Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/10/2008 G Issue 13165
الثلاثاء 15 شوال 1429   العدد  13165
الخديعة الكبرى في الأزمة المالية العالمية؟؟
د. حسن الشقطي (*)

من يوم لآخر يزداد تفاقم الأزمة المالية، ومن ساعة لأخرى يتسع مدى انتشار تداعياتها على مستوى الاقتصاد العالمي.. لدرجة أن الحكومات باتت تخرج واحدة تلو الأخرى في الغرب الأوروبي تعترف بمدى ضخامة خسائرها لدرجة أن إحدى الدول الأوربية خرجت بتصريحات بأنها على وشك إعلان الإفلاس.. وعلى النقيض تخرج الدول العربية واحدة تلو الأخرى لتؤكد أنها لم تلحق بها أي خسائر جراء الأزمة العالمية.. إن الجميع في الغرب يسعى جاهدا لتقدير حجم خسائره على وجه الدقة مهما كان كبرها، في مقابل هناك

دولا أخرى تسعى بكل جهدها لتقليل ما يمكن أن يلحق بها نتيجة الأزمة.

إن إشارة الكثير من الاقتصاديين إلى بلوغ حجم سوق مضاربات التخلف عن سداد قروض الائتمان إلى حوالي 62 تريليون دولار ليكشف أن عمق الأزمة الحالية يكاد يصل إلى جميع دول العالم ببنوكها ومؤسساتها الخاصة والعامة ومستثمريها صغارا وكبارا.

ففي بداية الأزمة كنا نتساءل: ما هي الأطراف/ الدول التي خسرت في هذه الأزمة؟ ولكن الآن وبعد تكشف الأمور يبدو أن التساؤل الأصح هو: ما هي الأطراف/ الدول التي يمكن أن تخرج سالمة منها؟ إن الأزمة المالية الآسيوية التي ضربت اقتصادات جنوب شرق آسيا لا تذكر بجانب هذه الأزمة.. ولكن ما هي احتمالات حدوث الخداع في هذه الأزمة؟ أو بمعنى آخر هل يمكن أن يكون من تعمد حدوثها بقصد أو بدون قصد؟

تمتد جذور أزمة الرهن العقاري إلى نهاية عقد الثلاثينات من القرن المنصرم عندما ظهر للوجود مؤسسة أمريكية (فاني ماي) المتخصصة في الرهن العقاري، والتي احتكرت هذا السوق بحيث أعطته انتعاشا غير عاديا بضماناتها وقيامها بشراء كافة سندات الرهن العقاري التي تصدرها البنوك الأمريكية.. فكل فرد أمريكي أصبح يستطيع الحصول على تسهيلات لشراء مسكن أو تسهيلات بضمان مسكنه.. انتشرت فكرة الرهن لدى البنوك وانتشر معها قيام مؤسسة فاني ماي بتسويق وبيع هذه الرهون على بنوك أو صناديق استثمارية أو حتى مستثمرين أفراد، وكان بإمكان الأطراف الأخيرة بيع أو رهن هذه السندات لدى أطراف أخرى.. ثم ظهرت للوجود مؤسسة أخرى في عام 1970 هي فريدي ماك التي ألهبت سوق الرهن العقاري وزادت من ضماناته.. حيث زادت المنافسة بينهما على الحصول على السندات مهما كانت ملاءتها.. وبالتالي زادت شهية البنوك لتقديم المزيد من التسهيلات الرهنية لفئات وشرائح ذات ملاءة أضعف فأضعف، بل إن بعضا من التسهيلات أخذ شكل تسهيلات خداعية أو وهمية.

كل ذلك لا يهم، ما يهم هو أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية ببنكها الفيدرالي وكونجرسها وغيرها من المؤسسات الرسمية الأمريكية هي التي ابتكرت وتمسكت بمؤسسات الرهن العقاري الجديدة.. وقدمت لها كافة الضمانات للبقاء والاستمرار حتى من أموال دافعي الضرائب واستمر ذلك حتى عام 1967 .. أما في عام 1968 حدث تحول كبير في طريقة إدارة فاني ماي، عندما لجأت الحكومة الأمريكية إلى خصخصة مؤسسة (فاني ماي) وشرعت لها القيام بتجميع رؤوس الأموال من أسواق القطاع الخاص.. وتمثلت أسواق القطاع الخاص في البنوك المصرفية والبنوك الاستثمارية وشركات التأمين والمؤسسات المالية المتخصصة وصناديق الاستثمار والمستثمرين الأفراد وغيرهم.. في البداية كان البيع في السوق المحلي .. ولكنه ما لبث أن امتد إلى الأسواق الأجنبية سواء مؤسسات أو أفراد أو حتى حكومات

أي أن الرهن العقاري تحول من آلية لتسهيل الحصول على المسكن/ الاقتراض إلى آلية أمريكية لاجتذاب واستثمار الأموال الأجنبية باختلاف أنواعها من أفراد ومؤسسات حتى وصلت إلى مرحلة اجتذاب الثروات السيادية للحكومات الأجنبية.

الجميع يعترف أن هذه الأزمة قد لا تُرضى البيت الأبيض، ولكن لا يستطع أحد أن يحدد مسئوليته في التقاعس حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.. فالحكومة الفيدرالية بضماناتها لمؤسستي فاني ماي وفريدي ماك قد جذبت بالفعل بشكل مباشر أو غير مباشر - وربما تكون استخدمت وسائل أخرى لجذب المستثمرين/ المؤسسات الأجنبية- الاستثمارات إلى دائرة سوق الرهن العقاري الأمريكي، بل إنها سمحت بتكوين أكبر فقاعة عقارية في التاريخ..

ولكن أين كانت مؤسسات الرهن العقاري الأمريكية المتخصصة من كل ذلك؟ وكيف سمحت بتمادي البنوك في تقديم التسهيلات وتوريق الرهون؟ بل أين كانت مؤسسات تسعير القروض؟ ثم لماذا تجاهل بنك الاحتياط الفيدرالي كل هذه التجاوزات طيلة الثلاثين عاماً الأخيرة؟ أما السؤال الأكثر أهمية فلماذا امتنع وزير الخزانة الأمريكي عن التدخل لإنقاذ ليمان براذرز؟ إننا نحتاج أن نعرف ماذا في جعبة هذا البنك المنهار.. لكي نعرف دوافع وزير الخزانة للتضحية بهذا البنك الكبير.. هل في جعبته ضحايا غير مرغوب فيهم؟ أم أن استثماراته لم تعد مفيدة للاقتصاد الأمريكي؟ لماذا أصبح لديهم قناعة بأن إفلاسه أفضل من إنقاذه؟ أم أن انهيار البنك لم يكن انهياراً بقدر ما كان انفجار لفقاعة بعد تحصيل أرباح مضاربات بتريليونات الدولارات؟

(*) محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد