لقد اتخذ مؤسس المملكة وباني صرح أمجادها من تاريخ توحيدها وجمع شتاتها في دولة واحدة وتحت اسم واحد يوماً وطنياً، يتم الاحتفاء به كلما دارت به عجلة الزمن، وتكررت ذكراه مع الأيام شاهداً على أروع الملاحم وأجمل صور التلاحم، وما أسفر عنه ذلك من نصر مبين، وهو نصر ما كان له أن يكون لولا تضحيات بطل المسيرة المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ورجاله المخلصين الذين شاركوه المحن ودفعوا معه الثمن وكانوا له نعم الناصر والمعين، حتى انتصر الحق وزهق الباطل، وهدأت أمواج الصراعات والفتن واستوت سفينة الأمة على الجودي وترجل من عليها على بر الأمان.
وهذا اليوم ما هو إلا ثمرة من ثمار الكفاح وخطوة على طريق النجاح بالنسبة للأمة، وكلما تكرر تكررت معه إنجازاتها وظهرت في الأفق تطلعاتها، واستقام المسار نحو غاياتها، مشكلا يوم الأمة الوطني على طريق مستقبلها من خلال دوراته المتتالية، محطات مرجعية يفضي بعضها إلى بعض، ومنارات إرشادية يمسك بعضها برقاب بعض، بحيث يتم العبور من خلال كل محطة إلى التي تليها على النحو الذي يجعل الخلف يترسم خطى السلف، متنقلا بين المحطات، ومستدلا بالمنارات على الطريق المرسوم وفي الاتجاه المعلوم.
والاحتفاء باليوم الوطني يشتمل على معان سامية ويحمل في طياته رسائل موجهة من الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، لتذكير الأجيال اللاحقة بما سطرته الأجيال السابقة من بطولات وما قدمته من تضحيات، يعتبر اليوم الوطني ثمرة من ثمارها ونتيجة من نتائجها، حيث إن هذا اليوم ما هو إلا معلم على طريق الأمة الطويل، يُذكِّر بيوم من أيام نصرها، ويُخلد مرحلة عظيمة من مراحل عمرها، وتجد في دورته الزمنية ما يمثل طالعاً من طوالع سعدها وعنواناً لكتاب مجدها.
والأمة في كل عام من خلال الاحتفاء بيومها الوطني تلتقي رمزها وموحدها وجامع شتاتها، نتيجة لما يتجسد في سماء هذه الأمة من صورة مشرقة لواقعها الذي تحتفي به وما يقع في الجانب الآخر من التل من لوحة مظلمة لما كان سائداً قبل مرحلة التوحيد ولم الشمل، وفي هذا ما يذكر الخلف بمآثر السلف، وما مر به من شظف العيش وعاناه من الخوف وخاضه من الحروب حتى ينعم بما نحن فيه الآن من نعيم مقيم وأمن وارف، والأعباء الجسيمة والتكاليف العظيمة التي تحملتها الأجيال السابقة أصبح في الجانب المعاكس لها يوجد عائدات تتمتع بها الأجيال الحالية، وهذه الأعباء والتكاليف هي السبب في وجودها، بحيث تحولت المغارم إلى مغانم والمحن حلت محلها المنح.
ومما يضفي على الاحتفاء بهذه المناسبة قيمة ويزيده شرفاً أنه يلهب حماس الأمة نحو الوطنية ويُجدد لديها روح المواطنة بالشكل الذي يفسح المجال أمامها لاستعراض إنجازاتها وصيانة مكتسباتها، وتحديد مستواها بالنسبة للأمم الأخرى، من واقع ما يتوافر لها من عوامل القوة المعنوية والمادية والأمة إذا هي حافظت على دينها وتخلقت بمكارم الأخلاق وسرت فيها روح الوطني وعلت همتها، وبعدت غايتها لا تنقرض ولا تزول، مهما عاكستها الظروف وواجهتها المخاطر.
والاحتفاء باليوم الوطني فيه حث للأمة على المضي قدما نحو المستقبل مستقبل قدراتها المعنوية، وإمكاناتها المادية في سبيل دفع دولاب التنمية إلى الأمام ومسايرة ركب حضارة العصر الذي يسير بوتيرة متسارعة لا يتمكن من مجاراتها إلا من تسلح بسلاح العلم والمعرفة، وأخذ بناصية التقنية الحديثة، حيث إن اندفاع عجلة النمو والتطور يتم بصورة لا تسمح للمتساهل ولا للمتخاذل بمواكبة سرعة اندفاعها، ما لم يحتط لها ويحسب حسابها.
والواقع أن المواطن الذي يعرف معنى الوطنية، وقيمة المواطنة، ويدرك المغزى والهدف من الاحتفاء باليوم الوطني، وما هو مطلوب منه اتجاه ووطنه، لا جرم أن يكون لسان مقاله بمجرد حلول هذه المناسبة هو: ما أجمل أن يعود المرء بذاكرته إلى إرهاصات تجربة ماضية، مستعيداً ذكرياتها وشريط أحداثها وهي لا تزال ماثلة في الذهن، ثم يستعرض هذه التجربة وماذا أنجز خلالها، حاسباً الزمن عكسيا من يوم الاحتفاء القائم حتى أول يوم من حياته العملية، ليعرف ماذا قدم لوطنه، وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجموع، تبعا لطبيعة المهنة ومجال العمل، وعلى ضوء مراجعة النفس وتقويم الواقع تكون الأمة قد وظفت احتفالاتها بما يخدم غاياتها مكتشفة مكامن القوة ومواطن الضعف، لتنطلق من مناسبة ابتهاجها بيومها الوطني إلى ما فيه إصلاح حالها وتحقيق آمالها، مستعينة بالحاضر في سبيل المستقبل.