Al Jazirah NewsPaper Friday  05/12/2008 G Issue 13217
الجمعة 07 ذو الحجة 1429   العدد  13217
المتاجرون في الحج ليس لهم في الآخرة من خلاق
صالح بن مقبل بن عبدالله العصيمي

في مثل هذه الأيام من كل عام تكثر الاتصالات والرسائل بالسؤال هل تعرف أحدا يرغب في أن يحج عنه أو يرغب أن يحجج عن غيره كأبيه أو أمه أو جده أو أخيه.. الخ، بل بعضهم يرسل فيقول إذا تعرف أحدا يرغب أن يحج عنه فأنا جاهز؟!!

وكنت لا أبالي غالباً في مثل هذه الرسائل. وفي يوم من الأيام كنت مع مجموعة من طلاب العلم نتناقش في مسائل علمية فكانت هذه المسألة من المسائل المطروحة فقال أحد المشايخ إنه كان في مدينة بمنطقة من مناطق المملكة وكان هناك شيخ؟!! من بلد عربي هو شيخ لغالب سكان هذه البلدة في القرآن الكريم وكثير من العلوم الشرعية وكان مربياً وقدوة يقول الأخ: فذهب إليه أحد الشباب وقال له: بأن أبي قد مات وأرغب بأن تحج عنه، يقول: فقال لي: أستغفر الله أستغفر الله إن وجودي في بلادكم مؤقت وأرغب أن أكثر من الحج، يقول: فقلت له لا أرغب أن يحج عن أبي إلا أنت ولا أثق إلا بك، يقول: وتحت إلحاحي وافق ولكن أخذ علي شرطا ألا أخبر بهذا أحداً وعلل ذلك بأنه يخشى أن يجد ضغوطاً وإحراجات من أولئك الذين رفض أن يحج بالإنابة عنهم وضغوطات في المستقبل من أولئك الذي يرغبون بتحجيجه نيابة عنهم وهو سيتنازل عن قاعدته بالامتناع عن الحج عن الغير من أجلي، يقولون فشكرت له هذا الصنيع، وقلت معروفاً لا أنساه، يقول: فأعطيته ما كتب الله من المال مصاريف للحج، يقول: وفي يوم عرفة كنت مع مجموعة من الشباب فرأينا مناظر الحجاج المهيبة فقال الأخ الذي أناب الشيخ؟! بالحج عن أبيه بلحظة عفوية بدون قصد منه لكشف السر الحمد لله لقد حججت فلاناً عن أبي، يقول: ففغر أحدهم فاه وقال: وأنا كذلك حججته عن أبي، يقول: فإذا بهذا المجلس في عدة أشخاص قد فعلوا معه مثل ما فعل الأخ الموكل وأخذ عليهم عهوداً ومواثيق، يقول: وفوجئنا بأن هذا صنيعه مع عدد من الأفراد فإذا به قد حول الحج إلى تجارة يغش فيها ويخدع، ويحج عن العشرات في عام واحد، وإنك لتعجب من أولئك الذين لا يتورعون أن يحجوا عن الغير بأموال فيريدون بعمل الآخرة الدنيا، وقد ذم الله سبحانه وتعالى من أراد بعمل الآخرة الدنيا، قال تعالى:{وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، وقال تعالى: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}، وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} والعجيب أن فئة من هؤلاء المتاجرين بالحج لا يتورعون عن ذكر مزاياهم وإخلاصهم فيقول هل ترغب بتحجيج رجل صالح ثم تتفاجأ بأنه يقصد نفسه وأنا لا أعمم الحكم على الجميع بل هناك من يحج عن الغير رغبة برؤية مكة ولو ملك ما يوصله للحج لما حج عن الغير ولو أعطي من الأموال ما عطي وعلى هذا فيجب أن يتنبه أولئك الذين يحجون عن الغير رغبة بالأموال، مع أن بعضهم عنده قدرة مالية على الحج عن نفسه أو عن غيره من ماله الخاص دون أخذ مال من غيره وبعضهم قد يجد من يحججه عن نفسه مجاناً إذا علم أنه محتاج فيذهب مع هؤلاء بالمجان باعتباره عن نفسه وهو بالحقيقة حاج عن غيره بمال من حج عنه فيأخذ من الغير ثمن حجه عن موكلهم فيحول هذه العبادة إلى تجارة كسب من خلالها من جهتين وفي هذا مسألتان ذكرهما الشيخ عبدالعزيز بن باز.

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:

1 - إذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المشاهدة للمشاعر العظيمة ومشاركة إخوانه الحجاج والمشاركة في الخير فهو على خير إن شاء الله وله أجر.

2 - أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا، فليس له إلا الدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله انظر: مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة 16-423 قلت فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله:

أ - كما قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (15-16)سورة هود.

ب - وقال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} (18-19)سورة الإسراء.

ج - وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

1 - إذا كان قصده (أي من حج عن الغير) الاكتساب بذلك وهو أن يستفضل مالاً- أي: (ينفق مما يأخذه للحج ويدخر الباقي له) - فهذا صورة الإجارة والجعالة، والصواب أن هذا لا يستحب، وإن قيل بجوازه لأن العمل المعمول للدنيا ليس بعمل صالح في نفسه، إذا لم يقصد به إلا المال، فيكون من نوع المباحات، ومن أراد الدنيا بعمل الآخرة فليس له في الآخرة من خلاق.

2 - وقال أيضاً: كون الإنسان يحج لأجل أن يستفضل شيئاً من النفقة ليس من أعمال السلف، حتى قال الإمام أحمد: ما أعلم أحداً كان يحج عن أحد بشيء، ولو كان هذا عملاً صالحاً لكانوا إليه مبادرين، والارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين، أعني إذا كان إنما مقصوده بالعمل اكتساب المال. أما إذا كان الإنسان مدينا وحج من أجل سداد دينه فهذا المدين له أن يأخذ من الزكاة ما يوفي به دينه خير له من أن يحج عن غيره ليأخذ من دراهم يوفي بها دينه، ولا يستحب للرجل أن يأخذ مالا يحج به عن غيره، إلا لأحد رجلين:

أولها: إما رجل يحب الحج، ورؤية المشاعر، وهو عاجز، فيأخذ ما يقضي به وطره الصالح، ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج، فهذا يأخذ ليحج لا أن يحج ليأخذ، ففرق بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده والدين وسيلة. والأشبه أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق. إذا كان الرجل مؤثراً أن يحج محبة للحج، وشوقاً إلى المشاعر وهو عاجز فيستعين بالمال المحجوج به على الحج، وهذا قد يعطى المال ليحج به لا عن أحد كما يعطى المجاهد المال ليغزو به، فلا شبهة فيه، فيكون لهذا أجر الحج ببدنه، ولهذا أجر الحج بماله، كما في الجهاد فإن من جهز غازياً فقد غزا، وقد يعطى المال ليحج به عن غيره، فيكون مقصود المعطي الحج عن المعطى عنه، ومقصود الحاج ما يحصل له من الأجر بنفس الحج لا بنفس الإحسان إلى الغير.

ثانيها: إذا كان مقصود الحاج قضاء الدين (أي: الحج عن الميت) الواجب فهذا محسن إليه، والله يحب المحسنين، فيكون مستحباً وهذا غالبا ما يكون لسبب يبعثه على الإحسان إليه مثل رحم بينهما أو مودة.. إلخ. انظر: مجموع الفتاوى 26-15-20 باختصار وتصرف يسير.

قلت بل ذكر الإمام ابن رجب -رحمه الله- في قواعده كلاماً مهماً حول المسألة، حيث قال: إذا أخذ الحاج نفقة من غيره ليحج عنه فهذا جائز وإذ زاد مال فإنه يعيده إلى من أعطاه إياه وإن كان ميتاً فإنه يعاد إلى الورثة إلا إذا نص الموصي بأنه ممن حج عنه له مقدار معين وذكر كلام الإمام أحمد رحمه الله حين قال: (إذا قال- رجل لمورثته- حجوا عني بألف حجة فإنه يحج عنه حجة وما فضل يرد إلى الورثة) فقال ابن رجب: وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يدفع إلى من يحج أكثر من نفقته وذكر كلاماً مهما نقلت بعضه باختصار وتصرف يسير انظر القواعد في الفقه الإسلامي، ص 126، وفي الختام هذه مشاركة أحسب أن فيها تنبيهاً لهؤلاء الذين أعتقد أن غالبهم لا يعرفون الحكم الشرعي في مثل هذه المسألة وبأن رغبتهم الخير وفعله ولو علموا أن في هذا محذورا شرعيا لاجتنبوه والله الموفق وصلى الله عليه وسلم.

عضو الجمعية الفقهية السعودية - فاكس (2414080)


Saleh35@gawab.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد