Al Jazirah NewsPaper Monday  06/10/2008 G Issue 13157
الأثنين 07 شوال 1429   العدد  13157
الحبر الأخضر
الفاشلون
د.عثمان العامر

فكرة في يوم من الأيام أن أٌغني خارج السرب.. أن أكتب عن الفشل بدل الكتابة عن النجاح.. عنّ لي أن أسبر أغوار سير الفاشلين في التاريخ الذين لم يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم التي حددوها بدقة وأعلنوا عنها بكل صراحة ووضوح وتبنوها بصدق وتفان وخططوا للوصول إليها بكل حذق ودراية..

.. قررت أن أحدد من خلال المنهج الاستنباطي المعروف أسباب الفشل ومعالمه ونتائجه وأبرز آثاره على أصحابه أولاً ومجتمعاتهم ثانياً والإنسانية قاطبة أخيراً خاصة في المشاريع العالمية المعاصرة المعروفة.. هكذا ولدت الفكرة بلا مقدمات ولا استشارات ومطالعات، والمنطلق الذي انطلقت منه في هذا المشروع الذي لم ير النور بعد قول الحكيم المعروف (العاقل من اتعظ بغيره) ولقناعتي التامة أن المجتمعات عامة ومجتمعنا العربي خاصة بحاجة ماسة لمعرفة ماهية الفشل وأسبابه وأبرز معالمه كما أن علينا في ذات الوقت حكاماً وشعوباً التعرف - وعن كثب - على آلية النجاح وقراءة سير الأبطال الناجحين ومحاولة السير على خطاهم أينما كانوا وفي أي بلد حلوا و(الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، ولم تكن النية التركيز على المشاريع السياسية دون غيرها، ولا الأممية فحسب بل كان التوجه طرح الجميع (المشاريع السياسية والاقتصادية التجارية والعلمية التربوية والثقافية الفكرية والاجتماعية الإنسانية والخيرية التطوعية و... سواء أكانت عالمية أو إقليمية أو قطرية وطنية أو مناطقية أو حتى مشاريع صغيرة على مستوى المدينة والقرية بل وحتى الشخصية) كان هذا هو التوجه في الأساس وما زال كما أن النية لم تكن حصر هؤلاء الذين يمكن أن ننعتهم بهذه الصفة أو نجرحهم ونقلب أوراقهم في هذه الدراسة العلمية المتخصصة وإنما الغاية التي أردتها التوصل إلى حصر أسباب الفشل التي قد تعترض أياً من بني البشر في أي مشروع كان، سواء أكان هذا الرجل سياسياً أو عسكرياً أو كاتبا أو مفكرا أو تاجراً أو داعياً أو محتسباً أو...، وكان السؤال الأول والمهم الذي استوقفني وأنا في بداية الطريق: ترى ما هو معيار النجاح والفشل في حياة الناس، وما هي حدوده الزمنية والمكانية ؟، ومن الذي يمكن أخذ قوله في إلصاق هذه السمة بهذا الإنسان أو ذاك ؟، وهل يمكن الاعتداد بما كتبه المؤرخون عن الأشخاص والمواقف واعتباره مسلمة من المسلمات فضلاً عمّا يقوله الكتاب والمثقفون ومن باب أولى العوام والدهماء في مجتمعاتنا المعاصرة عن هذا الشخص أو ذاك؟، وإذا تناقضت الأقوال ولا مرجح فمن هو الصادق الذي يؤخذ قوله دون سواه؟ وهذا أوجب علي الرجوع إلى كتب الجرح والتعديل العلم الذي تميز به فكرنا الإسلامي على غيره من الثقافات.. ومن القراءة الأولية في هذا الموضوع الواسع (الفشل) يمكن القول بأن المعيار ليس واحداً عند الجميع فما نعتبره نحن فشلاً قد يكون عند غيرنا خلاف ذلك، والشخص الذي نصنفه نحن في قوائم الفاشلين هو في نظر الغربيين مثلاً بطل من الأبطال ورمز من رموز النجاح في التاريخ وهكذا.. كما يمكن القول: إن الفشل ليس له سبب واحد فحسب إذ قد تكون الفكرة التي يحملها الرجل متميزة بكل المقاييس ولها أثر إيجابي على مسار التاريخ البشري قاطبة، وهو متحمس لها وصادق في تبنيها، ومتفان من أجل نقلها من مجرد فكرة في الرأس أو على الورق إلى واقع معاش، وخطط لها تخطيطا جيدا، ومع كل ذلك لم ينجح هو ومن معه في الوصول إلى الأهداف التي وضعها نصب عينيه إما لأن المجتمع الذي طرحت فيه لم يتقبلها لأنه لم يتهيأ بعد لذلك أو أن الوسيلة التي اتخذها لتسويق قناعاته لم تكن مناسبة لإيصال ما يفكر فيه، أو .. وقبل هذا وذاك النجاح والفشل قدر من الله وما يجريه الإنسان من أعمال وما يبذله من جهد هي مجرد أسباب تبقى عاجزة ومتقازمة أمام إرادة الله.. ومن أعظم الدروس التي استخلصتُها من القراءة المسحية الأولية في السير أن الأبطال الناجحين لم يكن النجاح حليفهم طوال أيام عمرهم بل مرة عليهم مواقف كثيرة يمكن أن نصمهم فيها بأنهم فاشلون ولكنهم بصدق اتخذوا من مواقف الفشل في حياتهم سلما للوصول إلى قمة النجاح ولذا عليك أيها القارئ الكريم ألا تضعف ولا تعجز ولا يثني عزمتك ما يقوله من حولك عنك فهي ربما تكون مجرد إسقاطات نفسية لمواقف شخصية لا تسمن ولا تغني من جوع وإياك أن تجعل الآخرين مهما كانت مواقفهم منك الشخصية أو المجتمعية أو الفكرية أو العقائدية شماعة تلقي عليها تبعات فشلك وإن كان بعض منهم كذلك، واحذر من أن تكون العين والحسد والنفس التي هي حق وتجري بقدر الله أن تكون هذه الأدواء النفسية تتراقص أمام ناظريك في كل منعطف فهي مع أنها حق إلا أن المبالغة فيها وتوسيع دائرتها قد تكون سبباً من أسباب فشلك وتورث في نفسك الوهن.. أوقد شمعة ولا تلعن الظلام ولا يفت في عضدك مثل هذه الكلمة الموجعة (الفشل) وتذكر أن النجاح الحقيقي في نواميس الحياة هو أن تقلب مواقف الفشل التي تمر بك إلى الضد، وأن أسوأ الفاشلين حالاً هم من يعيشون بل هدف وقريب منهم من يحددون أهدافهم ولا يخططون والثالث من يتكلون على غيرهم في تحقيق ما يريدون والرابع من يصفق وراء فاشل ويتبعه وهو يظن أنه يحسن صنعا.. ومع أنني عودت نفسي على التفاؤل إلى أنني بصدق خرجت من هذه القراءة المسحية وسبري للواقع المعاش بأن الشخصيات الفارغة في مجتمعاتنا العربية وللأسف الشديد كثيرة جداً وهم بلا استثناء في زمرة الفاشلين الذين يعدون عباء على أمتهم وبلادهم والغريب أن فئة منهم هم من يمارس النقد وينّصب نفسه حكماً على الناس بل إن منهم من يكتب صفحات التاريخ ويصف القادة والساسة والمفكرين والعاملين من أجل رفعة أوطانهم بأنهم رمز للنجاح أو أنهم في زمرة الفاشلين، وقد يرميهم كما يحلو له في مزبلة التاريخ وهذه والله من عجائب الدهر، والجهل أول درجة سلم الفشل، والهوى والحسد هي الثانية والثالثة وفي التاريخ عبر، وفي السير عجائب ولله الأمر من قبل ومن بعد !!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد