Al Jazirah NewsPaper Friday  24/10/2008 G Issue 13175
الجمعة 25 شوال 1429   العدد  13175
الاستقالة والعمل المحلي
د. عبدالمحسن الرشود

ينادي كثير من الكتّاب والباحثين والمهتمين بالشأن العام دائماً في صحافتنا بتفعيل الإدارة المحلية، والحكم المحلي والعمل البلدي بصفة عامة مثل المجالس البلدية ومجالس المناطق، والمجالس المحلية. وبضرورة قيامها بدورها التنموي تجاه المواطنين وذلك من خلال اللجان المتنوعة التي تتألف منها هذه المجالس.. ويتساءل كثير من الصحفيين عن دور مجالس المناطق والمجالس البلدية في تنمية المناطق أو المدن التي تتموضع بها..

والحقيقة أن الإدارة المحلية (مظلومة جداً) فليس هناك جهة معينة تقوم بدور الإدارة المحلية على وجه الدقة. ويتضح ذلك من خلال غياب مفهوم الإدارة المحلية عند كثير من المؤسسات الاجتماعية، والعلمية والتطوعية والمواطنين بصفة عامة.

ويتضح غياب المفهوم من خلال عدم وجود نظام محلي مؤسسي يحدد الإطار السياسي والتنموي والإداري الذي تتحرك فيه الإدارة المحلية. بل ويشترك في مسؤوليات هذه الإدارة عدة مؤسسات.. فهناك إمارات المناطق، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، والأمانات والمحافظات (المجالس المحلية) وفروع الوزارات الخدمية التنموية والتعليمية في مختلف المناطق.. والتي تشترك مع إمارات المناطق (في مجالس المناطق) والمجالس المحلية..

وهناك سؤال يتبادر إلى الذهن وهو غياب المفهوم العلمي والحضور الثقافي لما يسمى بالإدارة المحلية.. ذلك أن الجامعات السعودية بما فيها من أقسام وكليات إدارية تتجاهل هذا التخصص.. ودوره التنموي المهم. وشخصيا لا أعرف أن هناك محاضرات أو ندوات أو دورات تثقيفية عن العمل المحلي والإدارة المحلية والعمل البلدي رغم وجود أقسام إدارة في معظم جامعاتنا.. ويأتي السؤال كيف يتعرف أفراد المجتمع ومؤسساته الرسمية والمدنية على مفهوم الإدارة المحلية والعمل التطوعي والجمعيات التعاونية وعلى ماهية هذا المفهوم والآليات العلمية والعملية لنشوء إدارة محلية تحقق المشاركة الاجتماعية من المجتمع برمته في مفهوم العمل المحلي؟!

ولذا فإن عدم وجود نظام موحد للإدارة المحلية ونقص المعلومات التفصيلية للعمل المحلي وغياب النشاط العلمي والإداري والثقافي للإدارة المحلية هو الذي جعل وجود الإدارة المحلية شبه مستحيل.. ولذا أتمنى من مركز الأمير سلمان بن عبدالعزيز للإدارة المحلية أن يقوم بهذا الدور لا سيما وأن المركز قام بدور مبارك ومشهود في منتدى الإدارة المحلية بمشاركة الأمم المتحدة. وكذلك بعمل حلقات نقاش (موسعة).. كما أتمنى أن الجامعات والمراكز العلمية والبحثية التعاون مع مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية والقطاع الخاص الذي لا يمكن للعمل المحلي أن يسير بخطوات ثابتة ما لم يشارك به رجال القطاع الخاص.

إن غياب الإدارة المحلية ومفهومها ينبغي أن يؤصل له وإلا ما معنى أن يستقبل عضو مجلس بلدي مدينة الرياض عن المجلس لأجل مسألة لا علاقة للمجلس البلدي بها ومثال ذلك الاعتراض على الاحتفالات التي شارك بها وحضرها المواطنون في عيد الفطر المبارك. كان الأولى بعضو المجلس البلدي أن يدعمها.. فهي رغبة المواطنين قبل أن تكون رغبة القيادة الرسمية للمنطقة ممثلة في صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وفي متابعة صاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن عياف آل مقرن.. إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي المسؤولة عن مثل هذه الأمور بحكم الاختصاص والمهمات سواء اختلفنا معها أو اتفقنا.. ومع ذلك الهيئة كانت - مشكورة - تتابع وتنسق وتراقب ولم تعترض.. فكيف يأتي عضو مجلس بلدي ويستقيل لأجل الاحتفالات!!

إن الاستقالة تعني العجز والعضو منتخب من قبل مواطنين لا ينبغي أن تتخذ هذا القرار دون الرجوع للرأي العام والمواطنين الذين انتخبوه. هذه مسألة. أما المسألة الأخرى ليت أن استقالته أتت لقلة الخدمات بالمنطقة أو المدينة لسوء الصيانة، أو لعدم نظافة بعض الأحياء أو لأجل مشكلات صحية (مطاعم) أو أمنية (شرطة غير كافية) أو سوء تنظيم (العشوائيات) أو عدم الاهتمام بالحدائق والأرصفة.. أو سوء الإنارة أو دور القطاع الخاص في تنميته المدنية ودور البنوك أو سوء إدارة فروع الوزارات في المدينة من حيث الخدمات وتنمية المنطقة.. ليت أن عضو المجلس البلدي استقال لأن المجلس البلدي لا يقدم لمواطنيه خدمات معينة أو لا يقوم بدور تثقيفي للعمل المحلي.. أجزم أن العضو المستقيل لم يقرأ كتابا في الإدارة المحلية أو يتعرف على نظام المناطق وآليات عمل المجالس في دول مجاورة.

وهنا أتمنى لو تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية بإعداد دورات تدريبية للعمل المحلي يطلع أعضاء المجلس البلدي من خلالها على ماهية العمل المحلي وكذلك ندوات ومحاضرات يستقطب من أجلها خبراء في العمل المحلي لئلا يصبح أعضاء المجلس المحلي (البلدي) عبئاً على العمل التنموي.. كما أرى كمتخصص في العمل المحلي (الإدارة المحلية) أن يصار إلى ابتعاث أعضاء المجالس البلدية إلى الدول المجاورة ليطلعوا على ماهية العمل المحلي وكيف يدار إدارياً وماليا واجتماعيا وتنمويا.. وذلك لتسهيل مهمتهم في خدمة المواطن في مجالسنا البلدية.. وعوداً على بدء لابد من نظام موحد ومؤسس علمياً للإدارة المحلية. وقيام الجامعات السعودية والمراكز البحثية ورجال القطاع الخاص بنشر مفهوم الإدارة المحلية.. والعمل على البدء في إمامة مؤتمرات وندوات، محاضرات علمية عن الإدارة المحلية.. وتثقيف أعضاء المجالس البلدية بالدورات والتدريبية وبعث البعض منهم للدول المجاورة ليستفيدوا من خبرات الآخرين. كما أن مركز الأمير سلمان بن عبدالعزيز للإدارة المحلية معني بتطوير العمل المحلي ولذا لابد من دعمه وتشجيعه على المستويات الرسمية ومن قبل رجال الأعمال لكي يمارس دوره على الوجه الأكمل لا سيما وأن المركز رغم حداثته إلا أنه قام بدور مشهود - حضرته شخصيا - في نشر الفكر للعمل المحلي من خلال ندوات، ومؤتمرات، وحلقات نقاش.. لذا أتمنى من سمو أمير منطقة الرياض وهو رائد العمل المحلي دعم هذا المركز ورجاله القائمين عليه وعلى رأسهم صاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن عياف آل مقرن.

دكتوراه في الإدارة المحلية - جامعة لندن



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد