Al Jazirah NewsPaper Monday  06/10/2008 G Issue 13157
الأثنين 07 شوال 1429   العدد  13157
الرئة الثالثة
هواجس بيروقرواطية!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

(1)

* سُئلتُ مرةً في لقاء موسَّع عن سرّ الفجوة القائمة بين بطْء النمو الإداري في بلادنا، وسائلَ وآلياتٍ وأدواتٍ، مقَارنةً بقَفَزات التنمية المادية التي نشْهدُها في أكثر من قطاع، وخاصة قطاع الاتصالات، تمثِيلاً لا حصراً.

**

* وقد رأيتُ وقتئذٍ، مثْلما أرى الآن، أنَّ سؤالاً كهذا معقَّدُ التكوين والغاية، وأنَّ الردَّ عليه أشدُّ تعقيداً، وأشرتُ إلى أنَّ ظاهرةَ الفجْوة بين التطوّر الإداري.. وقفزات النمو المادي عالميةُ الهوية، وخاصةً في الدول الأقلّ تطوراً، وليست محليةَ الصُّنع يختصُّ بها بلدٌ دون آخر.

***

* إضافةً إلى ما ذُكِر، أزعمُ أنَّ هذه الظاهرةَ جزْءٌ من معادلة التغير الإنساني، مقارنةً بالنمو المادي، الأول بطيءُ الحركة والإنجاز، لأنَّ مدخلاتِه ومخرجاتِه تعتمد على تفاعلات الإنسان وإرهاصاته المحفوفة دوماً بمنظومة معقَّدة من القِيَم والطبائع والعادات، فهي قد تُثْقل حركتَه، وتقلِّل من سرعة إنجازه، في حين أن النمو الآخر يعتمد على تسخير المادة، وتوجيه حركتها وديناميكيتها نحو الهدف المنشود، وكلا النمطين من النمو يَسِيران ويُسيَّران بفعل الإنسان، لكن النتائجَ في الحالين مختلفةٌ حركةً وكماً!

***

* تلك كانت محاولة اجتهادية قصيرة النظر والمدى لقراءة المعضلة التي طرحها السؤال من منظُور إنساني، الفاعل والمفعول من أجله فيها هو الإنسان.. هو مبتدؤها وخبُرها، وهو بدايتُها ونهايتُها، وأرجو ألا يظنَّنَ أحدٌ أنني بهذه (الفذلكة) الفلسفية اعتذر لظاهرة تخلّف النمو الإداري عن نظيره المادي، لكنَّني أطرحُ حقيقةً نشهدُها ونقرأُها ونسمعُ عنها في أكثر من زمان ومكان، والأملُ بعد ذلك ليس في ردْم الفجوة بين نمطيْ النمو، فذاك حلمٌ قد لا يَتحقَّق، ولكن في تضييقها ما أمكن، مع ضرُورة الاستفادة من مخرجات التقنية الحديثة، كيْلا تظلَّ التنميةُ الإداريةُ أسيرةَ القصُور الإنساني في أيّ شكل كان.

***

(2)

* وسُئلتُ في مناسبة أخرى سؤالاً يلتقي مضْمُوناً مع مفهوم السؤال السابق، يزعم أنَّ هناك من يعيبُ علينا تخلّفنا الإداري، رغم الجهود التي بُذلت وتُبذل لتقويم الإدارة وإصلاح ما فسد بها، فقلت إنّ على المرء المنصف المتأمل لهذا السؤال أن يأخذَ في الاعتبار حقيقةً هامةً هي أن الإصلاحَ الإداري أو بتعبير أكثر تفاؤلاً، التنمية الإدارية، عمليةٌ مستمرةٌ لا يحدها زمان أو مكان، والسبب في ذلك أن الإدارة (كائن) ينمو ويتغير.. تبعاً لتغير أحوال البشر وتنامي أهدافهم وأغراضهم، وبالتالي لابد من تحقيق التوازن المطلُوب بين تنامي الأغراض التي تُباشرها الإدارة خدمة للناس والأساليب والصيغ والآليات التي تتحقق من خلالها تلك الأغراض!

***

* وإذا سلّمنا في البداية أن الإدارة فعلٌ إنساني يؤثّر في البشر ويتأثر بهم سلباً وإيجاباً، جاز أن نُسلِم في النهاية أن التفاعُلَ بين القطبين، الإدارة والإنسان، أمرٌ معقدٌ يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويخضع لمتغيرات الظروف المؤثرة على ذلك الإنسان والمتأثرة به!

***

* أخيراً.. لابد من وقفة تفاؤل في هذا الصوب أؤكد من خلالها أن الإدارة في بلادنا قطعتْ شوطاً بعيد المدى لتطوير أدائها، وتمدّد وتنوع عطائها، لكنها في الوقت نفسه، تُعاني من مشكلات آنية أفرزَها التضخُم المالي والترهُل الوظيفي الذي يعوق آليات أدائها ونتائجه، والغد يعدُ بما هو أفضل بإذن الله.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5141 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد