Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/12/2008 G Issue 13218
السبت 08 ذو الحجة 1429   العدد  13218
اعتذار (بوش) جاء في الوقت الضائع !
محمد بن عيسى الكنعان

قبل أيام معدودة من مغادرة البيت الأبيض تنبه الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) إلى وجوب ختام ولايتيه بحديث إعلامي (اعتذاري) للشعب الأمريكي لعله يلملم من خلال فضائه المفتوح ما بقي من تاريخه (الحربي) الذي بدأه ب(الحرب على الإرهاب) عبر اجتياح أراضي أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ومروراً ب(غزو العراق) عام 2003م تحت مزاعم نزع أسلحة الدمار الشامل ثم إسقاط الطاغية وإشاعة الحرية المنشودة وتطبيق الديمقراطية المفقودة، إلى ارتداد هذا الجنون العسكري عام 2008م على الاقتصاد الأمريكي ب(الأزمة المالية العالمية) التي مازالت تعصف بالنظام المصرفي الأمريكي وترسل لواقحها على أثير القروض والائتمان إلى القطاعات الإنتاجية الفاعلة في الاقتصاد الرأسمالي كصناعة السيارات.

حديث الرئيس الأمريكي كان عبر مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة ABC ضمن فقرات برنامج (أخبار العالم) حسب ما ورد في موقع CNN الإلكتروني، حيث قدم اعتذاره وأسفه (المتأخر) للشعب الأمريكي ! عن ماذا ؟ عن (الأزمة المالية) التي كلفتهم أعمالهم وأضرت بحسابات تقاعدهم، ثم ندمه الشديد على (غزو العراق).. لاحظ أنه لم يعتذر للشعب العراقي ! ولكن لماذا ؟ لأن هذا الندم جاء ل(فشل الاستخبارات) في ما يتعلق بالتهديد الذي مثله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للولايات المتحدة، والفشل شأن أمريكي بغض النظر عن كرامة الشعوب ومصير الدول الأخرى، فهو يقول في المقابلة: (لقد خاطر الكثير من الناس بسمعتهم وقالوا: إن أسلحة الدمار الشامل تعتبر سبباً كافياً للإطاحة بنظام صدام حسين، وهو أمر لم أكن لأكرره ثانية، ولكنني أتمنى لو أن المعلومات الاستخباراتية كانت مختلفة على ما أعتقد). هذا الكلام (الإعلامي الاستهلاكي) يذكرنا بتصريح وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الشهير في شهر أبريل 2004م، عندما اعترف أن الأدلة التي قدمها إلى الأمم المتحدة (في 5 فبراير 2003م) لتبرير الحرب على العراق ربما تكون خاطئة، حتى أنه استقال من منصبه بعدها، كما لم يتم العثور على أي دليل يشير لامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.

هكذا بكل بساطة.. يُسحق الأبرياء بالآلاف في العراق تجاوز تعدادهم (مليون قتيل وقيل ثلاثة ملايين) لخطأ استخباراتي.. هكذا يتم غزو بلد واستباحة سيادته الوطنية واحتلاله بالكامل وتدمير منشآته، وحلّ جيشه وتسريح كل قواها الداخلية، ثم إدخاله نفق الفوضى الأمنية المظلم، ليسهل تمزيقه مذهبياً وطائفياً وحزبياً وعشائرياً كما هو حاصل الآن.. والنتيجة (اعتذار) لا معنى له، وندم بارد.. لمن ؟ للشعب الأمريكي لأننا (أخطأنا) في تقديراتنا بما يشبه الكذب عليكم ! أما الشعب العراقي المنكوب فهو (حقل تجارب) الأفكار السياسية الانتهازية تحت مزاعم تحقيق الحرية وإشاعة الديمقراطية.

اعتذار الرئيس الأمريكي جاء في (الوقت الضائع) وهو لا يسمن من سياسة نقية ولا يغني عن الحقيقة الجلية، الحقيقة المرة بالألم العربي والجرح الإسلامي، لكونها تشكل أزمة فعلية ل(هيئة الأمم المتحدة) ومجلسها الأمني (غير الموقر) الذين سكتوا عن الاحتلال وهو ينهش جسد العراق، ثم مشوا في ركاب المشروع الأمريكي وهو يقطع هذا الجسد، وكأنهم يمنحون الشرعية للأعمال الاستعمارية، تلك الأزمة هي في واقعها أزمة (إنسانية) بالدرجة الأولى قياساً بحجم الضحايا العراقيين الأبرياء الذين سقطوا بين جنود الاحتلال والإرهابيين الذين وجدوا العراق غابة من الأسلحة وساحة مفتوحة للقتال وبيئة للفكر الضال الذي شوه عقيدة الجهاد ومعنى المقاومة، كما أنها أزمة (أخلاقية) لأن هذه الهيئة الأممية شاركت بالصمت على تدمير بلد ونهب ثروته النفطية.

بعد كل هذا يأتي (المخلص) الذي أرسله (الرب) في مهمة إلى العراق - كما قالت الجمهورية المتطرفة سارة بالين - يأتي هذا المخلص بعد (خمس سنوات) ويعلن الندم، فلو كانت لديه معلومات مختلفة فلن يكررها (ثانية)، خاصة ً بعد أن وقعت الحكومة العراقية المبرمجة (الاتفاقية الأمنية) مع قوات الاحتلال. هنا يتساءل الأطفال من دارفور إلى بغداد عن دور المحكمة الجنائية الدولية (محكمة لاهاي)، وبالذات ممثل الادعاء فيها لويس أوكامبو الذي يزعم أن لديه أدلة تدين الرئيس السوداني عمر البشير بارتكابه جرائم حرب في إقليم دارفور، عن دور هذه المحكمة بخصوص الزعماء الذين يعترفون أمام الإعلام أو خلف طاولات مكاتبهم وليس وراء القضبان أو أمام قضاة المحكمة ! يتساءلون: كيف تتعامل المحكمة معهم ؟ الجواب في منطق (القوة فوق الحق).. والله المستعان.



Kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد