Al Jazirah NewsPaper Monday  13/10/2008 G Issue 13164
الأثنين 14 شوال 1429   العدد  13164

وما أدراك ما أمريكا؟
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

كل العالم الآن في كل بقعة من بقاع الدنيا ينام ويصحو على أخبار ما هو حادث في أمريكا من مشكلات، أو رزايا مالية، لها ما لها من عواقب لا في داخل أمريكا فحسب، بل في العالم كله بصفة عامة ولقد أوضح عدد من خبراء....

.... الاقتصاد والمال أن من الأسباب الكبيرة لما حدث استشراء الفساد في مؤسسات اقتصادية ومالية عملاقة، ومن الخبراء من رأى وجوب اعادة النظر بجدية وحزم في النظام المالي الذي يسير عليه الغربيون وفي طليعتهم الأمريكيون. وهذا يعني أن النظام الذي هلل له وكبر منظرون ماليون غربيون منذ أكثر من نصف قرن، لم يعد - كما روجوا له وادعوا - البلسم الشافي لقضايا بني الإنسان الشائكة، هذا النظام الرأسمالي الذي كان له رونقه وجاذبيته عقوداً تلو عقود، بانت الآن وجوه متعددة من صوره المسيئة وكما اتضحت معالم النظام الشيوعي سيئة الوجوه فانهار بنيانه فإن خبراء مال واقتصاد غربيين رفعوا أصواتهم في هذه الأيام مطالبين باتخاذ خطوات جريئة بدونها - في نظرهم - سينهار النظام الرأسمالي المتبع في الغرب عموماً والمقلد في كثير من أقطار العالم المتخلف تقنياً وعلمياً.

على أن كاتب هذه السطور بعيد كل البعد عن معرفة الأمور المالية والاقتصادية فكراً وممارسة، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه. لذلك يجد من الأسلم له والأليق به أن تكون مقالته عن أمر أقرب إلى التاريخ، الذي هو مجال دراسته، وما يتصل به من مواقف سياسية.

كل من قرأ تاريخ الدولة الأمريكية، عادُ هذا الزمان، قراءة صحيحة يجد أن الذين أسسوها كانوا أوروبيين عنصريين في طليعتهم الانجلو- ساكسون وأنهم ارتكبوا أبشع الجرائم بحق سكان قارة أمريكا الشمالية الأصليين.

ويجد أيضاً أن تلك النظرة العنصرية الاجرامية المتغلغلة في نفوس أكثر قادتهم كانت مشفوعة بعقيدة متصهينة أصبحت لها نتائجها البعيدة المدى وبخاصة بالنسبة لقضايا أمتنا العربية لاسيما قضية فلسطين.

لقد ختمت الدولة الأمريكية آخر فصل من فصول الحرب العالمية الثانية بارتكابها أفظع جريمة لم يسبق أن ارتكبت مثلها هولاً دول أخرى وهي جريمة استخدام القنبلة الذرية ضد هيروشيما ونجازاكي، ولأنها شعرت بأنها طليعة الدول المنتصرة في تلك الحرب المدمرة ترسخت في نفوس قادتها نزعة الغطرسة والاستعلاء، وكان ما كان من ارتكاب زعمائها المتعاقبين لجرائم شتى في كثير من بقاع العالم وفي طليعة تلك الجرائم ما ارتكبته في فيتنام ثم في أفغانستان والعراق، إضافة إلى دعم أولئك الزعماء دعماً غير محدود للمجرمين من الصهاينة المرتكبين أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني بالذات.

من الكتب التي تناولت زوايا مما أشير إليه سابقاً كتابان الأول للبروفيسور الأمريكي، أندرو باسيفتش، وعنوان (الامبراطورية الأمريكية)، والثاني للكاتب النمساوي، بيتر بيلز، وعنوانه (مع الله ضد الجميع) وفي الكتاب الأول استعرض المؤلف سياسة أمريكا في عهود بوش الأب وكلينتون وبوش الابن، ويرى أن تلك الدولة تتبنى استراتيجية تدفع إليها الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وتهدف إلى دمج اقتصاديات العالم داخل اقتصاد العولمة الأمريكية الشاملة وبالتالي هيمنة أمريكا على العالم.

ومن الواضح أن المؤلف الذي كان ضابطاً في الجيش الأمريكي مؤيد كل التأييد لسياسة زعماء بلاده لذلك لم يكن غريباً أن قلل من شأن أخطاء تلك السياسة وأوضح أن من هذه الأخطاء تواطؤها مع بعض الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تلبي طلباتها ومساعيها. ويدلل على صحة السياسة الأمريكية بأمور بينها انهيار الاتحاد السوفيتي، ويرى أن سقوط الشيوعية وانتصار الرأسمالية الليبرالية فرصة لتغيير نظام العالم، ويذكر أن هناك من رأى في ذلك الانهيار نهاية للتاريخ وأن كلينتون ووزيرة خارجيته أولبرايت من الذين فرحوا بهذه النهاية لذلك صرحت متغطرسة: (إذا كان يحق لنا أو يجب علينا أن نستخدم القوة فذلك لأننا أمريكا.. نحن الأمة التي لابد منها للعالم.. نحن الأمة الضرورية لتوازن العالم) ويعقب المؤلف على هذا التصريح بتأييده مشيراً إلى أن أمريكا أصبحت (شرطي العالم) وأنها تتدخل في كل مكان في العالم.

وكاتب هذه السطور يدعو الله أن ينقذ العالم من ذلك التدخل الأمريكي الذي يدرك كل العقلاء أنه شر وبلاء، وان يكن حقيقة ماثلة مع الأسف الشديد وهي حقيقة عبر عنها هذا الكاتب في إحدى قصائده بقوله:

كل العالم بيد أمريكا

تلعب به طاش وما طاشِ

هذا تجدع عظمٍ بِثمه

وذا من دونه فشفاشِ

واللي يعاند - إن رافت به -

تحيله على المعاشِ

لو هي ما تطلع من شوفة

طغمة صهيون الاوباش

ذا دابه من عهد كلينتون

واللي قبله به هشهاش

كله واحد من يقوده

بوش والا اللي ما باش

أما كتاب النمساوي بيتر بيلتز، وهو مع الله ضد الجميع، فيرى مؤلفه أيضاً أن أمريكا لا توجد دولة بامكانها أن تتحدى جبروتها، ويذكر من علامات شعورها بالغرور والغطرسة أن رئيسها أصبح يأمر بالحرب والأمم المتحدة مع جميع الحكومات تصوغ القرارات المطلوبة ويشير أيضاً إلى ما سماه المؤرخ البريطاني هو بزاوم (الهيمنة) أي هيمنة دولة على العالم - لأول مرة في التاريخ - بفرض هيمنتها الثقافية انطلاقاً من قوتها الاقتصادية والعسكرية.

ومما تناوله المؤلف ما قامت به أمريكا خلال عقود متتالية من حروب ضد الآخرين في مناطق مختلفة من العالم. ويختتم كتابه بطرح سؤال مهم وهو: من سيقوم بخطوة أو خطوات للرد على الهيمنة الأمريكية وهل سيكون ذلك الرد جماعياً أو فردياً؟ ويرى أن الرد الناجح لابد أن يكون جماعياً متمثلاً في ثلاث جهات: حركات مناهضة العولمة والمجموعات السياسية والاقتصادية الصاعدة الباحثة عن أسلوب للحوار، والكتلة الأوروبية وهي التي يرى المؤلف أنها أقوى تلك الجهات تأثيراً.

على أن كاتب هذه السطور يرى أن هناك جهات أخرى غير تلك التي ذكرها المؤلف، وهي الصين والهند ودول شرقي آسيا، اضافة إلى الأنظمة الحاكمة الجديدة في أمريكا الجنوبية ومن المرجح أن ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية الآن من مشكلات أو رزايا مالية سيكون له أثر ايجابي في التخفيف من حدة الهيمنة الأمريكية على العالم ان لم يعد التوازن المعقول إليه.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد