Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/11/2008 G Issue 13207
الثلاثاء 27 ذو القعدة 1429   العدد  13207
عذاب العانس.. عذاب مجتمع بأكمله
د. عبدالله بن سعد العبيد

موضوع العنوسة في مجتمعاتنا العربية موضوع ذو شجون برغم اختلاف مسبباته إلا أنه يشترك في ظواهره وأعراضه ونتائجه بين جميع الدول العربية، وهو بلاشك مشكلة اجتماعية ونفسية واقتصاديه كبرى

ومما يزيده تعقيداً ويمعن في عزله عن الظواهر السلبية الكثيرة والتي تزداد يوماً بعد يوم في مجتمعاتنا العربية هو عدم التفات الكثير من الكتاب والباحثين للتصدي لها. بل إننا نجد في ملامستهم - إن وجدت- اقتصاراً على جانب واحد دون الجوانب الأخرى. ومن المفهوم أن ظاهرة العنوسة هي في جوهرها ظاهرة اجتماعية اقتصادية معقدة للغاية وقد تأخذ في بنيتها الفوقية سمة تقارب قيم النمط الاستهلاكي، بحيث إن المرونة الحدية للطلب بعبارات اقتصادية تصبح لا نهائية على الجميلات المتعلمات المنتجات وتعادل صفر على من حظهن من الجمال والتعليم والإنتاج (أيضاً في صفقة شاملة). وعليه فإن الأعمال التي يجب أن تتصدى لهذه المشكلة يفترض أيضاً أن تتصدى لها بشمولية وعمق. لكن السؤال المطروح هو هل هي مهمة المجتمع، البيت، الفن والأدب، أم مهمة الباحثين والدارسين الاجتماعيين؟.. أعتقد أن الجانب الوصفي التحليلي يجب أن يقوم به الباحثون الاجتماعيون، أما انعكاسات المشكلة وتداعياتها على الذات الفردية ضمن شبكة علاقاتها مع الآخر فهي مهمة المبدع الذي يلتقطها ويعيد إنتاجها عبر أدواته الفنية ومخزونه المعرفي النفسي الاجتماعي.

وفي هذا الإطار يجب التنبه إلى أن العنوسة لدى المرأة تؤثر ليس فقط على نواحي الجسد عند المرأة وحاجاته وسعاره المكتوم أحياناً والناعق أحياناً أخرى، وإنما يمتد تأثيرها على النواحي النفسية التي تتجاوز الجسد إلى النفس وعذاباتها وما يمكن أن ينعكس من سلبيات على روحها كإنسان له كيانه الذي لا يجب أن يتم الانتقاص من الاعتراف بكونه نصف المجتمع.

ولكن دعوني أعزائي أعلمكم بأن لقب العانس لغوياً يطلق على الذكر والأنثى على حد سواء مما يزيد المشكله تعقيداً بحيث أنه جدلياً إن كان هناك عانس من الذكور فلابد أن يكون هناك عانس من الإناث. لكن الإشكالية في عنوسة الرجل تبدو لي أكبر فاقة منها عند الإناث برغم من الحاجات البيولوجية والسيكولوجيه للجنسين معاً، لكن إن نظرنا للموضوع من ناحية الذات البشرية وطريقة تفكيرها لوجدنا أن الأنثى العانس غالباً ما ترمي باللائمة على المجتمع أو على الولي الذي ربما رفض عريساً غير مقتدر أو لا يناسبه، أو على اعتبار أن طبيعة مجتمعنا المحافظ يحد من خروج المرأة وبالتالي تقل فرص مشاهدتها وتنحصر فرصها بالتالي في المجتمعات الأنثوية أو عبر الخاطبات. أما عند الذكور فالمشكلة أكبر وأكثر تعقيداً بحيث يرى الشاب أن الزواج مسؤولية شخصية ويترتب عليها استطاعة مادية مطلوبة منه ولا يمنعه في طريق زواجه ما يمنع الفتاة من اعتبارات تمت سياقتها قبل قليل بل ما يمنعه من الزواج هو عامل الاستطاعة أو الباءة وإن لم يتوافر هذا العامل في عقوده العمرية الثلاثة الأوائل فقد يصبح ببساطه عانساً، إلا أن العمر الافتراضي لبلوغ الرجل مرحلة العنوسة ربما يكون أكبر منه عند الإناث برغم اختلاف هذا المحك باختلاف ثقافة المجتمع وظروفه العامة.

وما أنا بصدده هنا هو تفاقم هذه المشكله وضرورة عدم حصرها بالإناث فقط، حيث إن ظاهرة العنوسة عند الإناث ربما تكون منتشرة في مجتمعاتنا العربية وكما ذكرت سابقاً لم يتم حلها برغم ما يتم بذله من جهود. إلا أن المشكلة تظهر بصورها المخيفة المرعبة حينما ننظر لها من جانب الذكور فقد أضحى الطريق للزواج مليئاً بالشوك والعثرات ولم يعد ممهداً كما كان بالسابق.

للرجل والمرأة على حد سواء حاجات لا يمكن تلبيتها إلا عبر العلاقة الشرعية المتمثلة بالزواج الحلال ولا يمكن إسكات تلك الحاجات عبر علاقات عابرة وثانوية. تلك الحاجات الفسيولوجية التي لابد لها من بيئة تحتضنها وتركن إليها، والوصول لتحقيق تلك البيئة يكاد يصبح من تمنيات وأحلام الشباب في ظل تواضع إمكاناتهم المادية وشح مصادرها، إلى جانب غلاء المعيشة في كل مناحيها.

الزواج وما يلبيه من احتياجات مختلفة للجنسين إنما هو مؤسسة اجتماعية ومتى ما صلحت تلك المؤسسة صلح المجتمع بأكمله ومتى ما إندثرت واختفت تلك المؤسسة أو أصبح إقامتها من الصعوبة بمكان فسد المجتمع ولم تقم له هامة.

المشكله في إزدياد واضح وإن لم يتم وضع حلول عاجلة وفاعلة تساهم في تسهيل وتيسير إقامة تلك المؤسسات يتم من خلالها تسليط الضوء على مستقبل الشباب والفتيات وإخراجهم من دائرة التهميش والحرمان الاجتماعي، فإننا بلا شك سنساهم في عذاب الشباب والفتيات وبالتالي عذاب مجتمع بأكمله.



dr.aobaid@gmail.com *

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد