Al Jazirah NewsPaper Monday  20/10/2008 G Issue 13171
الأثنين 21 شوال 1429   العدد  13171
النملة.. في ليلة تكريمه
د. عبدالإله ساعاتي

عرفت معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة أول ما عرفته -عن بعد- من خلال مقالاته التي كان يدبجها في الصمت.. وكانت تتميز بعمق فكري مكين وأسلوب لغوي رصين.. متجاوزاً ما كان سائداً من مقالات قليلاً ما تسبر غور القضايا والأفكار المعالجة.

وتواصل تعرفي بالدكتور النملة وتعمق من خلال قراءتي لكتبه التي تعنى بقضايا عدة شملت الاستشراق والعولمة والعلاقات بين الشرق والغرب والترجمة والتصدي للإرهاب، وبين يدي الآن وأنا أسطر هذا المقال (10) من مؤلفاته القيمة.

وعندما أنشئ الصندوق الخيري الوطني لمعالجة الفقر في عام 1423هـ عقب الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله- لبعض بيوت الأسر الفقيرة في الرياض.. تم اختياري عضواً في مجلس الإدارة.. وكان المجلس برئاسة معالي الدكتور النملة باعتباره وزيراً للشؤون الاجتماعية.

فأتاح لي ذلك التعرف عليه عن كثب.. وسافرت بمعيته ضمن وفد رسمي إلى خارج المملكة..

ولقد تأكدت لي -عن قرب- تلك الصورة التي رسمتها في ذهني عن الدكتور النملة.. من علم غزير.. وفكر رفيع مقترن بتواضع جم وخلق دمث وتفان في العمل.

ولقد حرصت على حضور حفل تكريم معالي الدكتور علي النملة من قبل إثينية الشيخ عبدالمقصود خوجة.. التي اختتمت موسمها بختام مسك تمثل في تكريم الدكتور النملة في حفل حاشد.. استهله الشيخ عبدالمقصود بكلمة ضافية حملت في مضامينها وفاءً مشكوراً وتقديراً مستحقاً مذكوراً للدكتور النملة.. الأكاديمي العالم والمربي والوزير عاشق العلم والمكتبات والمعلومات.

قال الشيخ عبدالمقصود في كلمته عن المكرم: (هو الأكاديمي الذي استنار وتسلح بالعمل النافع ليدفع به صروف الأيام والليالي، لم يكن متوقعاً في قالب أو شرنقة بل تشهد له سيرته الذاتية الخاصة أنه خاض معترك الحياة العملية وهو في شرخ الشباب ومرحلة طلب العلم.. لم يتقاعس عن مد يد العون لأسرته، في وقت حول بعض الشباب ليله أنساً ونهاره نوماً).

وأضاف قائلاً: (إن معالي الدكتور علي النملة أبعد الناس عن الأضواء والثناء، ولكن من لم يشكر الناس لم يشكر الله، أحسبه عقد العزم على العطاء عملاً خالصاً لوطنه ومواطنيه وأخلص النية فوهبه الله حب الناس).

هذه هي الحقيقة.. فالدكتور النملة وهب حب الناس.. يتجسد ذلك من خلال المكانة التي يحتلها في نفوس الناس رغم ابتعاده عن المناصب الرسمية وكراسي السلطة البيروقراطية.. وهذه نعمة كبيرة أفاء الله بها عليه.

يقول الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس النادي الأدبي بجدة في مداخلة له في تلك الأمسية.. إن العالم الكبير محمد فؤاد سيزيكن، مدير معهد العلوم الإسلامية والعربية بفرانكفورت في ألمانيا.. المعروف بأنه شحيح في الإطراء قال له إن شخصاً سعودياً واحداً انتزع مني الإعجاب والتقدير عندما عمل معي في المعهد فترة من الزمن.. وعمل على البحث في ضروب الترجمة والاستشراق في معهدي.. هو الدكتور علي النملة.

وتحدث الدكتور النملة في أمسية تكريمه عن مواضيع شتى من الاستشراق إلى مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية وفكر التصدي للإرهاب والعلاقات بين الشرق والغرب.

ولقد كان حديثه كعادته ماتعاً مفيداً منساباً بهدوئه المعروف.. ولفت الانتباه أنه لم يأت على أمور المنصب والوظيفة.. مثيراً إطراء الحضور على ذلك عبر عنه أحد الحاضرين. وحيث لا يسمح حيز المكان هنا عن الإتيان على جل مضامين حديث الدكتور النملة في ليلة تكريمه.. إلا أن موضوع مستقبل العمل الخيري بعد طوفان أحداث الحادي عشر من سبتمبر حظي باهتمام الحضور.. فكان ملخص رأيه بالقول: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ}.

حيث تجاوزنا مرحلة (الطيبة الزائدة) وتبعاتها وتداعياتها.. وبات لدينا توثيق أفضل وتدقيق أكبر.. والحمد لله أن الدعاوى التي رفعت ضد المملكة وبعض رجالاتها سقطت جميعها في محاكمهم.. وهذا نصر كبير من الله سبحانه وتعالى.

ومن هذا المنطلق يمكن القول إن العمل الإسلامي الخيري سيعود أقوى مما كان بإذن الله تعالى. مؤيداً التوجه نحو إنشاء المزيد من مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في ظل القيادة الرشيدة.

وفي ختام الأمسية قلت للشيخ عبدالمقصود خوجة.. لقد أحسنت اختيار (المُكرم) -بضم الميم- قال: إن الدكتور النملة يستحق التكريم وفي ذهني منذ فترة طويلة.. ولكنني خشيت من سوء التفسير فيما لو كرم وهو في منصبه الرسمي.. ولذلك آثرت التريث حتى يحين الوقت المناسب.. وأعتقد أنه حان.. وهو رجل مستحق للتكريم في كل وقت تقديراً رمزياً لما قدم لوطنه وأمته.

والجميل في الدكتور النملة أنه لم ينشغل عن العلم والبحث طوال حياته.. ولم تشغله أعمال الوزارة عن ذلك.

ولقد أعجبتني سطور جميلة تجسد ذلك نشرت في العدد الصادر في 14-5-1429هـ من المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة جاء فيها: (معالي الأستاذ الدكتور علي النملة.. لم تشغله أعمال الوزارة السابقة واللجان اللاحقة والارتباطات الرسمية والشخصية عن الإنتاج الفكري الثر المتخصص في قضايا الهوية والعولمة والخصوصية بطرح توسطي ناء عن التصنيف والأدلجة وتلك أولى معالم الفكر الحر النزيه).




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد