Al Jazirah NewsPaper Wednesday  12/11/2008 G Issue 13194
الاربعاء 14 ذو القعدة 1429   العدد  13194
صانع الحوار العالمي لأتباع الديانات السماوية
بقلم: خالد المالك

ربما كان ما أكتبه عن الحوار العالمي بين أتباع الديانات السماوية منبعه عاطفة وطنية لإنجاز سعودي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو افتراض لا يمكن لي أن أنفيه أو أدّعي بأن هناك ما يخالفه.

وربما كان مصدر ذلك الشعور بالفرح الخفي، لأن طرحاً مثالياً وخلاَّقاً يصدر هكذا من مهبط الوحي وأرض الرسالات في هذه الفترة الزمنية الحبلى بالمشاكل والتطورات الخطيرة، مبشِّراً بإمكانية التلاقي العاقل والمسؤول بين الديانات والثقافات على مستوى العالم.

***

لكن الأمر أكثر من ذلك بكثير، فمع الزهو بإنجاز عالمي تقوده المملكة، وعلى النحو الذي سنراه اليوم يشع من مبنى المنظمة الدولية في نيويورك ليصل إلى أصقاع الدنيا، إلا أن ما يهمنا في هذا الجهد أن نقضي من خلال هذه المبادرة على الفتن والخلافات، ونمزِّق كل من كان وسيكون سبباً في ذلك.

وهكذا فبمادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار العالمي بين أتباع الديانات السماوية، والتفاف زعماء العالم حولها تأييداً ودعماً ومساندةً، إنما هو استجابة وتفاعل مع جمال الفكرة، واعتراف بأن المملكة هي الرقم الصعب - غير المهمّش - بالنظر إلى تحمّلها لمسؤولياتها الدولية.

***

وليس من باب المصادفة أن يكون للمملكة صوتها المسموع وثقلها في كل ما يمس مصالح دول وشعوب العالم، فهذا الدور نابع من احترام العالم لقادتها وسياساتها وأسلوب تعاملها الحضاري مع غيرها، وتحمّلها لمسؤولياتها الدولية، بما يمكن القول معه بأنها لا تغيب أو تُغيّب عن دور لها.

وبالمقاييس المتعارف عليها في العلاقات الدولية، ضمن خطوط التعاون البناء بين الدول، فإن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، إنما تمثِّل الوجه الجاد القادر على التعاون وتبادل المصالح وتبني المبادرات الخلاَّقة مع غيرها.

***

وفي هذا السياق يلتئم اجتماع الأمم المتحدة اليوم ليصغي العالم إلى صوت عبدالله بن عبدالعزيز قوياً وواضحاً وصريحاً، وإلى فكره ورؤاه، حيث يسعى إلى تضييق فجوة الخلافات بين دول وشعوب وديانات العالم.

وهو عمل كبير وغير مسبوق، حضَّر له خادم الحرمين الشريفين بذكاء وحكمة ومهارة، ووظَّف من أجله كل علاقاته مع زعماء العالم ليكونوا شركاء معه في إنجاح هذا المشروع الإنساني والاقتصادي والأمني على مستوى العالم.

***

فالملك عبدالله - وعلى لسانه - يرى أن المسلمين صوت عدل وتعايش وحوار عاقل وعادل وجدال بالتي هي أحسن في زمن تداعى الأعداء من الغلو والتطرف من أبنائها وغيرهم على عدل منهجها.

وبدءاً يرى خادم الحرمين الشريفين - وعلى لسانه أيضاً - أن دعوته إلى الحوار بين أتباع الديانات السماوية جاءت لمواجهة تحديات الانغلاق والجهل وضيق الأفق، ومن أجل أن يستوعب العالم مفاهيم وآفاق رسالة الإسلام الخيِّرة دون عداوة واستعداء.

***

ويضيف الملك عبدالله في بلورة وإيضاح لمعالم مشروعه للحوار بين الناس أن الطريق إلى الآخر يتم من خلال القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الإلهية، وفيها خير الإنسان، والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم والخداع، تلك التي تنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب، وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل، وتعزّز مفاهيم الأسرة وتماسكها وأخلاقياتها.

ويختصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشروعه العملاق من أنه بدأ هذه المبادرة من جوار بيت الله الحرام، وأنه سينطلق في حواره مع الآخر بثقة يستمدها من إيمانه بالله، ثم بعلم يأخذه من سماحة ديننا، وأنه سيحاول بالتي هي أحسن، فما اتفق عليه أُنزل مكانه الكريم في النفوس، وما اختلف حوله أُحيل إلى قوله سبحانه وتعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

***

هكذا بدأ عبدالله بن عبدالعزيز إذاً مشواره في تبني الحوار مع الآخر، لخصه وأوجزه في بضع كلمات ورؤى مهمة، قالها وخاطب بها علماء المسلمين بجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة قبل غيرهم، واثقاً بأنه سينجح في مسعاه، وفي أضعف الإيمان أن يحيل الجميع إلى قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

واليوم، ومثل ما تمنى وتفاءل وعمل، يعقد في مبنى الأمم المتحدة الاجتماع الدولي الأكبر للحوار بين الديانات السماوية على مستوى العالم، في ظاهرة غير مسبوقة، وفي إنجاز قد لا يتكرر، ومع توقعات متفائلة بأن تطبيق هذه المبادرة على الأرض، وترجمتها على الواقع سيكونان ضمن أهم إنجاز للعالم في عصرنا الحديث.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 2 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد