Al Jazirah NewsPaper Monday  01/12/2008 G Issue 13213
الأثنين 03 ذو الحجة 1429   العدد  13213
مسؤولية (العمل) عن هروب (العمالة)!
محمد بن عيسى الكنعان

أبسط سؤال ممكن أن يطرحه أي مواطن لديه عاملة منزلية أو سائق خاص: لماذا تحولت مشكلة هروب العمالة إلى (ظاهرة) فعلاً؟ فلم يعد الأمر يقف عند هروب عاملة أو اختفاء سائق لإحدى الأسر، إنما تكرر هذا الهروب مع نفس العائلة الواحدة لأسباب غير معروفة لدرجة أن العاملة تصل المملكة اليوم وبعد أسبوع أو أكثر تهرب وكأنها سراب.. وغيرها من وقائع الهروب التي تشعرك بالحيرة وأحياناً الضحك بحكم طرافتها، فتصلح أن تكون مواد تلفزيونية لإنتاج مسلسلات كوميدية، وهي قصص حقيقية سقت بعض أمثلتها الطريفة والغريبة في مقال سابق عبر هذه الصحيفة الغراء، كما لم يعد الأمر مرتبطا بمسألة (المعاملة السيئة)، التي قد تلقاها العاملة أو تمارس ضد السائق من قبل الأسرة السعودية، ما يدفع للهرب، وهي الأسطوانة التي خدرتنا ردحاً من الزمن وجعلتنا نجلد ذاتنا بالشعب غير المتحضر وغير الإنساني، مع مراعاة أني هنا لا أنفي وقوع حالات واقعية لمعاملات سيئة بل عنيفة من قبل البعض حيال عمالتهم، ولكن الإشكال أن هذه الحالات صارت (تخديراً) لنا على حساب حقوقنا و(تحذيراً) لنا وكأننا متهمون قبل وقوع التعدي أو الإساءة، حتى استيقظنا على هذه (الظاهرة)، فيكفي أن تعرف أن شرطة العاصمة المقدسة (مكة) قد ألقت القبض على (2000) عاملة من الهاربات والمخالفات خلال شهر واحد، حسب ما أورده الكاتب عبدالعزيز السويد في صحيفة (الحياة)، ما يعني أن زيارة واحدة لأي مركز شرطة في أي مدينة ستجعلك تؤمن أنها (ظاهرة) فعلاً بسبب بلاغات الهروب. هنا نعود للسؤال الذي جاء في أول المقال: لماذا تحولت مشكلة هروب العمالة إلى (ظاهرة) فعلاً؟ بتقديري أن هناك خللاً ما في آلية الاستقدام أو عقود الاستخدام، وإن كانت العقود واضحة البنود ولن تمنع الهروب أساساً، فأعتقد أن الإشكال الذي أوجد الظاهرة يكمن في (آلية الاستقدام)، التي حرمت كثيراً من الأسر المقتدرة من استقدام أكثر من خادمة هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى (رسوم التأشيرة) الباهظة وتكاليف الاستقدام للمكاتب الأهلية بالنسبة للأسر متواضعة الدخل، فتولدت الحاجة الملحة لأكثر من أسرة في طول البلاد وعرضها، سواء كانت (مقتدرة) ولكن النظام لا يسمح لها، أو (غير مقتدرة) ولكن الرسوم والتكاليف المالية مرهقة، ما أدى إلى نشوء سوق رائجة (للمتاجرة بالعمالة) أو (إعادة تشغيل العاملات)، التي تتم ب(طريقة سرية) وهذه دلالة واضحة على أن الممارسين لها يدركون أنها (غير نظامية)، فضلاً عن إعلانات التنازل عن خادمات، فأين وزارة (العمل)؟ أما بالنسبة للسائقين فإن إلغاء (خطاب التنقل) الذي كان مفروضاً في السابق ويلزم المقيم بتحرير موافقة خطية من الكفيل لتنقله داخل المملكة، قد أسهم في اتساع حرية حركة العمالة والتنقل بين المدن لدرجة الإغراء بالهروب والعمل عند الآخرين، بل أسهم في تعزيز سوق (المتاجرة بالعمالة) لأن السائق الهارب سيعمل على توفير الغطاء لهروب العاملة.



kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد