Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/11/2008 G Issue 13207
الثلاثاء 27 ذو القعدة 1429   العدد  13207

نسمو مع كل منهاج مستقيم
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

لا شيء أجمل من الجمال إلا الجمال نفسه، فهو مرجعٌ قادرٌ على الحسِّ بالجمال وتصنيف جماله، ولا شيء بقادرٍ على تأكيد قبح القبيح إلا ما يقابله من جمال.

وجميلٌ ورائعٌ في جماله أن يستمد الإنسان المسلم من قرآنه الكريم (المطلق جماله والرائع بيانه) دستوراً لحياته،

لاسيما وأن القرآن الكريم ملئ بما يهذب النفس وينصف علاقة الإنسان بنفسه وبغيره من الأشياء الجامدة والحية بما في ذلك الإنسان نفسه.

أليس جميلاً أن يعتبر أحدنا بصدق وإخلاص أن سعادته من سعادة غيره طالما أنه قادرٌ على أن يشارك في هذا. وأظن أن كل إنسان قادرٌ على التأثير والفعل في سعادة غيره.. وفي المشاركة والحس بمشكلات الآخرين نبلٌ وسموٌ يتأكد ويتميز معه الانتماء الاجتماعي.

وكلٌّ يرى سعادته بمنظور خاص به، أما العام فالجميع متفقون على معنى السعادة فيه، ومن ذلك أن يسهل أحدنا من خلال الحلول التي بها نقدم مشاركة فعالة في حال إشكال يزعج استقرار غيره، فرئيس العمل في دائرة معنية بمصالح الناس قادر على إدخال السعادة (بمفهومها النسبي) في نفوس الغير متى أحس أن سعادته من سعادة غيره ليهمّ بحيوية ونشاط وإخلاص للعمل على إيجاد المناخ الذي يتقلص معه حجم هذا الإشكال، وفي هذا صدى وانعكاس للود على صاحب الإشكال وعلى من ساعد في الحل.

إن تجربةً من هذا النوع ترسِّخ وتؤكِّد الإيمان بأنَّ سعادتنا من سعادة الغير، وكذلك في قضاء حاجات الغير وفق القدرة رجعٌ وصدى من السرور والبهجة، إنَّ في حجب شرور النفس عن الغير بمسؤولية وإدراك ما يحقق همسات من السعادة، وحوافز نحو حياة رغدة العمل بها وفق الصالح كنزٌ ليوم آخر في حياة الخلود.

أجزم أنَّ المعادلات الوارد بها التوجيه في القرآن الكريم نحو استقرار الإنسان في حياته ما هو حلٌ لوجود الإنسان ولتداخل حقيقته مع حقيقة الحياة والناس، فمثلاً الآية (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)، كذلك الآية (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، آيات تدفع بروح الإنسان إلى السمو اللائق بها، والجسد وهوامشه فإنه لمعاني هذه الآيات كاسب من التهذيب ما يرشده إلى المستقيم.

(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)?.

إنها قيمٌ عظيمة تلك التي يوجّه بها القرآن الكريم سلوكيات الخلق، وفي ذلك نفحاتُ شفقة ورأفة يبثها الخالق عز وجل لعباده بالحب والرحمة والشفقة، وما يقوله القرآن ليس بمعجز أداؤه والعمل به، فالخالق أعلم بخلقه، وفيما يوجه به خير للإنسان وليس تحدياً لقدراته.

إن التفاعل مع الجمال سعادة للنفس البشرية، وبالغوص في جوهره قمة السعادة. إنَّ ما تنطوي عليه النفس بعد ذلك مصدره جمالٌ من الجمال، ومن امتلأت نفسه بهذا الجمال حقق الرشد النفسي والصفاء العقلي ليقتحم الحياة، وما يردُ على الطريق من معوقات بقوة وإيمان وعزيمة.

ليس بمعجز أن نضيف إلى دستورنا في الحياة مفهومَ أن سعادتنا من سعادة الآخرين، والسعي نحو الجمال والقرب منه والتفاعل مع عناصره قضيةٌ كبرى من قضايا الحياة، ولقد قال الأبرش:

أخو البِشرِ محبوبٌ على حسنِ بِشرِهِ

ولن يعدمَ البغضاءَ من كان عابساً

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد