Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/11/2008 G Issue 13193
الثلاثاء 13 ذو القعدة 1429   العدد  13193
الأبعادُ الفَنِّيةُ والدلاليةُ في مجموعة (الظمأ) للجفري..! (1)
د. حسن بن فهد الهويمل

مئات الكتاب يقترفون خطيئة الكتابة تحت مسمى الإبداع السردي ثم لا ينصرون وعشرات المبدعين وحدهم الذين يتقنون تلك المغامرة المحفوفة بالمحاذير ثم لا يُسمعون، لا شيء أكثر من هذا عند مواجهة الأعمال القصصية في الأدب العربي في المملكة ......

العربية السعودية، والمصداقية تحتم على القارئ أن يواجه واقعه على ما هو عليه دون أي اعتبار لحساب الخسائر والأرباح، فالنقد المسؤول يكاشف المشهد بما هو عليه مريداً الإصلاح ما استطاع، إذ لا مكان للمداهنة والمشايلة على حساب القيم الفنية واللغوية والموضوعية، ولاسيما أن الغثائية بلغت حداً لا يحتمل، والسرديات إن لم يتداركها أولو العزم من النقاد فإنها ستهوي في مكان سحيق.

وتناول مجموعة قصصية يتطلب التوسل بالمنهج التاريخي والوصفي. لتحديد موقعها في سياقاتها الزمانية والمكانية والفنية، ليكون فاتحة للنقد التطبيقي.

فالإبداع السردي عند أدباء المملكة ومبدعيها - كما أشرت من قبل بالتفصيل في مخطوطة المداخل- لم يكن ذا شأن عند الأدباء والنقاد في بداياته الأولى، فسلطان الشعر يُحْكم قبضته على المشهد الأدبي، كما أن استيعاب الشرط الفني لم يكن على المستوى المطلوب، ومن ثم جاءت المحاولات الأولى متواضعة ومهمشة، ولكنها ثبتت أمام تحدي الشعر وأشياعه، اعتماداً على الانتصارات التي حققتها السرديات في مصر على يد العمالقة الرواد والمتضلعين من النقاد.

وبقدر سذاجة البدايات كان النقد المواكب انطباعياً تجزيئياً، ومن ثم لم يسهم في إقالة العثرات، كما لم يضع الأسس النظرية، ومرد ذلك كله إلى عزلة البلاد وتأخرها في التواصل مع الآداب الغربية، إذ لم تصل أيدي الأدباء إلى المترجمات ولم يظفر الشباب بالبعثات، ولم يمتد خلال الاستعمار بحيث يُمكن من التواصل مع الإبداعات السردية والتنظير النقدي، ومن ثم ظلت الحركة الأدبية في المملكة مرتهنة للتراث، وظل سلطان الشعر مهيمناً على الأدباء والنقاد حتى أذن الله بالبدايات الموفقة في التعليم والإعلام والاتصال، فكانت البعثات إلى مصر، وكان الاستقدام للأساتذة من مصر والشام، وكان الاحتكاك المباشر بالروائيين والقصاص في مصر والشام وكانت الإصاخة الواعية للحراك النقدي حول مجمل السرديات، ولقد أشرت في دراسات سابقة إلى الفوارق الجذرية بين مرحلة الريادة والتأسيس فالأساتذة (الأنصاري) و(السباعي) و(المغربي) وآخرون واكبوهم أو جاؤوا من بعدهم، كان لهم مجتمعين أو متفرقين شرف الريادة دون الإجادة، فيما كان ل(الدمنهوري) و(الحميدان) و(عقيل) شرف التأسيس للإبداع الروائي، وحين أفضت مرحلتا الريادة والتأسيس إلى مرحلة الانطلاق كان إتقان الإبداع السردي روائياً وقصصياً وسيرياً وإن اندس في صفوف الموهوبين مقتدرون يكتبون ولا يبدعون، وجاء من بعدهم عابثون تمردوا على السمات والخصائص ومحققات الإبداع السردي ممن خلطوا بين التجريب والتخريب، ولم يكن النقد شجاعاً ليصدع بالحق، ويُعرض عن الضعفاء والمتروكين. وتفسح النقاد المجاملين لمثل هذا الصنف من الكتاب غير المبدعين أدى إلى تكاثر الأدعياء والعابثين وحملهم على التوهم بأنهم يشكلون نقلة نوعية، والخطورة ليست وقفاً على الذين أساؤوا بالإسفاف الموضوعي، ولكنها تمتد إلى الذين أفسدوا الفن بالتخلي عن محققاته، وأفسدوا اللغة بالتخلي عن ضوابطها وأدبياتها، وأي راصد لهذا الحراك لا يسعه الإغماض على هذه الإخفاقات المضاعفة. والإشادة بالتجليات المغمورة بالغثائيات حق على النقاد العدول، ولمَّا لم يكن من متطلبات هذا البحث تقصي وجوه النقص وبوادر التألق فإنني سأضرب صفحاً عنهما، وأكتفي بموقفي المستاء من مثل هذه التجاوزات الفنية والدلالية واللغوية، وهي تجاوزات لم تتداركها الحركة النقدية التي لا تزال تراوح بين المجاملة والمشايلة أو تغليب السلامة بالصمت المطبق وفيما نثيره من التحفظات لا نود له أن يكون لحساب الإحباط والتيئيس، وإنما هو من باب الاحتياط وتدارك الأمر قبل فواته، ولاسيما أن فينا مبدعين مقتدرين على استبدال الذي هو خير بالذي هو أدنى، ولدينا نقادٌ منظّرون ومطبقون يمتلكون القدرة على نفي الرديء وإحقاق المتألق، وكم أتمنى التوفر على الجهد والوقت والفراغ لمثل هذه المهمة بل لهذه الفريضة الغائبة، والأمل معلق على شباب تضلعوا من معارف النقد السردي، وأسهموا بدراسات أكاديمية متميزة تناولوا من خلالها بعض مفردات من السرديات ك(البطل) و(التعالق) و(الصورة) وسائر القضايا ذات العلاقة بالشكل أو البناء اللغوي أو الموضوعي، وهي تناولات متوازنة وموضوعية.

ولو عدنا -ونحن عائدون ولا شك- إلى البدايات النقدية المواكبة لبدايات الإبداع السردي، لوقفنا على مناهج تاريخية رصدت النشأة والتحول في سرديات الأدب المحلي تناظراً مع مناهج مماثلة لتقصي نشأة السرديات في العالم العربي.

فالدارسون للقصة القصيرة في الأقطار العربية اتخذوا سبيلهم إليها عَبْر مقاطع زمانية ومكانية وفنية وموضوعية، فأرَّخوا ونظَّروا وطبَّقوا، ولم يبق فيها مجال لمستزيد، ولكن المجالات كلها قابلة للاستئناف لاستيعاب المستجدات، لقد تبدى النفس القصصي في القرن التاسع عشر على يد (عبدالله النديم) 1896م في مجلته (التبكيت والتنكيت) ولم يكن هاجسه أن يكتب القصة، ولكن الكتابة جاءت كما يأتي القصص، وقد تسمى مثل هذه المبادرات بالمقالة القصصية وهي بدايات أعقبت (المقامات) في التراث العربي، ولم تكن وفق الضوابط الحديثة.

ولعل ترجمة الأقاصيص الغربية في صحيفة (الضياء) في مستهل القرن العشرين أسست للفن القصصي، وهي بدايات مبكرة مكَّنت من النضح السردي قبل أن تكون البدايات الرائدة في الأدب العربي في المملكة، وللمؤرخ النقدي (سيد النساح) رصد تاريخي عن (تطور فن القصة القصيرة في مصر) وهو رصد يؤكد البدايات العازمة المتوفرة على القدوة والاحتذاء وتوفر الأجواء التي لم تتوفر لبدايات القص في المملكة العربية السعودية، ولو وازنا بين (زينب) لهيلكل و(التوأمان) للأنصاري بوصفهما الريادي لاتضح البون الشاسع ومثلما أن للقصة تاريخها المرصود فإن لها رصدها الفني والدلالي والتحولي ومثل هذه الدراسات تدخل في مجال التنظير، ولقد هيئ للسرديات في مصر إسهامات مواكبة للإبداع تمثلت بالتاريخ لكافة الظواهر السردية، والتنظير المحيل إلى الغرب والتطبيق المستند على المعرفة والخبرة، وهو ما لم تضطلع به بدايات الحركة النقدية في المملكة الأمر الذي بطأ بالنضوج، لقد تقصى النقاد المنظرون عناصر القصص كما هي في المشهد الغربي من حيث الشكل واللغة والفن والعناصر كالوسط والحدث والزمن والشخوص وضروب المعالجة كالحبكة والأسلوب، كما تعرضت المعالجات للتطورات والتحولات، فعن ضروب المعالجات الفنية راوح القص بين السرد والترجمة والوثائق وتيار الوعي، وجاءت الحبكة والأسلوب مراوحين بين أنواع متعددة هي أشبه بالصور، كالإيقاع والتشويق والتوقيت، مثلما أن للأسلوب تلوناته وفق تعدد المعاني والموضوعات، والأسلوب هو نهاية التشكل النصي، فالنص يتشكل من الحروف والكلمات والجمل والعبارات، ومن خلاله تظهر براعة الكاتب من حيث الصور والإيقاع والجرس، وهي المعروفة بعناصر الصياغة، على أن البراعة لا تكتمل حتى يتوفر التناسب بين الأسلوب والمضمون والقائم على اختيار الكلمات والتراكيب، ولكل مضمون حالته النفسية التي تتطلب إيقاعاً مناسباً وكلمات معبرة وعبارات مشخصة للحدث من حيث العلائق النفسية والدلالية، وتلك الإشارات التنظيرية محاولة للوصول إلى مبلغ الإبداع القصصي في المملكة من تلك السمات، ومكانة القاص عبدالله الجفري المتميز بلغته من ذلك، وإذا كان الشعر لا يحقق نوعه إلا بالشعرية، فإن الإبداع السردي لا يحق نوعه إلا بالأدبية، وللأدبية مفهوماتها المتباينة بين التراث والمعاصرة، ولأن ضابط السردية أقل حَدِّيةً من ضابط الشعرية فقد تقحم السرديات من ليسوا من أهلها الأمر الذي فوَّت فرصة التوفر على سرديات إبداعية حقيقية، واضطر معه بعض النقاد إلى المسايرة والتبرير واحتساب هذه الإخفاقات من باب محاولات التجديد، وما هي من التجديد في شيء.

يتبع


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5183 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد