Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/10/2008 G Issue 13165
الثلاثاء 15 شوال 1429   العدد  13165
شهادة من د. محمد الهوشان:
لكي لا نخسر الرجال الذين أحبوا بلادنا

لقد تألمت كثيراً عندما قرأت ما نشرته (الجزيرة) في صفحتها الاقتصادية بتاريخ 1-9-1429هـ - 1-9- 2008م ملخصاً عن تصريح منسوب إلى د. ياسين خياط عضو اللجنة الوطنية للمحامين السعوديين، فقد ركز التصريح بشكل خاص على اتهام الدكتور عبد الحميد الأحدب المحامي اللبناني والدولي المعروف بأن له مواقف ضد بعض التشريعات في المملكة واتهام الدكتور ناصر الزيد الأمين العام لمركز التحكيم الخليجي بمساندة الدكتور الأحدب ووقوفه معه في هذا الخصوص.

وأود أن أدلي بشهادة حق أرجو أن يأخذها القارئ بعين الاعتبار، ولا أزكي على الله أحداً.

فقد عرفت الدكتور عبد الحميد الأحدب منذ أكثر من عشرين عاما، وزاملته في هيئة التحكيم العربية الأوروبية، وتم اختياري فيما بعد لأكون أحد نائبيه (لمدة سنتين) عندما اختير ليكون رئيساً للهيئة العربية للتحكيم الدولي في باريس، وعرفته كمحكم دولي بارز، وعرفت فيه عن كثب ما عرف عنه من دفاع عن العروبة ولغتها وعن احترامه للشريعة الإسلامية واعترافه التام بفضلها.

وأذكر أني كنت عضواً في هيئة تحكيم ضمن غرفة التجارة الدولية، وكان أحد طرفي النزاع شركة سعودية، فأصر الدكتور الأحدب أن تكون اللغة العربية لغة للتحكيم مثل اللغة الفرنسية في ذلك النزاع.

وقد كان الدكتور الأحدب محامياً ضمن المحامين غير السعوديين المرخص لهم في المملكة، وكان له مكتب في الرياض في السبعينيات، وتربطه علاقة أسرية مع المرحوم د. رشاد فرعون مستشار الملك فيصل رحمه الله، وقد عرف عن الدكتور الأحدب تقديره للمملكة وتربطه علاقات طيبة وقديمة مع كثير من الشخصيات فيها.

والدكتور الأحدب - إلى ذلك كله - مؤلف لكتاب عن التحكيم الدولي طبع باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، ويعتبر مرجعاً متجدداً في هذا المجال، مع عشر كتب أخرى، وله مكتب في باريس ومكتب في بيروت، وقد قدم من خلال مكتبيه خدمات جليلة لشخصيات في المملكة من بين ذلك أنه أنقذ عقاراً لأحدهم في باريس كاد أن يصادر لو لم يحصل الدكتور الأحدب على حكم من محكمة النقض الفرنسية حال دون تنفيذ حكم ظالم.

والدكتور الأحدب ينتمي إلى أسرة من الأسر القديمة (السورية اللبنانية) التي عُرفت بالعلم والفضل، فقد قام أحد أسلاف الدكتور الأحدب من فقهاء الحنفية بوضع أوفى وأكمل شرح للمجلة العدلية وهي التقنين الذي أصدرته الدولة العثمانية لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقد علمت أن أساس المشكلة هو نقاش حدث أثناء مؤتمر مهني في القاهرة (وهو مؤتمر مقفل لم يحضره سوى المحامين المشاركين فيه) تناول بشكل عرضي المؤتمر الذي عقد بجدة قبل سنوات ضم الاتحاد الدولي للمحامين الدوليين (الذي يرأسه محام لبناني آخر).

وتفسيري لكل ما حدث هو أن الدكتور الأحدب عز عليه ألا يُدعى لمؤتمر جدة، وأنه فسره (وهو اللبناني) تفسيراً طائفياً، وربما شط قليلاً من باب (العشم) أو (الشرهة) كما نقول في لغتنا الدارجة، وقد فسر هذا (العشم) تفسيراً أدى إلى نقاش حاد تعدى حدود المهنية المتجردة، وهو ما يحدث بين الأصدقاء أحياناً، رضينا أم أبينا.

أما عن الانتقادات المهنية لنظام التحكيم السعودي (وغيره من الأنظمة العربية) داخل مؤتمر مهني فإنه يعتبر عملاً بناءً، غير أن تفسير المناقشات المهنية تفسيراً سياسياً يحمل الأمور أكثر مما تحمل، والحق أحق أن يتبع.

أما الدكتور ناصر الزيد فقد تشرفت بمعرفته لأول مرة في مؤتمر الدوحة في بداية هذا العام، وقد استمعت إليه كمتحدث في المؤتمر كما تحدثت معه ملياً في أمور شتى فتوسمت فيه صفات رجل القانون الذي يعتبر بحق مفخرة لشباب الخليج من المحامين. وإذا كان الدكتور الزيد قد تعاطف مع الدكتور الأحدب فإن من حقه إبداء رأيه، ورأيه الشخصي لا يلزم مركز التحكيم الخليجي بأن يقاطع أو لا يقاطع الدكتور الأحدب، ولكن رأيه يجب أن يحترم بقدر ما تحترم الآراء الأخرى، وأما القرارات فيجري اتخاذها بالطرق القانونية المنصوص عليها في نظام المركز، ومن الإجحاف - كل الإجحاف - أن نستنقص من قيمة الرجل ونشكك في قدراته المهنية وإخلاصه لمجرد اختلافنا معه في الرأي.

لقد عايشت (من بعيد) نشوء مركز التحكيم الخليجي، وتشرفت بمعرفة أول أمين له وهو صديقي الأستاذ يوسف زينل، واشتركت في بعض نشاطات المركز الأكاديمية في البحرين وصلالة، ورغم ما بذله الأستاذ زينل من مجهودات جبارة فقد ظل نشاط المركز في مجال التحكيم محدوداً إن لم يكن معدوماً، وعندما تولى الدكتور الزيد أمانة المركز بنى على مجهودات سلفه، وحالفه التوفيق وبدأ المركز يستقبل طلبات التحكيم ودارت بذلك عجلة الخدمة التي من أجلها أسس المركز. والمعروف عن الدكتور الزيد الاستقامة والعدالة، إلى جانب الاتزان والمهنية.

من رأيي ألا نخسر الرجال الذين يحبوننا ويحبون بلادنا ولا يتمنون لنا إلا الخير كل الخير، يجب ألا نخسر الأحدب المحامي والمحكم الدولي، والنجم الصاعد في المجتمع اللبناني لمجرد نقاش شخصي في قاعة مقفلة.

كما لا يجب أن نخسر الدكتور الزيد النجم الخليجي الصاعد في مجال التحكيم الدولي.

وتحياتي وتقديري لصديقي الدكتور ماجد قاروب رئيس اللجنة الوطنية للمحامين السعوديين والدكتور ياسين خياط وزملائهما، وإذا كان التحكيم جيداً فإن الصلح خير. والله ولي التوفيق.

د. محمد الهوشان
الرئيس الأسبق للجنة الوطنية للمحامين السعوديين



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد