدور المهم الذي يلعبه في الحياة السياسية المعاصرة، ليعلم أنني لم أبالغ في هذا الكلام، ولم أبتعد عن الحقيقة على الإطلاق!

كان (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله أول الواصلين إلى الرياض من بين الذين تعاقدنا معهم من (الأردن) الشقيق ولاسيما أنه كان البلد الأول الذي توجهنا إليه، ولم أكن وزملائي في لجنة التعاقد قد انتهينا من مهمتنا، فكان في استقباله في مطار الرياض زميلنا الكبير الأستاذ (ماجد الشبل) متعه الله بالصحة والعافية، وكتب الله له الشفاء العاجل والكامل مما يعاني منه، ولأترك الآن (لإبراهيم) عليه رحمات الله، يصف وصوله للرياض، ولقاءه بالزميل (ماجد الشبل) لأول مرة..

يقول إبراهيم: استقبلني الأخ (ماجد) باحترام وجدية، وقال لي لا بد أن أدعوك الآن إلى طعام الغداء قبل أن نتوجه إلى الفندق، وكان يلبس نظارة شمسية سوداء - علمت فيما بعد أنه كان يقصد من لبسه لها إخفاء حركات عينية، في الوقت الذي يراقب فيها حركات عيني.!

قلت حسناً بارك الله فيك.. وركبنا السيارة، كنت بجانبه طبعاً.. وكان الوقت هو الساعة الثانية بعد الظهر، وكنا في أواسط شهر آب (أغسطس) والشمس في أوج شدتها ودرجة الحرارة في الظل قريبة من الخمسين!

وما إن سارت بنا السيارة بضع عشرات من الأمتار، وبعد أن سألني (ماجد) عن أحوالي وأموري مطمئناً عليّ، حتى قال لي فجأة ودون مقدمات: الحمد لله (مافيه) برد! إن البرد أساس كل علة!

(قال هذه الكلمات بمنتهى الجدية). فأجبت على الفور (وقد ألقيت بنفسي داخل السيارة قبل قليل هرباً من حر الشمس الشديد).. فأجبت: الحمد لله..! الحمد لله..!

وبعد دقائق من الصمت، ومن تعجبي واستغرابي من كلام (ماجد) وأنا أتصبب عرقا! قال (ماجد) مرة ثانية: نعم الحمد لله.. الحمد لله (ما فيه برد).. فقد قتل البرد الصحابي الجليل (أبا الدرداء) كما يُقال!

فقلت: نعم يا سيدي نعم.. الحمد لله على كل حال!!

ثم عاد (ماجد) إلى الصمت من جديد.. وبدأت أسرح في خيالي بعيداً وأنا أغرق في عرقي، وأقول في نفسي: لا بد أن أهل هذا البلد و(ماجد) واحد منهم قد تأثروا من كثرة تعرضهم لحرارة الشمس الشديدة في مثل هذه الأيام من الصيف فأصيبت صمامات (فيوزات) عقولهم، فأصبحوا يهذون أو يهرفون بما لا يعرفون في بعض الأحيان!!

.. وإذا ب(ماجد) يقول مرة ثالثة:

الحمد لله!

فقاطعته باللا شعور بقولي:

(ما فيه برد)!.. أليس هذا ما كنت تود أن تقوله؟!

فانفجر (ماجد) بضحكة قوية عالية.. وانفجرت كذلك بضحكة عالية أخرى.. وضحكنا وضحكنا وضحكنا.. وقلت له ونحن على مائدة الغداء:

لست أدري من هو صاحب هذا (المقلب)؟ هل هو (زهير) الذي طلب إليّ أن أبرق لك بموعد قدومي؟ أم هو أنت الذي جعلتني أعيش على أعصابي حوالي نصف ساعة؟!

فقال (ماجد):

الجواب على ذلك أن هذا (المقلب) وضع على النّار في (عمان) ونضج واستوى على سوقه هنا في (الرياض)!.. فهو (مقلب) مشترك!!

ولقد انضم (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله إلى الزملاء المذيعين في (إذاعة الرياض) وشكل معهم ومع المذيعين المتعاقدين الذي قدموا من بعده مجموعة مميزة من المذيعين ساهمت مساهمة فعالة كبيرة في القيام بالنهوض ببرامج الإذاعة وموادها المختلفة التي كانت تبث على الهواء مباشرة أو تبث بعد تسجيلها..

ولقد كان ل(إبراهيم الذهبي) حضوره المميز في قراءة نشرات الأخبار والتعليقات السياسية والبرامج المختلفة التي كانت تسجل قبل إذاعتها..

لقد عملنا معاً في (إذاعة الرياض) منذ قدومه في أوائل السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وحتى عامي ألف وتسعمائة وثمانين حين استقلت من العمل واستمر هو يرحمه الله في الإذاعة يعطي ويقدم وينتج.

وإنني لأتذكر العقد السابع من القرن الميلادي الماضي حيث كانت إذاعة (الرياض) في أوج عطائها وتألقها وسبقها. ويكفي أن تعلم - قارئي العزيز - أن المذيعين الذين كانوا يعملون فيها في ذلك العقد هم: (ماجد الشبل) و(محمد عبدالرحمن الشعلان) عليه رحمة الله و(محمد علي كريم) و(إبراهيم الذهبي) عليه رحمة الله و(صالح مهران) و(محمد كامل خطاب) عليه رحمة الله و(غالب كامل) والدكتور (علي النجعي) والدكتور (علي الخضيري) والدكتور (عايض الردادي) و(عبدالرحمن يغمور) و(منصور الخضيري) و(جودت مرقة) و(سلامة محاسنة) و(علي الغرايبة) و(ميسر سهيل) و(كمال البني) و(عدنان الدبسي) و(مصطفى النحاس الزيادي) وغيرهم وغيرهم.. إنني أزعم أن هذا العدد الكبير من المذيعين المميّزين النجوم والمذيعين الجيدين لم يتوفر في أي إذاعة أخرى في ذلك الوقت، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى الذي حبانا به ونحن نسير في قافلة الإعلام في هذا البلد الطيب المبارك وتحت ظل قيادته الرشيدة.

إن عقد السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، عقد الازدهار والتألق في إذاعة (الرياض) يذكرني بعقد الخمسينيات من نفس القرن، حيث كان عهد ازدهار وتألق في إذاعة (دمشق) عهد الأستاذ (أحمد عسة) عليه رحمة الله ومعه الأمير (يحيى الشهابي) عليه رحمة الله والأستاذ (توفيق حسن) والدكتور (صباح القباني) والأستاذ (فؤاد شحادة) والأستاذ (عادل خياطة) عليهما رحمات الله والأستاذ (عبدالهادي البكار)..

وعهد ازدهار وتألق في إذاعة (القاهرة) حيث كان الأستاذ (حسني الجديدي) ومعه الأساتذة (جلال معوض) و(أحمد فراج) و(فاروق خورشيد) و(صلاح زكي) و(جمال السنهوري) و(صلاح خليفة) رحم الله من سبقنا منهم إلى لقاء الله وأمد الله في أعمار الباقين.

وعهد ازدهار وتألق في إذاعة (عمان) حيث كان الأستاذ (صلاح أبو زيد) ومعه الأستاذ (محمود الشاهد) والأستاذ (سليمان المشيني) والدكتور (عمر الخطيب) عليه رحمة الله والأستاذ (حيدر محمود) والأستاذ (إبراهيم الذهبي) عليه رحمة الله موضوع حديثنا في هذا المقال.

لقد تألق (إبراهيم الذهبي) خلال وجوده في إذاعة (الرياض) في كل الأمور التي أوكلت إليه.. تألق في تقديم نشرات الأخبار والتعليقات السياسية كما أسلفت، وتألق في تقديم برنامج (الحرس الوطني) الذي كان يميزه صوته القوي المعبر الرصين..

ولقد كانت مناسبة الحج السنوية فرصة نادرة ل(إبراهيم الذهبي) عليه رحمة الله ولأمثاله من المذيعين السعوديين المميزين وزملائهم من المذيعين المتعاقدين، لأن تظهر فيها إمكاناتهم وطاقاتهم في المشاركة في تغطية بعض المشاعر بصورة حية، وخاصة تلك التي كانت تنقل بصورة مباشرة من (عرفات) ومن (منى) ولاسيما أن عدداً كبيراً من إذاعات ومحطات تلفزيون الدول العربية والإسلامية، كانت تدفع في تلك المناسبة بخيرة ما عندها من المذيعين للمشاركة في تغطية شعائر تلك المناسبة السنوية العزيزة على نفس كل مسلم، وأذكر أن (القاهرة) كانت تدفع بالأستاذ (أحمد فراج) عليه رحمة الله ليمثلها في هذه المناسبة وكانت (عمان) تدفع بالدكتور (إبراهيم زيد الكيلاني)، و(دمشق) تدفع بالأستاذ (مروان شيخو) عليه رحمة الله، و(أبوظبي) تدفع بالأستاذ (عبدالله النويسي) و(بيروت) تدفع بالأستاذ (شفيق جدايل) وبغداد تدفع بالأستاذ (ماجد السمرائي) والكويت تدفع بالأستاذ (حمد المؤمن)، و(تونس) تدفع بالأستاذ (عبدالحفيظ بوراوي) أو الأستاذ (محمد قاسم المسدي) و(مسقط) تدفع بالأستاذ (ذياب بن صخر العامري).. فكان المجال، مجال تغطية شعائر الحج مجالاً كبيراً للتنافس وتقديم الأجود والأحسن والأكثر تأثيراً في نفوس ملايين المتابعين لهذا الحدث العظيم من أبناء وبنات العالم العربي والعالم الإسلامي والناطقين بالعربية والفاهمين لها في كل مكان.

كان (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله إنساناً طيب القلب، نقي السريرة، لا تملّ من حديثه، خفيف الروح، يضج بالفرح والمرح، يحسن الرواية، ويصغي إليك بكل جوارحه حينما تتحدث إليه، وقد يسرد عليك قصة واحدة في جلسات متعددة، مرات كثيرة، لا تمل من سرده لها، فقد كان في كل مرة يضيف للقصة بعض الإضافات غير المخلة بخطها العام، أو بعض الذيول والزوائد، فتشعر بأنك تسمع تلك القصة لأول مرة.. وكثيراً ما كنا نطلب إليه - يرحمه الله - أن يعيد علينا قصة من القصص التي رواها من قبل، ونضحك عند الوصول إلى نهايتها كأننا نسمعها لأول مرة وكان (إبراهيم) عليه رحمات الله ينسى في بعض الأحيان نسياناً محرجاً! من ذلك ما رواه لنا بنفسه عن نفسه، وأن مثل هذه الحادثة حصلت معه أكثر من مرة.. فقد يطلب منه أهل بيته في ساعة من ساعات الضحى أن يحضر لهم وهو عائد إلى بيته عند الغداء شيئاً من (الخبز) للمائدة، ويخرج من بيته على هذا الأساس، فيلتقيه خارج البيت أحد زملائه يدعوه إلى الغداء، فيقبل دعوته، ويذهب معه إلى الغداء، وبعده، بعد الانتهاء من شرب القهوة والشاي، يتذكر أن أمامه فترة في الإذاعة لا بد له أن ينفذها ما بين الساعة السادسة والساعة العاشرة مساء، فيسرع إلى تنفيذها، ثم يتوجه عائداً إلى بيته بعد انتهائها، فيتذكر (الخبز) المطلوب منه، فيشتريه ويذهب به البيت! ويكون قد فات الوقت، وتغدى من تغدى دون (خبر) أو ربما ب(خبز) قد استلفه أهل البيت من جيرانهم!!!

كان (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله مثقفاً واعياً، وكان قارئاً جيداً، لكنه لم يكمل دراسته الجامعية! فقد حدثني على ما أذكر أنه بعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية، حاول إتمام دراسته الجامعية في جامعة (دمشق) وانتسب إلى كلية (الحقوق) فيها على مدى سنتين أو ثلاث ولكنه لم يكمل الدراسة بسبب ظروفه العملية.

من بين المناسبات التي حلّق فيها (إبراهيم الذهبي) وظهرت فيها طاقاته وإمكاناته الإذاعية وقدراته التصويرية الصوتية ثلاث مناسبات لا أنساها؛

المناسبة الأولى، يوم استشهد الملك (فيصل بن عبدالعزيز) طيب الله ثراه وانضمت في ذلك اليوم وما بعده كل إذاعات المملكة إلى إذاعة (الرياض)، وتبارى فيها مذيعو إذاعات المملكة وخاصة في (الرياض) وفي (جدة) في تغطية ذلك الحدث العظيم وخاصة في تغطية مشاعر الناس التي تعبر عن حزنها العميق لفقدان الملك الشهيد عليه رحمات الله، ومبايعتها للملك (خالد) عليه رحمات الله، وتمنياتها له بالتوفيق، وأملها الكبير بالله أن يسدد خطاه إلى ما فيه خير البلاد ورغد العباد.

وقد تبارى في تلك المناسبة التي لا تنسى نجوم المذيعين في كل من (الرياض) و(جدة)، تبارى كل من الدكتور (بدر كريم) والأستاذ (ماجد الشبل) والأستاذ (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله، والأستاذ (محمد عبدالرحمن الشعلان) عليه رحمات الله، والأستاذ (صالح مهران)، والأستاذ (علي داوود) والأستاذ (غالب كامل) والدكتور (علي الخضيري) وغيرهم وغيرهم، فقدموا صوراً صادقة من الحب والولاء لهذا الوطن، وتعاهدوا على الإخلاص له والعمل على ما فيه خيره، وتعاهدوا كذلك على بذل الغالي والنفيس طاعة لله، وطاعة للرسول وأولياء الأمر في هذه البلاد الذين تشرفوا بخدمة ديننا الإسلامي الحنيف، وإحياء أحكامه في كل مناحي الحياة. كان ذلك في شهر ربيع الأول من عام ألف وثلاثمائة وخمسة وتسعين.

وكانت المناسبة الثانية يوم عاد الملك (خالد بن عبدالعزيز) من رحلته للاستشفاء في (بريطانيا)، ونقلت إذاعة (الرياض) وكان معها كل إذاعات المملكة موكبه الملكي الكريم من مطار (الرياض) وإلى قصر جلالته على الهواء مباشرة ولأول مرة.. وفي هذه المناسبة التي لا تزال محفورة في الأذهان تجلت إمكانات وطاقات (إبراهيم الذهبي) عليه رحمات الله وزملاؤه نجوم إذاعة (الرياض) في تلك الفترة، فأعطت للمناسبة أهميتها، وأضفت عليها ما تستحقه من الروعة والإجلال والتقدير.

والمناسبة الثالثة، كانت في مشاركاته ولأكثر من سنة في ملتقى (الجنادرية) الثقافي والفني والتراثي والشعبي التي كانت مميزة، وكان عطاؤه فيها عطاء رائداً ملحوظاً!!.

د. زهير الأيوبي





 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد