Al Jazirah NewsPaper Monday  03/11/2008 G Issue 13185
الأثنين 05 ذو القعدة 1429   العدد  13185
الدعوة إلى مكارم الأخلاق وحقوق الإنسان في الإسلام
وسيلة محمود الحلبي

إن الدعوة إلى مكارم الأخلاق هي دعوة أصيلة في عقيدة التوحيد ونابعة من تلك العقيدة وهي دعوة النبيين أجمعين. وكل نبي ساهم في بناء هذا الصرح الأخلاقي الشامخ ولذلك حق للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق). ومن مكارم الأخلاق عدم الفساد في الأرض وإقامة الخلافة وفق المنهج الرباني العظيم الحكيم. والأخلاق تشمل كل أنواع النشاط الإنساني سواء كان نشاطاً سياسياً أو مدنياً أو اجتماعياً. لذا كان الحكم بين الناس بالعدل لأن العدالة هي شعار الإسلام وقوام الأخلاق وبها تصل الحقوق إلى أصحابها. قال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (سورة النساء الآية).

بل تتعدى مكارم الأخلاق بني الإنسان لتشمل غير البشر من الكائنات الحية يقول عليه الصلاة والسلام:

(في كل كبد رطبة أجر). وهذا هو معنى الإحسان الذي جاء به الإسلام، والدعوة إلى مكارم الأخلاق توجد مجتمعاً فاضلاً منظماً يحكم بقواعد إسلامية منضبطة نابعة من أصل هذا الدين القيم، وهذه القواعد تبدو في الأسرة وفي الجماعات، وفي الدول، وفي العلاقات الإنسانية بين الناس مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم وأديانهم. وتتلخص هذه القواعد في المحافظة على كرامة الإنسان والعدالة بكل صورها والتعاون العام والمودة والرحمة والإنسانية والمصلحة ودفع الفساد في الأرض. ومكارم الأخلاق وما ينبثق عنها من سلوكيات ترتبط بالحقوق، يجعلها ديننا الحنيف ميثاقاً مع الله سبحانه وتعالى يجب الوفاء بها، ولا يجوز انتهاكها بأي حال من الأحوال تحت أي ظرف مهما كانت الذرائع لتبرير ذلك. وقد امتدح الله سبحانه وتعالى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) (سورة القلم الآية 4) وعندما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقه القرآن).. فكان صلى الله عليه وسلم مطبقاً للقرآن في واقع الحياة، وهو بذلك كان أحسن الناس خلقاً لأنه أكملهم إيماناً، وكيف لا وهو يجيب عندما سئل عليه الصلاة والسلام أي المؤمنين أكمل أيماناً؟ قال أحسنهم خلقاً.

والإيمان هو أقوى محرك للأخلاق الكريمة والسلوك الصحيح القويم فالرحمة، والمودة، والمروءة، والنجدة، والصدق، والعفة والتسامح، والتكافل، والوفاء، والتواضع، والصبر كل ذلك عنوان صدق على صدق الإيمان في النفس الإنسانية، وبدون صدق الإيمان تصبح الأخلاق لفظاً لا مفهوم له. فعلينا أن نساهم جميعاً في الدعوة إلى التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.. ولنبدأ من أنفسنا أولاً ثم أولادنا وإخواننا فالجيران.. وهكذا.. وللبيت والمدرسة والمسجد والجامعة لهم دور كبير في الدعوة إلى الأخلاق الكريمة.

حقوق الإنسان في الإسلام

وللإنسان حقوق كثيرة في الإسلام، منها:

* حق المساواة في الأصل الإنساني وما يترتب عليه من حقوق وواجبات فهي التي قررها الإسلام وهي إحدى قواعد الحرية التي يندرج تحتها كثير من الحقوق. فجميع البشر ينسبون إلى أب واحد وأم واحدة حيث لا تفاضل بينهم في أصل الخلقة وابتداء الحياة وقد اتجه التكليف الإلهي إليهم جميعاً على حد سواء وهم يتوارثون الخصائص الإنسانية في حسهم عبر الأجيال المتعاقبة، فهم بهذا مكرمون بتكريم الله لهم قال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) (سورة النساء).. أما المساواة فيما يكسبه الأفراد والجماعات في إطار الكسب الذاتي سواء كان كسباً (علماً أو عملاً) فهو مختلف قال تعالى: (ولكل درجات مما عملوا) (الأنعام). وقال أيضاً: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) (الأنعام). فنجد أن هناك تفاوتا بين الناس في العلم وأداء الأعمال وهذا التفاوت ضروري لقيام الخلافة في الأرض. لذا لا يمكن المساواة بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون. ولا بين العاملين والخاملين ولا بين الكرام واللئام. قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (سورة الزمر). وقد خطب الرسول العظيم في حجة الوداع فقال: أيها الناس.. إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

* وبذلك نجد المساواة في الإسلام تكون مقيدة بأحوال يجري فيها التساوي في أصل الخلقة.

* ومن الحقوق أيضاً (حق الحياة) وعدم قتل البشرية. قال صلى الله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم). كذلك الاعتداء على المسالمين من أهل الكتاب (حرام) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة). وقد حرم الإسلام كل عمل ينتقص من حق الحياة سواء كان ذلك العمل تخويفاً أو إهانة أو ضرباً أو تطاولاً أو طعناً في العرض (فحياة الإنسان المادية والأدبية موضوع الرعاية والاحترام في الإسلام) دون تمييز. قال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) (المائدة) ويمتد هذا الحق ليشمل الأبناء.. ورعايتهم وحمايتهم فوالله لا أنام حين أقرأ أو أسمع عن تلك الجرائم البشعة من العنف الأسري وخاصة ضد الأطفال والنساء والتي أصبحت تعج بها الصحف والأخبار بشكل يومي فديننا العظيم يحرم هذه الجريمة ويعتبرها أثماً وذنباً عظيماً قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا) (الإسراء). وقال أيضاً:(وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) (التكوير).

* وحرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على هذا الحق بدون وجه حق قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) (الإسراء). وشرعت عقوبة القصاص على من يعتدي على هذا الحق قال تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) (سورة البقرة) كذلك (الانتحار) فقد حرم الإسلام قتل الإنسان لنفسه واعتبر هذا الفعل من أبشع أنواع القتل.. لأن حق الحياة ملك لله وحده قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) (سورة النساء).

* ومع ذلك نقرأ ونسمع عن حالات كثيرة من الانتحار إما بربط العنق بحبل أو بالسقوط من أعلى.. أو بالأدوية والمبيدات الحشرية وغيرها من المواد الكيمائية فلنقرأ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا) رواه البخاري.

* ومن الحقوق أيضاً (حق الإنسان في العيش بأمان) ولا يكون العيش بأمان إلا بالمحافظة على الكليات الخمس التي نزلت بها الأديان وعلى رأسها الإسلام وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال.

* وقد نهج الإسلام لحماية هذه المصالح نظامين الأول (وقائي)عن طريق تربية الضمير الإنساني وإقامة مجتمع فاضل وتكوين الرأي العام الفاضل، وربط أوامر الله ونواهيه بالجزاء الآخروي، والتوبة.

* والنظام الثاني (هو العقابي) وهذا النظام فرضه الإسلام لحماية المصالح الأساسية للإنسان كي يعيش بأمان وذلك لمن لم تنفع معه الوسائل التي نهجها الإسلام في أسلوبه الوقائي وهو القصاص أو الدية أو التعزير ومن حق الإنسان في (العيش بأمان) أمنه على نفسه حيث تكفل الإسلام بحفظ الأمن وأحاط هذا الحق بسياج من الحماية. وحفظ العقل لأن الاعتداء عليه من صاحبه بمسكر أو مفتر جريمة تستحق العقوبة. وإن المحافظة على العقل أساس العيش في طمأنينة وأمان قال أحد الحكماء (الإنسان عقل تخدمه الأعضاء).

* (وفي حفظ العرض): فقد حرم الإسلام كل ما يلوث عرض الإنسان كذباً واعتبر ذلك جريمة تستحق العقوبة. لأن في تلويث الأعراض امتهاناً للكرامة الإنسانية وذريعة للعداوة والبغضاء والفساد للبيئة الاجتماعية. قال صلى الله عليه وسلم: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). وقد شدد الإسلام في ثبوت جريمة هتك الأعراض بحيث لا تثبت إلا بأربعة شهداء قال تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً) (النور). فقد ضمن الإسلام الأمن في حفظ الأعراض ليعيش الإنسان في بيئة طهر وعفاف وأمن وسلام في نفسه وبيئته ومجتمعه.

* (أما حفظ الأموال) فقد حفظ ديننا العظيم الأموال وحرم إنزاع ملكية فرد أو جماعة نشأت عن كسب حلال إلا للمصلحة العامة ومع تعويض عادل. وشدد ديننا على حرمة الملكية العامة وجعل الاعتداء عليها أعظم حرمة من الملكية الخاصة. ومن هنا جعل الإسلام التراضي وطيب النفس هما الأساس في تداول الأموال وجعل حرمتها كحرمة الدماء لأن المال قرين الروح وهو عصب الحياة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا). ولم يكتف الإسلام لحفظ الأموال بالوعظ والإرشاد والتخويف بالعقوبات الآخروية بل شرع لذلك العقوبات الدنيوية لتستقيم الأمور، وتزدهر الحياة، ولزجر من لا ينفع معه النصح والإرشاد والتوعد بالعقوبة الآخروية. لذلك وضع في التشريع الإسلامي: حد السرقة وحد الحرابة والضمان والتعزير.

* (أما حق الكرامة) فيؤكدها قول الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء). وهذه الكرامة تتجلى في خلقه، والسيادة في الأرض والخلافة وما منح من سمع وبصر وعقل.. وقد كرمه الله بحرية الإرادة التي هي الأداة للعمل المسؤول وفق المنهج الرباني (افعل ولا تفعل) فيما يحقق عمارة الأرض وصلاح النوع الإنساني. والشعور بالكرامة يدفع الإنسان للإعلان أنه أهل للاحترام ومن هنا يفرضه على الآخرين. فإن دعوة الإسلام إلى الكرامة الإنسانية هي دعوة التمسك بالحق والوقوف بجانبه ومناصرة من يناصره والذي يدعو إلى الترابط والتوادد ويدعو إلى الإيمان بالله. وقد أرسى الإسلام حقوقاً لهذا الكائن الحي المكرم المسؤول في المساواة والعدالة الملكية والتكافل وحقوقاً في سلامة حياته وحمايتها وحفظ دينه وعقله وعرضه وماله وسمعته وخصوصياته وحماية الحريات الكفيلة بضمان حقوقه الأساسية والسياسية والمدنية والاجتماعية وغيرها المبنية على طبيعته الفطرية وهذه الكرامة ممنوحة من الله سبحانه وتعالى ولا يجوز لأحد الانتقاص منها أو إهدارها.

* (حق العدالة) فالإسلام دين العدالة والعدالة هي ميزان الاجتماع في الإسلام والتي يقوم بها بناء الجماعة. وكل تنسيق اجتماعي لا يقوم على العدالة فهو منها مهما تكن قوة التنظيم فيه لأن العدالة هي الدعامة والنظام الحقيقي والتنسيق السليم لكل بناء قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (النمل) والعدالة مأخوذة من العدل، والعدل من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته. والعدل نظام الله وشرعه، والناس عباده وخلقه يستوون أبيضهم وأسودهم، ذكرهم وإناثهم، مسلمهم وغير مسلمهم أمام عدله وحكمه. ولذلك حرم الله الظلم على نفسه وجعله محرماً بين الناس وهو ظلمات يوم القيامة قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الظلم ظلمات يوم القيامة). والعدل واجب على الكافة تجاه الكافة، والعدالة من مكارم الأخلاق وهي و المروءة صنوان.

لحظة صدق:

قال تعالى في سورة الإسراء (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

* عن كتاب حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور عبد اللطيف بن سعيد الغامدي
ص.ب 40799 للتواصل تلفاكس 2317743



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد