Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/11/2008 G Issue 13194
الاربعاء 14 ذو القعدة 1429   العدد  13194
العالم العربي في ضيافة اتحاد البرلمان الأوربي ببروكسل
د. فوزية عبدالله أبوخالد

قدمت يوم الأربعاء الماضي الموافق 5-11-2008 أمام اتحاد البرلمان الأوربي ببروكسل وبحضور السفير السعودي د. عبدالله المعلمي وعدد من المهتمين الأوربيين والعرب ورقة عمل بعنوان (المشتركات والاختلافات الحضارية بين العالم العربي وبين الغرب).

وكانت الورقة تمثيلا لمشاركة المملكة العربية السعودية على الصعيد الفكري في (الأسبوع العربي) الذي استضاف فيه الاتحاد الأوربي بالتعاون مع الجامعة العربية عدداً من أوجه النشاط الثقافي العربي في مجال الفكر والأدب والتشكيل والموسيقى والفنون الفلكلورية تمثل الدول العربية. وقد جاءت ورقتي في جلسة اختصت بالحوار الحضاري والثقافي بين العرب وأوربا.

قُدمت فيها بالإضافة إلى مشاركتي من السعودية، مشاركة وزير التعليم العالي من سوريا، ومشاركة ثالثة جاءت من بريطانيا من جامعة مانشستر، وقام بتقديمها أستاذان بريطانيان: أحدهما من أصل عراقي.

وبينما عرضت الورقة من سوريا أوجه التعاون الثقافي والتعليمي بين سوريا ودول اتحاد البرلمان الأوربي، فقد عرضت الورقة من بريطانيا نتائج بحث علمي موثق ومدهش يعيد اكتشاف مرحلة مغيبة من تاريخ تطور الحضارة الغربية، وهي مرحلة الإنتاج المعرفي والفكري للعلماء المسلمين.

ومما جاء في الورقة التي قدمت بالعنوان أعلاه مع الاعتذار عن أي خلل في ترجمة النص عن اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية الطرح التالي:

***

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدات والسادة الحضور وأعضاء اتحاد البرلمان الأوربي

إنه من دواعي التفاؤل أن أشارك كامرأة عربية مسلمة من المملكة العربية السعودية في هذا الحدث الثقافي الحفي باقرار التعدد الحضاري عبر هذا اللقاء.

انطلاقا من موقعي ككاتبة وأكاديمية وشاعرة تحمل موقفا يقوم على الاعتقاد بحق الشعوب عالميا في الاختلاف الحضاري في نفس الوقت الذي أؤسس فيه هذه الرؤية على ذلك العمق الإنساني من المشتركات الحضارية بين المجتمعات على اختلاف مواقعها الجغرافية وتاريخها الاجتماعي والسياسي بما يخلق أرضية خصبة للتبادل والتفاعل دون إلغاء البصمة الحضارية لكل مجتمع، فقد رأيت أنه عوضا عن تقديم ورقة تتحدث عن هذا الجانب من النظر للمسألة الحضارية، أن أقوم عوضا عن ذلك بتقديم ورقة تملك جرأة المصارحة بطرح بعض المحاذير والمواقف المقلقة التي تهدد التعاون العالمي الضروري اليوم لتطوير نظرة متعددة الأبعاد تنظر إلى الحضارة باعتبارها مصدراً مركباً لكل من الوحدة الإنسانية والهوية الحضارية الوطنية في نفس الوقت.

أيها السيدات والسادة:

دعونا نفكر بشجاعة، وبشكل مشترك في السؤال الذي يعتبر من الأسئلة المفصلية في المسألة الحضارية وهو السؤال التالي: إلى أي درجة يمكن لمثل هذه اللقاءات التي تعلن عن رغبة في الحوار الثقافي والحضاري أن تكون جادة حقا وجديرة بأخذها مأخذ الجد في تجسير الهوة الحضارية القائمة, وفي وضع حد للحروب, وفي إيقاف العنف العابر للقارات لبناء بيئة تنعم بسلام عالمي في ظل العلاقات السياسية غير العادلة بين العالم العربي وبين العالم الغربي تاريخيا وحاضرا؟ هل حقا نستطيع أن نبني علاقات حضارية سوية في إطار من العلاقات السياسية القائمة على عقد التفوق والنقص المتبادل بين الدول أو تلك التي لا تزال تخضع لعلاقات الهيمنة والأطماع؟ هذا بالإضافة إلى سؤال آخر أرى أنه لا بد من عدم تجاهله في مثل هذه اللقاءات، وهو سؤال إلى أي حد يمكن لمثل هذه اللقاءات المسماة بلقاءات التقارب الحضاري أن لا تكون مجرد تعبير عن مجموعة من النخب وممثلي الحكومات لتكون تعبيراً عن إرادات الشعوب في التقارب وفي إحلال التفاهم الحضاري محل شعور الشك والريبة الذي يحتكم فيه عادة في الحكم على المواطنين العاديين سواء على مستوى علاقة الدول الغربية بالشعوب الأخرى أو على مستوى علاقة الشعوب ببعضها البعض.

كيف يمكن خلق شراكة حوار حضاري بين الشباب، وعلى مستوى مدني وليس على مستويات رسمية وحسب.؟

***

أيها السيدات والسادة:

فضلا، دعونا نفكر معا, هل يمكن لمثل هذه اللقاءات الثقافية أن تكون مثمرة حقا على مستوى حضاري وبعمق شعبي إذا لم نعد التفكير، وأعني نعيد التفكير في طبيعة علاقات السياسة الدولية القائمة اليوم؟ وربما في هذا السياق سأستعير عبارة الأمين العام للأمم المتحدة في لقاء حوار الحضارات بقطر قبل أعوام وأصيغها بشكل جدلي، فبينما قال إن الحديث عن علاقات دولية سياسية سوية بدون الحوار الحضاري قد لا يكون إلا ضرباً من الوهم، فإنني أضيف هنا أنه بدون بناء علاقات سياسية عادلة مع العالم العربي، فإن الحديث عن احترام حضاري متبادل قد يبقى مجرد استهلاك إعلامي.

***

إنه يحز في النفس أن تقوم الحروب كحرب العراق على الهوية الحضارية باسم الديموقراطية، وأن ينتشر العنف ذو الطبيعة العنصرية باسم السلام. وليس أقل إيلاما أن يتحول قتل الأبرياء إلى مشهد يومي تتناقله الفضائيات العالمية حيَّا على الهواء نتيجة تغذية الانقسامات الطائفية وسواها إلى جانب التصدير المتبادل لإرهاب التطرف والعنف.

لذلك فإنه يهمني هنا أن أنقل وأناقش هنا ما يشغلنا وما يساورنا من شك وقلق في العالم العربي كشعوب وحكومات ومثقفين تجاه أبرز توجهين يشكلان أكثر التيارات الفكرية والطروحات التنظيرية تاثيرا على السياسة الغربية في العالم العربي وأقواها في صياغة وجهة نظر لا نراها موضوعية تجاه المسألة الحضارية:

التوجه الأول: يتمثل في التنظير السياسي، ووجهة النظر القائلة بأن الاختلاف الحضاري بين المجتمعات على الساحة الدولية اليوم لا بد بالضرورة أن يؤدي إلى التناقض القتالي بين بعضها البعض. وأهم تمثيل لهذا التوجه هو كتاب صموئيل هانتينجتون (صراع الحضارات) الذي استند في مقولته الرئيسية بحتمية الصراع بين الحضارات على الأطروحة الاستشراقية المتمثلة في كتابات المستشرق برنارد لويس. حيث كليهما (صمويل وبرنارد) كما يوضح إدوارد سعيد وبوبي سيد قد بنى أطروحته بحتمية الصراع الحضاري على تجاهل الحيوية الدينامكية الداخلية للمكون الحضاري في جانب، وعلى تجاهل المشترك الحضاري الخارجي لكل حضارة من الحضارات الإنسانية بالجانب الآخر.

التوجه الثاني: يتمثل في التحفظ على ذلك التوجه الذي ينتقده إدوارد سعيد والذي يقوم على انكار المشتركات الحضارية من أصلها. وذلك بالبناء على فرضية عهود التمدد الكلوني وعلى المركزية الأوربية التي لا ترى إلا التفوق الغربي مقابل ما عداه لما يسمى

The basic paradigm of West versus the rest .

الخطورة التي يجب أن نلحظها أن كلاً من الاتجاهين يعملان على خلق مناخ من عدم الثقة المتبادل، وعلى إشاعة اليأس وثقافة التعصب بدل التسامح والكراهية بدل الحب. وعلينا هنا أيتها السيدات والسادة أن نقرر: هل نريد في علاقتنا الثقافية والسياسية تسييد ثقافة التعصب والكراهية وسوء الفهم المتبادل أم نريد علاقة تبنى على التسامح والتبادل والاحترام لفضاء المشتركات وحيز الاختلاف؟

هذا مع الاشارة إلى التوجه التبسيطي (لم يكن مكتوبا ولكني ذكرته كاستطراد شفهي على هامش ورقتي) الذي يظن أن مثل هذا الخلاف التاريخي والعميق في رفض فهم الطبيعة التعددية للحضارة بالإضافة إلى واقع العلاقات الدولية المرير يمكن أن يحل بمجرد لقاءات هنا وأخرى هناك لا تحمل برنامج عمل مشترك لتصحيح العلاقة في بعديها الحضاري والسياسي معا.

اما خطورة هذه التبسيطية فهو أنها تعطل البحث الموضوعي والذاتي لفهم الطبيعة الاشكالية للعلاقة القائمة حاليا بين العالم العربي والغرب. وهذا ما يصرف جهد المجتمع الدولي والحكومات والبرلمانات عن محاولة العمل الجاد على مواجهة الاشكالية في مستواها الثقافي والحضاري والسياسي. بما يبدو معه كأن مجرد عقد المؤتمرات وتبادل الأنخاب أو المصافحات في اللقاءت الممثلة لرموز دينية أو سياسية أو بعض نخب الاقتصاد والثقافة وإقامة احتفلات فلكلورية هنا وهناك كاف لحل إشكالية المسار التاريخي الخاطئ للعلاقة بين الحضارات. ومثل هذا النشاط، وإن كان عملا جميلا ومطلوبا، فإنني أصارحكم أنه جهد غير كاف لحل هذه المعضلة؛ بل أنه قد يكون مضللا ويخلق وهما بالتفاهم وبالتفاعل دونما تفاعل حقيقي على مستوى القاع. لذا فإنه يجب أن يأتي كجهد تكميلي لعلاقات صحية ولا يطرح أو تجري إقامته كبديل (للبنية الأساسية) المنشود إعادة تشييدها على أسس أوسع أفقا وأكثر عدلا في العلاقة بين المجتمعات وبين الحضارات.

منظور بديل:

لا بد أن منكم من يعرف أن هناك عددا من الغربيين اليوم ممن يعترفون بامتنان بالإنجازات المعرفية الخالدة التي ساهم فيها العرب ببناء الحضارة الغربية نفسها. مثل مساهمات ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن خلدون في علم الاجتماع والإدريسي في علم الجغرافيا، كما لابد أن تعرفوا ما أبداه الكثير في الغرب من تقديرهم لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لإقامة حوار الأديان مما عقد بمكة المكرمة ومدريد. وبالمثل فإن العديد بالعالم العربي يثمنون مثلا موقف بلجيكا النزيه تجاه الحرب ضد العراق وإبان انتفاضة القدس. إن الكثيرين منكم وعبر مختلف دول الاتحاد الأوربي يتذوقون القهوة العربية المرة، الطعام اللبناني، الموسيقى العربية وقراءة الأدب العربي من ألف ليلة وليلة إلى روايات نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل. وهذا أمر متبادل. أنا نفسي أحب شوكلاتة جوديفا وكتيكات وأتذوق موسيقى بحيرة البجع واستمتع بشعر بودلير وقراءة دى بوفوار.

ومثلما تؤذيني عقليا ووجدانيا وعقيديا الرسوم المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم-, وكذلك وجود سجن كجوانتنامو محروما من شرائع حقوق الأسرى التي كفلها القانون الدولي. فإنه يسيء إلى إنسانيتي التنكر لمقدسات الآخرين أو عدم احترام اختلافهم أو تعرضهم لأي اضطهاد بسبب اختلاف عرقي أو ديني أو ثقافي أو سواه. (جاء كاستطراد شفهي)

ألا يجعلنا هذا نشترك في طرح السؤال التالي: كيف يمكن أن ننعم بمشتركنا الثقافي والحضاري وكيف يمكن أن نعجب بنكهة تنوعنا واختلافنا الثقافي والحضاري في عالم يقوم على علاقات غير عادلة على المستوى الدولي؟

أيها السيدات والسادة:

يبدو لي أن سؤال الإعجاب بالتنوع وتقدير حرية الاختلاف، وتوسيع هامش المشتركات الحضارية هو التحدي الذي نواجهه اليوم؛ شعوبا ومجتمعات لإقامة علاقة سوية على مستوى سياسي وحضاري.









fowziyah@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد