Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/09/2008 G Issue 13144
الثلاثاء 23 رمضان 1429   العدد  13144
اليوم الوطني والبناء
د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل

نُشِيد بهذا اليوم ونفرح فيه؛ لأن البلاد السعودية عُرفَت فيه ب(المملكة العربية السعودية) هذا الاسم الذي نقلته الأجيال منذ أن وافق عليه المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في سنة (1351 هجرية) فالمملكة العربية السعودية اسم ثبت لهذه البلاد في ذلك اليوم الأغر، فهو جدير بالإشادة به والاحتفال فيه من لدن سكان المملكة العربية السعودية، لأنه يوم توحدت فيه القلوب، ووئدت فيه الفتن بين القبائل وبين البلدان، فلم تعد القبيلة تهاجم الأخرى، ولم تعد القرية تهاجم القرية المجاورة، إنه يوم الألفة والمحبة والإخاء والصفاء ونقاء القلوب والبعد عن الأحقاد، فالجميع أبناء وطن واحد يشيدون به ويتفانون في خدمته وبنائه تحت مظلة حامي البلاد الملك المفدى.

لقد أغلقت مسارح الحرب: السبلة، أم رضمة، جراب، تربة، وادي الرشاء، وغيرها، فصوت الملك لا يعلوه صوت، وإذا أطلت فتنة من هنا أو هناك وُئدت في مهدها كما حصل في فتنة الحرم أو في فتنة أصحاب التفجير، فالمملكة العربية السعودية ثابتة ثبات جبالها الراسية، وهي حامية قبلة المسلمين عامة، وملكها خادم الحرمين الشريفين، يفتخر بذلك ويبذل أقصى جهده في خدمة الحرم الشريف، وقد شاهدناه قبل دخول رمضان بأيام قليلة يتفقد أعمال البناء في الحرم الشريف وفي المسعى، يقف بنفسه على أعمال البناء ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، لأن مشروعات مكة - شرفها الله - وعلى رأسها مشروعات الحرم مقدمة على غيرها، لقد تحول الحرم في هذه الأيام إلى مضمار بناء، كل ذلك من أجل راحة الحجاج والمعتمرين، إنه عمل دؤوب، يهدف إلى ما يمكن إنجازه قبل زمن الحج. إن هذا اليوم حد فاصل بين أيام الحروب وأيام البناء، لقد قطع الأجداد المسافات البعيدة ما بين (الطوّال) و(عرعر) وما بين (الخرخير) و(تبوك) قطعوا تلك المسافات على الجمال، لأن العزيمة تصاحبهم، والصبر رفيقهم، والثبات على المبدأ أمام أعينهم، وبتلك المبادئ وحدوا البلاد، وحسموا النزاعات، ووصلوا إلى بر الأمان. إن بلادنا السعودية مترامية الأطراف، ففيها الصحاري والقرى والمدن والبحار والجزر، وكلها تحتفل اليوم باليوم الوطني، منطقة مكة المكرمة، منطقة المدينة المنورة، منطقة الرياض، المنطقة الشرقية، منطقة الباحة، منطقة تبوك، منطقة جازان، منطقة حائل، منطقة الحدود الشمالية، منطقة عسير، منطقة القصيم، منطقة نجران. وبما أن هذا اليوم جلب الأمن للبلاد فمن حقنا عليه الاهتمام به، فالأمن في بلادنا يختلف عن الأمن في البلاد الأخرى، فالمملكة العربية السعودية واسعة الأرجاء، فعندما كانت الجزيرة العربية جزءاً من الدولة الأموية كان الأمن فيها غير منضبط، فجحدر العكلي تمرد على الدولة مع مجموعة من قطاع الطرق في زمن الحجاج أعتى ولاة بني أمية، لأنه وجد الملاذ الآمن في جبل (عُلية) القريب من حجر (الرياض) والقتال الكلابي تمرد على الدولة الأموية واعتصم بجبل (عماية) (حصاة قحطان) القريبة من القويعية. وفي زمن الدولة العباسية فقد الأمن في الجزيرة العربية، وقامت فيها دويلات مثل الدولة الاخيضرية في الخرج وحجر (الرياض) ودولة القرامطة في الأحساء وما جاورها، فأصبح الأمن مفقودا بين هذه الدول والدولة الأم الدولة العباسية والقبائل التي سيطرت على مناطقها، وتعود صعوبة ضبط الأمن في الجزيرة العربية إلى تنوع البيئة من صحراء مهلكة إلى جبال لا يعرف مسالكها إلا من أقام فيها، بينما البلاد الأخرى تنتظم فيها القرى والمدن والمياه، إن من يشاهد الحوامي العالية (الأسوار) في القرى فسوف يقف على معاناة سكان تلك البلدات من قطاع الطرق والصراع الدائر بين البادية والحاضرة، فالملك عبدالعزيز جلب معه الأمن، حتى إن تلك القرى أهملت الأسوار وتراخت عن إغلاق الأبواب، وهذا هو سر الترحيب بالملك عبدالعزيز، فالناس تطلب الأمن منذ قرون ولم تجده حقيقة ماثلة إلا في زمن الدولة السعودية، إن من استمع إلى حديث الناس في مجالسهم وديوانياتهم وقهواتهم في العقد السادس من القرن الرابع عشر إلى نهاية القرن الرابع عشر ليلحظ طغيان الحديث عن السلب والنهب والقتل على أنماط الحديث الأخرى، والسبب في ذلك كثرة الحوادث، بل إن تلك الحوادث تقع في جل الأيام.

لقد كان الملك عبدالعزيز موفقاً إلى الخير، فعندما وطد الأمن في المملكة العربية السعودية تفجر النفط، فغير الذهب الأسود حياة المواطن السعودي، ومع بدء شركة أرامكو في العمل في المنطقة الشرقية احتاجت إلى العامل السعودي فاشتغل العمال في الشركة بأجور ثابتة، أتاحت ارتقاء المعيشة لفئة من سكان المملكة العربية السعودية. وقد فتحت أرامكو مدارس تخرج فيها فنيون سعوديون، ثم بعثت المبرزين من الموظفين والفنيين حتى أصبح لديها عدد غير قليل من العاملين في الشركة ما بين مهندسين وفنيين وموظفين، وعندما توافر النفط وأخذ طريقه إلى الأسواق العالمية أصبح سلعة مربحة تدر على المملكة العربية السعودية المال الوفير مما أتاح للمملكة العربية السعودية فتح المدارس في المدن الكبيرة، وقد نشطت التجارة، تبعا لازدياد دخل الفرد السعودي، فأصبحت مجالا لكسب الرزق بحيث أتاحت فرص عمل لعدد كبير من السعوديين، وقد فرضت التجارة نشاط النقل من ميناء الدمام إلى الرياض فأخذت الشاحنات تنقل البضائع من (أبا الجفان) إلى الرياض، لأنها لا تستطيع اجتياز رمال الدهناء، وبقي نقل البضائع من اختصاص الجمال من الدمام إلى (أبا الجفان) وقد حاولت شاحنات قليلة اجتياز رمال الدهناء فعانت الأمرين وبقيت أياما من أجل اجتياز سبعين كيلا من الرمال، ولما رأى الملك عبدالعزيز معاناة التجار والمسافرين في اجتياز طريق الدمام الرياض أنشأ سكة الحديد، بحيث سهل القطار نقل البضائع والمسافرين، أما تعبيد الطريق ما بين الرياض والدمام فلم يُشتغل فيه إلا في زمن الملك سعود.

لقد كان النفط يباع بأسعار زهيدة، فعائداته في زمن الملك عبدالعزيز لا تتيح التوسع في التعليم، وقد ارتفعت أسعاره في السنوات الأخيرة مما أتاح للمملكة بناء البنية التحتية، من طرق وشق عقبات وفتح المدارس والجامعات والمستشفيات، وقد انعكس صرف الحكومة على الفرد السعودي، فزاد دخله، ونشطت التجارة في مدن المملكة وقراها، وقد توسعت أبواب الرزق أمام المواطن السعودي فارتقت المعيشة، وارتبطت مدن المملكة بالحياة المدنية بحيث أصبح المتبضع من أسواق المملكة مثل المتبضع من أسواق لندن وباريس وغيرها من مدن العالم، لقد تحولت البلاد إلى الحياة العصرية بفضل الله ثم بفضل الذهب الأسود الذي انتشل بلادنا من الفقر إلى الغنى ومن التخلف إلى التقدم ومن الجهل إلى العلم، إن المواطن السعودي مدين لوطنه، فهذا الوطن هو الذي أخرج كنوزه لهذه الأجيال، فعلى هذه الأجيال رد الجميل لهذا الوطن المعطاء.

ويمر بنا اليوم الوطني والبناء قائم على قدم وساق، ففي كل إمارة جامعة تبنى، وتوسعة الحرم الشريف تشق طريقها، والمدن الاقتصادية تشاد في كثير من المدن، وبناء العقول له الجزء الأعظم من تفكير خادم الحرمين الشريفين، فالبعثات إلى الخارج ميسرة، والقبول في الجامعات الجديدة سهل مما جعل طلاب المناطق التي افتتحت فيها الجامعات الجديدة يفضلون الدراسة فيها. إن يومنا الوطني يمر بنا والبلاد تنعم بسياسة حكيمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فعلاقات المملكة العربية السعودية مع الدول العربية والإسلامية متينة وقوية، كما أن علاقة المملكة مع دول العالم مبنية على المصلحة والاحترام المتبادل.

أعان الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسدد خطاهما ووفقهما إلى الخير.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد