Al Jazirah NewsPaper Thursday  04/12/2008 G Issue 13216
الخميس 06 ذو الحجة 1429   العدد  13216
المجهر الإقتصادي
شرارتها فكرة مثيرة للإعجاب.. وعواقبها بركان خسائر !
اصطناع الرخاء الإسكاني يقود العالم إلى أسوأ (أزمة مالية) منذ قرن

تقرير - فيصل الحميد:

في العام 1938 توصلت إدارة الرئيس الأمريكي روزفلت إلى فكرة (مثيرة للإعجاب) تفضي إلى توسيع الملكية الإسكانية. وقامت بدعم من الكونجرس بإنشاء (الجمعية الفيدرالية للرهن العقاري الوطني) المعروفة باسم (فاني ماي) لشراء الرهون العقارية من المصارف. وكانت (فاني ماي) تقترض الأموال من الحكومة الفيدرالية بشكل أرخص مما تستطيع المؤسسات الخاصة، ومكنها ذلك من احتكار سوق الرهن الثانوية في الولايات المتحدة بشكل سريع.

في العام 1968، قامت الحكومة الفيدرالية بخصخصة مؤسسة (فاني ماي) وطلبت منها جمع رأس المال من أسواق القطاع الخاص. وبعد عامين تبنت الحكومة شركة (فريدي ماك) لتكون منافسا لها في سوق الرهن العقاري الأمريكي.

الخبير الاقتصادي في معهد كيتو بواشنطن العاصمة ريتشارد دبليو ران كتب عن أزمة الرهن العقاري ( بحلول العام 2002، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعرض مقادير من الأموال غير محددة فعليا على البنوك بأسعار فائدة بلغت في بعض الأحيان حتى دون التضخم، وهكذا، فقد تم دعم الرخاء الإسكاني بشكل مصطنع بفعل إصدار ما نسبته100 في المائة من الرهون إلى مقترضين لا يتمتعون بمصداقية ائتمانية).

وتابع ريتشار (قامت البنوك بإصدار الرهون بعرض بيع خداعي لها على مؤسستي (فريدي ماك) و(فاني ماي) اللتين ستقومان بوضعها في (مجمعات) من الرهون العقارية لتباع إلى صناديق استثمارية وإلى عامة الجمهور على شكل استثمارات (رفيعة الدرجة) تتميز بأدنى حد من المخاطر المالية.

بوادر أزمة:

في الأول من يناير عام 2001 كان مستوى الفائدة على الدولار الأمريكي عند 6%، وتعمد القروض هناك إلى تتبع الفائدة على الدولار فإذا انخفضت لحقتها فائدة الإقراض والعكس. ولذلك قد يدفع المقترض الأمريكي قسطا يختلف عن الذي سبقه حسب مستوى الفائدة المتغير. ولتنشيط الأسواق بدأ الاتحاد الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) سلسلة تخفيضات في مستوى الفائدة لدفع الأموال من الودائع في المصارف إلى التداول في الأسواق حتى استقرت الفائدة في العام 2003 عند مستوى 1%، مما خفض قيمة القروض الممنوحة من المصارف وشجع الأمريكيين خاصة الذين لا يتمتعون بملاءة مالية عالية على شراء المنازل عن طريق الرهن العقاري للبنوك كون الفائدة لا تكاد تذكر حيث يحصل البنك على 10 آلاف دولار فقط في العام عن كل مليون دولار.

كان لخفض الفائدة تأثير قوي على ارتفاع التضخم من جهة وفقدان المصارف للسيولة من جهة أخرى لعزوف الكثير عن الودائع لانخفاض العائد. فعالج الفيدرالي الأمريكي الوضع بالعودة إلى رفع مستوى الفائدة لتشهد مسلسل ارتفاع سريع بلغ 5% في يناير 2007، بما يعادل 400% خلال ثلاث سنوات فقط.

خلال هذه الفترة أحس المقترضون بصعوبة تسديد أقساطهم التي بدأت بالارتفاع في كل مرة يرفع بها الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة، ليتوقف كثير من الأمريكيين عن سداد قروضهم لتضع البنوك يدها على المنازل وتبيعها في مزادات بأقل من نصف قيمتها أحيانا لتدخل في سلسلة من الخسائر مع كل مرة يتوقف فيها مواطن عن السداد. ولم تتوقف المشكلة على البيع بنصف القيمة بل تجاوزت إلى بقاء الأصول دون بيعها لقلة المشترين. وبذلك بدأت البنوك تفقد جزءا كبيرا من سيولتها لتدخل الولايات المتحدة في أضخم أزمة مالية منذ العام 1928م.

وفاقم المشاكل المالية في الولايات المتحدة استمرار تسجيل عجز في الميزانية كل عام . ففي بداية انتخاب الإدارة الأمريكية الحالية عام 2001 كانت الميزانية الأمريكية تسجل فائضا وصل إلى 236 مليار دولار، إلا أن هذا الفائض بدأ يتقلص تدريجياً مع توغل واشنطن في حروبها الجديدة حتى تحول إلى عجز، ووصل إلى نحو 163 مليار دولار في عام 2007م . وحسب بيانات رسمية يقدر حجم الدين الداخلي في 27 يناير 2008 بنحو 9.2 تريليون دولار مرتفعا من نحو 5.7 تريليون دولار في عام 2001م.

2007 بداية النكبة:

أينعت الأزمة المالية الحالية العام الماضي في الولايات المتحدة وبدأت تطال أوروبا واسيا وحتى الشرق الأوسط، وأدت الأزمة إلى تزايد قضايا إشهار الإفلاس في الولايات المتحدة بنسبة 38% خلال عام 2007 مقارنة بالعام الذي سبقه.

وأوضحت بيانات المكتب الإداري للمحاكم الأمريكية أن عدد قضايا إشهار الإفلاس في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع ليصل إلى 850 ألفا و912 قضية في عام 2007م وذلك مقارنة بـ 617 ألفا و660 قضية في عام 2006م. وأرجعت البيانات حالات الإفلاس إلى تفاقم معاناة الكثير من العملاء من الوفاء بمدفوعات الرهن العقاري المرتفعة بالإضافة إلى أعباء الديون الأخرى.

وفي أغسطس 2007 وصل التأثير إلى البورصات لتبدأ التدهور أمام مخاطر اتساع الأزمة، حتى أعلنت عدة مصارف كبرى في أكتوبر وديسمبر عن انخفاض كبير في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن العقاري. وكان الفيدرالي الأمريكي قد أحس بالخطر وبدأ خط الرجعة لمستويات الفائدة فخفضها أولا نصف نقطة في سبتمبر 2007 ثم ربع نقطة في أكتوبر، ونقطة كاملة في يناير 2008 لتصبح عند مستوى 3.50%، ليستمر خفض الفائدة حتى عادت إلى 1% من جديد أواخر أكتوبر الماضي.

في السابع عشر من فبراير 2008 أكدت الأزمة وصولها إلى لندن عندما أعلنت الحكومة البريطانية تأميم بنك (نورذرن روك) بعد أن قارب الإفلاس.

وبعد شهر أعلن (جي بي مورغان تشيز) شراء بنك الأعمال الأمريكي (بير ستيرنز) بسعر متدن بمساعدة مالية من الاحتياطي الفدرالي، قبل أن تضع وزارة الخزانة الأمريكية يدها في أوائل سبتمبر على المجموعتين العملاقتين في مجال تسليفات الرهن العقاري (فريدي ماك) و(فاني ماي) تحت الوصاية طيلة الفترة التي تحتاجانها لإعادة هيكلة ماليتهما، مع كفالة ديونهما حتى حدود 200 مليار دولار.

(سبتمبر) 2008 سقوط العمالقة:

كما كان متوقعا أعلن رابع أكبر مصرف استثماري في الولايات المتحدة (ليمان براذرز) إفلاسه في سبتمبر الماضي تحت وطأة أزمة ديون هائلة جراء أزمة العقار، وطلب البنك من السلطات (اتخاذ إجراءات طارئة لحمايته من الانهيار التام).

وتزامن إشهار إفلاس عملاق وول ستريت الذي يزيد عمره على 158 عاماً مع إعلان (بنك أوف أمريكا) ومؤسسة (ميريل لينتش) وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق اندماج بينهما، في الوقت الذي تجاهد فيه (أمريكان إنترناشيونال غروب) من أجل تأمين سيولة نقدية بمليارات الدولارات.

حاول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي، بن بيرنانكيه، تهدئة الأسواق وأعلن عن خطط لتخفيف إجراءات تقييد الإقراض للصناعة المصرفية، وفي نفس الوقت تم الاتفاق بين 10 مصارف أمريكية وأجنبية على تشكيل صندوق طوارئ بقيمة 70 مليار دولار لإقراض المؤسسات المالية المتعثرة. إلا أن البورصات العالمية لم تلتفت إلى الاجراءات المتخذة وواصلت التراجع.

وازداد الأمر سوءا بوصول المشاكل إلى شركات التأمين ليضطر الاحتياطي الفدرالي والحكومة الأمريكية في منتصف سبتمبر إلى تأميم اكبر مجموعة تأمين في العالم (إيه آي جي) المهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 79.9 % من رأسمالها. وبعد يومين فقط أعلنت السلطات الأمريكية عن خطة بقيمة 700 مليار دولار لتخليص المصارف من أصولها غير القابلة للبيع.

وأثناء طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش (التحرك فورا) حيال خطة إنقاذ المصارف لتفادي تفاقم الأزمة في الولايات المتحدة، أعلن بنك (جي بي مورغان) شراء منافسه (واشنطن ميوتشوال) بمساعدة السلطات الفدرالية.

وفي أواخر سبتمبر 2008 وبينما تجري خطة الإنقاذ الأمريكية موضع اتفاق في الكونغرس، جرى تعويم (فورتيس) من قبل سلطات بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وتأميم بنك (برادفورد وبينغلي)في بريطانيا.

وقبل انتهاء الشهر صدم مجلس النواب الأمريكي قطاع المال برفضه خطة إنقاذ المصارف التي تقدمت بها إدارة الرئيس جورج بوش، لتنهار وول ستريت، وتتراجع البورصات الأوروبية والأسيوية بقوة، في حين واصلت معدلات الفائدة بين المصارف ارتفاعها مانعة المصارف من أعادة تمويل ذاتها.و أعلن بنك (سيتي غروب) الأمريكي انه سيشتري منافسه (واكوفيا) بمساعدة السلطات الفدرالية.

عودة الأمل:

بعد يومين من رفض النواب الأمريكي عاد مجلس الشيوخ ليصوت مرة أخرى على خطة معدلة قبل تمريرها إلى النواب الذي وافق على الخطة التي أطلق عليها (قانون دعم الاستقرار الاقتصادي العاجل للعام 2008) وتهدف إلى حماية أفضل للمدخرات والأملاك العقارية التي تعود إلى دافعي الضرائب وحماية الملكية وتشجيع النمو الاقتصادي وزيادة عائدات الاستثمارات إلى أقصى حد ممكن.

بعد توقيع الرئيس الأمريكي لخطة الإنقاذ والتي صادفت آخر أيام الأسبوع أقفلت وول ستريت تداولاتها لأسوأ أسبوع لها في سبع سنوات وسط مخاوف من أن خطة إنقاذ القطاع المالي لن تكسر جمود أسواق الائتمان أو تحول دون ركود أمريكي. وهو ما حدث بالفعل إذ دخلت الولايات المتحدة اكبر اقتصاديات العالم مرحلة الركود مع انتهاء الربع الثالث من العام 2008م.

وفي هذا الصدد قال بنك جولدمان ساكس: إن الولايات المتحدة تغرق في حالة كساد أعمق مما كان متوقعا، بعد أن اظهر تقرير حكومي تخفيض الوظائف بمقدار 240 ألف وظيفة في أكتوبر الماضي، مصحوبا بارتفاع معدل البطالة إلى 6.5%.

كما توقع جولدمان ساكس أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل 3.5% في الربع الأخير من هذا العام، و2% في الربع الأول من 2009م.

تسونامي خسائر يعود بالأسواق إلى مستويات 2004:

يبدو أن النائب الديمقراطي بيتر ديفازيو كان على حق عندما قلل من شأن خطة الإنقاذ الأمريكية ووصفه بأنها ستساعد بنوكا كبيرة فقط ولن تفعل الكثير. ففي أول اختبار فشلت الخطة في إحداث ردة فعل ولو نفسية على أسواق المال العالمية التي اجتاحها تسونامي خسائر بعد يومين من إقرار الخطة وهو أول أيام التداول الأسبوعية. فهوى مؤشر نيكي للأسهم اليابانية 4.3% ليغلق على أدنى مستوى في أربع سنوات ونصف، كما هبط مؤشر توبكس الأوسع نطاقا إلى ادني مستوى إغلاق منذ ديسمبر عام 2003م. وسجلت الأسهم الصينية انخفاضا حادا وفقد مؤشر بورصة شنغهاي المجمع 5.23%. ولم تسلم أسواق الخليج حيث سجلت خسائر كبيرة كان أعلاها في سوق الأسهم السعودية التي هبطت إلى أدنى مستوى منذ أكثر من 4 سنوات بعد أن فقدت 10% من قيمتها في أول دقيقتين فقط بعد عودة التداول من إجازة عيد الفطر. وفي أوروبا سجلت الأسهم أسوأ خسارة في يوم واحد وتراجعت إلى أدنى مستويات للإغلاق في أربع سنوات. وهبط مؤشر يوروفرست 300 بنسبة 7.4%. ومنيت البورصة الروسية بأسوأ خسائرها في يوم واحد عندما فقدت أكثر من 19%. كما أغلق مؤشر (داو جونز) للأسهم الأمريكية دون عشرة آلاف نقطة لأول مرة منذ أربع سنوات، ولا زالت الأسواق المالية تسجل قيعان جديدة مع كل جلسة حتى اليوم.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد