Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/12/2008 G Issue 13218
السبت 08 ذو الحجة 1429   العدد  13218
لما هو آت
التروية.. .!
د. خيرية إبراهيم السقاف

يأخذني هذا اليوم لمكة القديمة.. حيث سمعنا من أفواه الأجداد والجدات.. والآباء والأمهات قصص اليوم الثامن لذي الحجة.. وقوافل الحجيج تكون قد تحركت من مكة للشعائر إذ كانوا يمضونها رحلة ماتعة على ما فيها من شظف العيش.. وكيف كان أهل مكة يستبشرون بالحجيج مصدر رزق لعام كامل يحصدون من إعداد الجمال وسقايتها وتوفير الخيام ونصبها.. ودلالة الحاج وقوده للمشاعر وللحرم.. ولخدمته ما يوفر لهم معيشة سنة كاملة..

يؤجرونه سطوح البيوت.. ويصنعون له الكعك ويوفرون له الماء والغذاء.. ويتبادلون معه السلع اليسيرة.. ويتعلمون لغته ويتبادلون معه حديثه.. وكيف تبدلت الأيام وتطورت الوسائل واتراجع دور الناس كل الناس في مكة بعد الأنظمة الحديثة عن المساس اليومي بشؤون الحاج...

تخيلت منابع الماء وسقيا الرَّكوب وركض المشوق لعرفات وأصوات التهليل والتكبير تتناغم لها سفوح جبال مكة وواديها الذي من غير زرع تؤمه أفئدة من النفوس وأنواع من الثمرات ويبقى لمكة ثقل القداسة وصدر الترحاب وسعة القبول وهيمنة الفطرة وخصوصية الاختيار الإلهي لبقعة في كون الله العظيم لتكون قبلة لتوحيده تعالى وطاعته..

تخيلت ما استقر في ذاكرتي بصوتها العذب وهي تحكي لي كيف يتحول البيت ذو الأدوار الشاهقة بسطوحه وحجراته القليلة لمركب يعج بالحجاج وهي وصغارها تتقرطس داخل خيمة في السطح ليكون الدار من الباب للباب للحجيج.. حتى إذا ما غادر الحجيج غسلته بالماء والصابون وكان ذلك اليوم احتفال آخر بتوديع ضيوف الرحمن.. بعدها كيف تعد الحصاد وتفرح الصغار بملابس جديدة وبغذاء منوع.. وتبقى في انتظار حجيج العام الذي يليه...

كان يوم التروية قبل عرفات بيوم له وقعه في نفوس الساكنين مكة إذ هو طرق لوداع الحجيج يبدأ بنزوحهم للمشاعر وينتهي بوداعهم لبلادهم..

اليوم..

مع كامل التغيير والتطوير والازدحام

لكن زخما رويا لا أحسب أنه ينافس ذلك الباقي في ذائقات الذين شهدوا الماضي ولم يبق لهم منه إلا كلمات: الله لقد مضى الزمن بكل جميل...

ليكون لمفهوم الجمال دلالات لا يدرك وهجها في نفوسهم من نشأ على مفهوم الجمال في السيارات الحديدية والمواصلات الجوية والسكنى في البيوت الاسمنتية والازدحام بالمناكب في غير هدوء أو تمتع نفسي كما الذي كان.. مع فروق عديدة في أوجه كثيرة للحياة..

عسى للحجيج هذا اليوم رواء نفسيا تتعالى فيه نداءات الخير والعفو والقبول..

و... الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا

اللهم تقبل منهم جميعهم... آمين



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد