Al Jazirah NewsPaper Friday  24/10/2008 G Issue 13175
الجمعة 25 شوال 1429   العدد  13175
هيئة (استثمار) أم هيئة (مشاريع صغيرة)!
د. عبدالله البريدي

حين تابعنا تقرير التجارة والتنمية (الأونكتاد) الذي أشار إلى تبوؤ الاقتصاد السعودي خلال عام 2007م مرتبة متقدمة ضمن الدول الأفضل جذباً لرأس المال الأجنبي (18 مليار دولار) من خلال مشاريع منفذة فعلياً، حيث تصدرت المملكة دول منطقة (الشرق الأوسط) كافة في هذا المجال الحيوي، حين قرأنا ذلك وتابعناه سررنا وشعرنا بأننا حققنا إنجازاً طيباً في سبيل تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وعزونا ذلك إلى نجاح الرؤية التي تبنتها الهيئة العامة للاستثمار وما صاحبها من إجراءات جريئة تخرج عن النسق الإجرائي التقليدي في الجوانب ذات الصلة بالمشاريع الاستثمارية.

غير أن التحقيق الذي نشرته صحيفة الاقتصادية السعودية يوم 24 رمضان 1429هـ لفت أنظارنا إلى أن ثمة خللاً كبيراً يجب الوقوف عنده، فقد أشار التحقيق إلى أن الهيئة أصدرت خلال تسعة أشهر ونصف (من بداية 2008م إلى منتصف سبتمبر) عدداً كبيراً من التراخيص وصل إلى 1260 ترخيصاً صناعياً وخدمياً. هذا العدد الكبير حمل معه تفكير الكم على حساب النوع، وهذا مسلك خطير ومربك ليس للاقتصاد فقط، بل للخطط التنموية الوطنية بكافة تشعباتها. كيف لا نقلق ونحن نرى دخول مشاريع أجنبية صغيرة جداً قد لا يتعدى رأسمالها مليون ريال أو حتى 500 ألف ريال في منافسة غير محمودة لمشاريعنا الوطنية الصغيرة، كيف لا نقلق ونحن نستمع للأستاذ عمرو الدباغ يقول - بحسب ما جاء في صحيفة الاقتصادية -: (إن الهيئة فعلت أخيراً دور إدارة المتابعة مع افتتاح فروع لها في عدد من مدن المملكة)، كيف يمكن للهيئة أن تمضي في هذا الطريق الصعب دون أن تكون مستعدة له كما يجب من خلال آليات متكاملة وفعالة للرقابة والمتابعة؟ ثم كيف - وهو الأخطر - تجيز الهيئة لنفسها السماح لرأس المال الأجنبي أن يستثمر في مجال المشاريع الصغيرة والهيئة تعلم أن المشاريع الصغيرة هي لبنة مهمة في اقتصاد أي بلد؟

في اعتقادي أن ذلك يحتاج إلى وقفة حازمة من قبل الجهات المعنية وخاصة مجلس الشورى ومجلس الاقتصاد الأعلى، فخطأ كهذا يجب ألا يمر مرور الكرام، كما أنني أشدد على دور مجلس الشورى في مجال الاستثمار الأجنبي، فنحن لا نريد لهيئة الاستثمار أن (تنساق) وراء (الإنجازات الكمية) و(الأرقام المعسولة) التي تسيل لعاب التصنيفات الدولية من أجل أن نحتل مرتبة متقدمة على حساب بعض البنى الاقتصادية الوطنية الحقيقية كالمشاريع الصغيرة، فمجلس الشورى مطالب بعقلنة تحركات الهيئة من جهة والمحافظة على المصالح (الكبار) للمواطنين (الصغار)!

وفي هذا السياق أؤكد على وجوب سن التشريعات التي تمنح السماح لأي استثمار يقل عن 50 مليون ريال مع اشتراط وجود سقف أدنى ومقنع من الخبرات الفنية والتشغيل الحقيقي للأيدي العاملة السعودية، فنحن لسنا بحاجة إلى دكاكين أو محلات كوفي نت أو ورش صغيرة أو محلات صيانة متواضعة.. لا يوجد أي بلد يمكّنك كأجنبي من الدخول إلى دائرة المشاريع الصغيرة، فهي ملك خاص للمواطنين، وذاك شيء منطقي، فمنها يقتات الملايين، خاصة أننا ننتظر مزيداً من الفعالية في تحريك دفة المشاريع الصغيرة الوطنية التي يقوم بتأسيسها شبابنا وفتياتنا من خلال صناديق التمويل الوطنية، على الأقل يجب إيقاف التصريح لرؤوس الأموال الأجنبية الصغيرة لحين الاتفاق على سقوف رؤوس الأموال المطلوبة وحزمة الاشتراطات، فهل يتحرك مجلس الشورى الموقر في الاتجاه الصحيح وبشكل سريع من أجل تصحيح المسار؟

قسم إدارة الأعمال (جامعة القصيم)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد