نشرت جريدة «الجزيرة» في عددها رقم (13209) خبراً من هونج كونج عن سلحفاة قامت بالهرب بعد أن عضت الطاهي الذي كان يهم بإلقائها حية في قدر الماء الساخن مما أدى لنقله للمستشفى، وقد تم القبض على السلحفاة التي يعد لحمها هناك من أشهى اللحوم، ويصل سعره إلى مئات الدولارات وقد اشمأزت نفسي قليلاً حيث لم أكن أعلم أن بعض الشعوب تأكل لحوم السلاحف ولكن عندما نظرت حولي وجدت أن هناك شعوباً تستغرب بل تشمئز من أكلنا للحم الضب وإن كنت أشاطرهم هذا الشعور حيث أنظر بدهشة عندما أرى أحدهم يتناول لحم الضب بلذة متناهية فأغبطه حيث لا أملك الجرأة ولا الشجاعة للمس جلد الضب فضلاً عن أن آكله، بل وكادت أن تدعسني سيارة مسرعة بسببه عندما داعبني أحدهم وطاردني وهو يمسك الضب بيده، حيث كنت أنظر خلفي وأنا أهرب خشية أن يقترب مني ولم أنتبه للسيارة القادمة بسرعة عالية، ولكن لطف الله أنقذني من موت محقق وقد يبتسم البعض بسخرية من موقفي هذا ولكن سبحان الذي خلق الناس على مشارب شتى فمنهم من يصاب بالغثيان والاشمئزاز لمناظر قد تكون عادية عند الآخر وقد يكون مرد ذلك وراثياً، وقد يكون السبب مرتبطاً بالتربية التي تجعل العين والأنف لدى البعض ذواتا حساسية مرتفعة للغاية فيتحكمان في القلب وفي مشاعرنا وفي ردود أفعالنا وقد تكون البيئة هي من يشكل انطباعاتنا وردات أفعالنا وقد يكون اللون والشكل والهيئة وقد يكون هذا هو السر الذي يجعل طفلاً صغيراً في عامه الثاني يتناول طعاماً يراه لأول مرة برغبة عارمة وشهية مفتوحة وطفلاً آخر يرفض تناول الطعام نفسه بإصرار وعناد غريبين دون أن يكون قد جربه من قبل وقد يكون هذا هو السبب أيضاً الذي يجعل البعض يشمئز من تناول لحم الضب الذي خلقه الله بصورة مرعبة وموحشة لحكمة يريدها سبحانه ولكن بني البشر لم يتركوه وهو المهدد بالانقراض فأصبحوا يتفننون في صيده وهو الذي يتميز بلحوم خادعة حيث تحتوي على نسبة دهون أقل بمراحل عن الدهون الموجودة في لحوم الأغنام والإبل والدجاج والأبقار إلا أن هذه الدهون مشبعة بنسب عالية من الكوليسترول بل هي ضعف ما في اللحوم الأخرى والكوليسترول كما يعرف الغالبية هو مرض العصر فهو أحد ابرز المسببات الرئيسة لأمراض القلب وتصلب الشرايين ولكن السؤال هل يستطيع من يستطيب ويتلذذ بلحم الضب أو بيضه الامتناع عن أكله خاصة عندما يتخيله مطبوخاً مع المرق أو كبسة الأرز وهل يستطيع هجره من يعتبر لحم الضب أعظم نفعاً وفائدة من كبسولات الفياقرا.
وقد يكون الاشمئزاز من أكل لحم الضب والسلاحف فيه شيء من المبالغة إذا ما قورنا بلحم الخنزير الذي تأكله بعض الشعوب، فهو بالفعل ما يصيب بالغثيان والقرف بمجرد رؤيته فكيف بأكله فهو أقذر الحيوانات حيث يتغذى على الأوساخ والقاذورات والفضلات، كما أنه لا يمكن أن يكون من طيبات الطعام إلا لمن كانت فطرته لا ترى فرقاً بين الحق والباطل وهو كذلك مضر للإنسان من جميع النواحي الصحية والأخلاقية وذلك حسبما أثبته الأطباء الذين ذكروا أنه يتسبب في زيادة نسبة الكولسترول في دم الإنسان بصورة مخيفة بحيث من يلازم تناوله يكون معرضاً بنسبة أكبر للإصابة بأمراض القلب والشرايين، كما أن لحم الخنزير أحد أسباب الإصابة بسرطان القولون وسرطان الدم والبروستاتا والثدي كما أن لحمه يتسبب في زيادة الوزن وكذلك هو سبب مباشر في الإصابة بالتهاب السحايا، كما أن الدودة الشريطية التي في لحم الخنزير والتي لا تموت مع الطبخ أو الشوي تتسبب في تدمير الجهاز التنفسي والخلاصة أن لحم الخنزير هو مأوى للطفيليات والبكتريا والفيروسات التي تنتقل منه بسهولة إلى الإنسان سواء بالمخالطة أو الأكل من لحمه كما أن الخنزير معروف عنه سوء الطبع والدياثة وهذا ما جعل الوثنيين القدماء الذين لا ينتسبون لدين أو عقيدة يتشاءمون من رؤيته فضلاً عن أكل لحمه بل وقرأت أن شعوباً غير مسلمة كانت تعتبر تربية الخنزير من أحط وأحقر المهن التي تخرج صاحبها من دائرة الاحترام والتقدير بحيث لا يستطيع من يمارسها الزواج إلا من نساء من يمارس نفس المهنة بل وكان يمنع من دخول دور العبادة.
ومن اللطائف التي قرأتها في أحد التفاسير وتستحق الذكر أن القرآن الكريم أتى بتحريم لحم الخنزير مع أنه لم يكن معروفاً في جزيرة العرب وهذا تأكيد على عالمية الإسلام وأنه دين سماوي جاء للبشرية جمعاء، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (115) سورة النحل. ومما يستحق الإشارة إليه أيضاً أن اليهود لا يأكلون لحم الخنزير ويحرمونه على أنفسهم كالمسلمين تماماً وإن اختلفت الأسباب حيث اليهود يؤمنون بأن الله عذب العصاة منهم وقلبهم خنازير وبالتالي فلا تستسيغ أنفسهم أكل من قد يكون من بني جلدتهم، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَر مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (60) سورة المائدة.
ومن العادات التي ترعبني وتجعلني أرفض تناول اللحوم عند سفري خارج السعودية هو تفضيل بعض الشعوب الجنوب شرق آسيوية أكل لحوم القطط والكلاب، ومما زادني حذراً أنني قرأت أن هناك دولاً آسيوية تستطيع فيها أن تشتري من مركز التموين الغذائي معلبات تحتوي على أفخاذ الضفادع المتبلة في البصل والفلفل والصراصير والنمل وكذلك الثعابين والسحالي والعقارب بل وبرطمانات تحتوي على وجبة غذائية على شكل مولود بشري بل ومن المواقف التي لا أنساها أنني رأيت أحد أصدقائي يشرب ما في بيضة الدجاجة من صفار وبياض دون طبخ أو سلق وعندما رأى نظرات الاستغراب أخبرني أنه يأكل الكبد الحيواني كذلك دون طبخ، فأخبرته وأنا أتحاشى النظر إليه أن عليه الحذر من الإصابة بالحمى المالطية وانفلونزا الطيور وأن عليه أن لا يخبر زوجته حتى لا تهرب منه.
ومع أنني لست كبيراً في السن إلا أنني أدركت في طفولتي في أواخر التسعينيات الهجرية حياة البساطة عندما كان الناس يأكلون التمر المكنون في الجصة التي هي عبارة عن غرفة صغيرة داخل بيت الطين لا تتجاوز المترين طولاً وعرضاً وكانت مطلية بمادة الجص وكان التمر يوضع فيها بعد صرامه من النخيل وتنظيفه وكان لها باب صغير مرتفع قليلاً يسمح للرجل أو المرأة بالدخول من خلاله للأخذ من التمر وكذلك عند تخزينه وترتيبه وكان أسفل الجصة فتحة صغيرة تسمح بخروج الدبس الناتج عن تجانس التمر واختلاطه بالماء وتأثره بالحرارة والذي كان له قيمته واعتباره فهو كالعسل والسكر الذي يندر وجودهما في ذلك الزمن، وكان السرو وهو نوع من الدود ينشأ في هذه البيئة إذا لم يتم كنز التمر بصورة صحيحة وكان هناك فراغات بين حبات التمر ومع الزمن ينتج عن ذلك سوس التمر الذي هو الدود بعد موته داخل حبة التمر وكان آباؤنا لا يكلفون أنفسهم زمن الجوع مشقة إخراج السوس من حبة التمر بل كان البعض منهم يرى أن السوس يعطي طعماً ومذاقاً مميزاً للتمر ومما قرأت ولا أدري عن صحته أن السوس الذي في التمر يقتل بعضاً من الجراثيم الضارة التي قد تكون مستوطنة في الجسم ومما كان يتميز به ذلك الجيل من سماحة وبساطة في الحياة أن أحدهم يدخل الجصة ويقف بقدميه العاريتين على التمر وهو ينتقي الجيد من حبات التمر ثم يخرج ليأكل الجميع بما فيهم الضيوف من هذا التمر دون أن يذهب بهم التفكير إلى أن أحدهم وقف بقدميه على التمرة التي أصبحت داخل فمه.
علي بن زيد القروني
كتابة عدل الحلوة بحوطة بني تميم