Al Jazirah NewsPaper Monday  29/09/2008 G Issue 13150
الأثنين 29 رمضان 1429   العدد  13150
الحبر الأخضر
حائل.. عيدها غير
د.عثمان العامر

غداً أو بعد غد يوم عيد الفطر المبارك الذي يعد في قاموس المسلمين أينما كانوا وفي أي زمن عاشوا مناسبة عظيمة ويوم فرح كبير.. ولكل وطن في يوم العيد عاداته وتقاليده التي يمارسها المواطنون بكل تلقائية وعفوية، بل إن لكل منطقة وربما مدينة أو حتى قرية صغيرة في مثل هذه المناسبة الدينية والمجتمعية

المهمة أعرافها الخاصة وسلوكياته المحفوظة في ذاكرة الأجيال، ونحن في منطقة حائل -على سبيل المثال- ما زلنا محافظين على بعض المراسم الاحتفالية التي لا يمكن أن تراها إلا يوم العيد، وبصدق لم تكن هذه المراسم تثير في حسي أي شيء لأنني عرفتها صغيراً وألفتها من كثرة التكرار وأمارسها بكل عفوية وتلقائية كل عام، فالعادة كما يقال (غطاء ثقيل على العين)، ولكن عندما كنت في القاهرة قبل ما يقارب الشهرين قابلت هناك رجل أعمال كان قد زار حائل قبل سنوات معدودة واستضافه كما يقول هو صديق له تربطه به وشائج محبة وعلاقة عمل قديمة، وصادف تواجد محدثي في مدينة حائل مناسبة حلول عيد الفطر المبارك - التي ما زالت أحداثها -كما هي نص عبارته - محفورة في ذاكرته لم ينسها حتى الآن ويتمنى أن يكررها مرة أخرى بل مرات عديدة.. كان يحكي وهو يستعيد تفاصيل التفاصيل التي مرّت عليّ وعلى غيري من أبناء هذه المنطقة ولم نتوقف عندها لحظة واحدة، يقول لي ولمن كان حاضراً هذه الحكاية في تلك الجلسة العارضة - طبعاً مع التدخل في الصياغة ولغة الحوار دون المساس بجوهر الفكرة- بعد أن صلينا العيد وعدنا إلى منزل صديقي كانت المواقف التي أمام المنزل قد فرشت بالكامل وبدأ الجيران يتوافدون هم وصغارهم، اصطف الكبار في صدر المجلس وكنت واقفاً بعيداً عن المكان بقليل أراقب بتعجب كل ما يحدث أمامي، كان من يأتي يسلم على جميع الموجودين الكبار ثم الصغار حتى الأطفال ويبارك لهم العيد، وما هي إلا لحظات حتى جاءت موائد الأكل المختلفة، كانت المرة الأولى التي أرى الرز واللحم يؤكل بالشارع وفي هذا الوقت المبكر جداً، تحلق الجيران وأولادهم على مختلف أعمارهم وشاركهم المارة من مختلف الجنسيات ومعهم الضيوف أمثالي على هذه الموائد التي تقارب الخمس عشرة صينية، وهذه الصواني التي أعجبتني بشكلها وتصميمها المتميز أنواع وأصناف ولها أسماء وأوصاف، كما عرفت بعد ذلك من صديقي الخاص (أبو سعود)، كان الناس وأنا معهم يتّنقلون من صينية إلى أخرى ويقيِّمون نوع الطبخ وجودته وهم يتبادلون الابتسامات وكلمات المرح مع إشراقة شمس أول يوم تطلع عليهم وهم مفطرون، وبعد تناول وجبة العيد من هذه الموائد العامرة بالمحبة والتكاتف بين الجيران جلسنا مع مجموعة من الجيران نشرب القهوة والشاي في ذات المكان والأطفال من حولنا يلعبون ويطلقون الصواريخ والألعاب النارية التي يعبرون بها عن فرحتهم بهذه المناسبة، والبنات الصغار عند الأبواب وهنّ يحملن حقائب العيد ويراقبن حركة الحي التي تختلف عن بقية الأيام، وأبناء الجيران الأكبر ينقلون الموائد كلها تقريباً إلى أحد البيوت القريبة حيث تجتمع نساء الحي -كما يذكر لي مستضيفي هناك- في هذا البيت أو ذاك من البيوت القريبة ليتبادلن المباركة بالعيد ويتناولن وجبة العيد الصباحية الفريدة. عقبت على ما قال مؤكداً ومشيراً إلى أن مثل هذه التجمعات في مثل هذه المناسبة تقوي أواصر المحبة بين الجيران وتعزز علاقة أبناء الحي الواحد بعضهم البعض وهي من موروثات الأجداد تستحق المحافظة عليها والإشادة بها في كل مناسبة، وللقارئ الكريم فإن التواصل الاجتماعي الحائلي في العيد يتعدى حدود الحي الواحد إلى جميع أطراف المدينة إذ يتنقل الناس من بيت إلى بيت يباركون ويهنئون الكبار قدراً وسناً والعلماء والأقارب والمعارف ومن يقابلون في يوم العيد، وتتسع الدائرة وتضيق حسب مساحة المعارف وخارطة الأصدقاء والمحبين، كما أن أعيان البلد والمسئولين ومن يرغب معايدة الأمير يتوافدون للسلام في أوقات محددة لذلك. إن العيد في حس المسلم الحق، كما أنه فرصة للتواصل مع الأهل والجيران فهو فرصة سانحة لتجديد العهد مع الرحم وإن نأت بهم الديار وبعدت المسافات فهي التي قال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) والواصل ليس بالمكافئ بل هو من إذا قطعوه وصلهم.. العيد فرصة جيدة لإزالة ما في النفوس من ضغائن وأحقاد وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، فهل نستغل هذه المناسبة للتآلف والتواد، وهل نجدد العهد مع الله بأن نتبع الحسنة التي عملناها في شهر الصيام بالحسنة حتى الموت والله المستعان، مقدماً من القلب لكل مستحق ومحب وصاحب وصديق كل عام وأنتم بخير وعساكم من عواده.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد