Al Jazirah NewsPaper Monday  08/12/2008 G Issue 13220
الأثنين 10 ذو الحجة 1429   العدد  13220
في خطبة عرفة يوم الحج الأكبر.. سماحة المفتي:
الغزو الفكري كوَّن فئة من أبناء المسلمين والإرهاب الإلكتروني أضر بالأفراد والمجتمعات

عرفات - بعثة «الجزيرة» - محمد العيدروس - تصوير - سليمان وهيب:

توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر أمس على مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً إقتداءً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة. وقد امتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.

وقد تقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية.

وأم المصلين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ، وألقى خطبة قبل الصلاة استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر. ودعا الناس إلى تقوى الله في السر والعلن وتوحيده وإقامة أركانه والتمسك بنهج الله القويم واتباع سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فى جميع أعمالهم وأقوالهم.

وقال سماحة مفتي عام المملكة (أيها الناس يا من خلقتم لأمر عظيم وهيئتم لشأن جسيم.. أيها المسلمون يا من شرفكم الله بهذا الدين القويم وجعلكم خير أمة أخرجت للناس.. حملتم رسالة العظمى رسالة الدين الخالدة لإسعاد البشرية وهدايتها).

وأوصى حجاج بيت الله الحرام بخاصة والمسلمين عامة بتقوى الله فهي وصية الله للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}.

وأضاف (إن تقوى الله دعوة الأنبياء وشعار الصالحين وكل نبي يقول لقومه ألا تتقون).

إن أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون (تقوى الله فرقان بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال.. عرفان تنجلي به الأمور ونور تنشرح به الصدور..) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وتابع سماحته قائلاً: (إن تقوى الله به تيسير الأمور وتفريج الكروب وإعظام الأجور.. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً).

وبين سماحته أن تقوى الله هي الطريق للنجاة من النار بعد الورود عليها.. {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}.

وقال: (لقد أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور هداهم به بعد الضلالة وبصرهم به بعد الغواية وأصلحهم به بعد الفساد علمهم بعد الجهالة.. {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}.

وأضاف سماح الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ (إن الرسول صلى عليه وسلم دعا إلى إخلاص الدين لله وبين لهم أن هذا الدين الإسلامي قام على أركان خمسة.. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام.. أخبرهم أن الإنسان لا يكمل إسلامه إلا بعد الإقرار بهذه الأركان والإتيان بها كاملة بإيمان وإخلاص).

ولفت إلى أن الرسول عليه السلام ذكر المسلمين بأنه لن تزل قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين.

وقال سماحته (إن جواب ما كنتم تعبدون بتحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله علماً وإقراراً وعملاً، وجواب السؤال الثاني ماذا أجبتم المرسلين بتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله علماً وإقراراً وتأسياً وطاعة)..

وأضاف سماحته (إن كلمة التوحيد لا إله إلا الله حقيقتها كما دل القرآن الكريم عليه لا معبود بحق إلا الله.. فلا دعاء إلا لله ولا استغاثة بحق إلا بالله ولا ذبح ولا نذر إلا لله ولا تتعلق القلوب محبة وخوفاً ورجاء إلا من الله.. هي أساس الملة وأصل الدين هي قاعدة الإسلام.. لأجلها خلق الله الخلق ولأجلها أرسل الله الرسل).

وتابع قائلاً: (إن كلمة لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة وثمنها، ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة.. كلمة لا إله إلا الله توجب دخول الجنة والفوز بها وتكفير السيئات برحمة الله.. فبحديث عتبة فإن الله حرم على الناس من قال لا إله الله يبتغي بذلك وجه الله..) كلمة لا إله إلا الله خير ما قلت أنا والنبيون قبلي يوم عرفة (وأوضح أن أسعد الناس بشفاعة محمد يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصة من قلبه. مؤكداً أن الظفر بهذا الثواب العظيم لقائل لا إله إلا الله لا يكون إلا لمن عرف حقها واستكمل شروطها.. فأعظم ذلك العلم بما دلت عليه نفياً وإثباتاً.. نفي الشرك بغير الله وإثبات التوحيد لله وأن يكون اليقين التام بمعناها لقائلها مع الإخلاص لله.. الصدق لقائلها ومحبتها ومحبة العمل بها والقبول والانقياد لها القبول والانقياد لها. وأبرز سماحته مكانة الصلوات الخمس، ركن الدين العظيم وأساسه المتين، مبيناً أنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فهي برهان الدين الصادق على صحة الإيمان).

وقال سماحته (إن بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر والعهد الذين بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر، هي سبب لانشراح الصدر وقوة العين وقوة العقل والنهى عن الفحشاء والمنكر وتبعد الكسل وتبعث النشاط، والزكاة ركن الإسلام الثالث شرعها الله طهرة من الكفر والآثام وتوعد البارئ فيها بأشد الوعيد، وشرعها تزكية للنفس، وطهراً للمال، وسداً لحاجة المحتاج، وترسيخاً للمحبة بين طبقات المجتمع، وصوموا رمضان شرعه رحمة وإحساناً في تقوية البدن واستشعار مراقبة الله وترويض النفس على ترك المشتهيات لله والشعور بحاجات المحتاجين).

وأضاف سماحته (وحج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام افترضه الله على المسلم المستطيع في عمره مرة، شرعها لتحقيق التوحيد والاستجابة لله وهو عبادة قلبية وروحية وعبادة بالمال وعبادة بالفعل، وترويض النفس على الصبر والقيام بالواجب وهو سبب لتآلف القلوب وإشعار بما بين المسلمين في روابط في هذه المواقف العظيمة).

وتابع (هذه هي أركان الإسلام إذا أداها المسلمون صار مجتمعهم مجتمعاً طاهراً نقياً وصلاح بقية الدين بصلاح تلك الأركان وصلاح الأمة بصلاح دينها).

وخاطب سماحة المفتي الحجاج والمسلمين قائلاً: (إن إيمانك أغلى شيء تملكه في الحياة وأعز شيء عليك يخرجك من ملل الكفر والضلال، إيمان يربطك بماضيك ويصلك بربك ويصلك بمستقبلك بعد موتك، هذا هو الإيمان الصحيح فضله الله على أركان الإيمان الستة، نؤمن بملائكة الرحمن، نؤمن بوجودهم وبما كلفوا به من أعمال، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، لا يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، تؤمن بأنهم عباد الله المكرمون لا يسبقون الله بالقول وهم له يعملون يسبحون الليل والنهار لا يفترون، تؤمن بكتب الله السابقة وأن الله أنزل كتباً وصحايف لهداية البشر).

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز الشيخ (إننا نؤمن برسل الله السابقين، نؤمن بهم كلهم وأنهم رسل من عند الله لأن الكفر بواحد كفر بالكل فمن أنكر رسالة موسى أو رسالة عيسى فقط كفر بكل الأنبياء، ومن أنكر رسالة محمد فقد كفر بكل الأنبياء).. قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}... الآيه، نؤمن باليوم الآخر بالمبدأ والمعاد. ونؤمن بالجزاء والحساب ويوم القيامه {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }.

نؤمن بالجنة والنار كما بين الله في كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، نؤمن بكمال علم الله وعلمه بكل شيء وأن الله عالم بما أنتم عاملون قليلها وكثيرها وسرها وعلانيتها وكتب هذا العلم قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)... الآية.

وأكد سماحته أن هذه هي عقيدة المسلمين عقيدة كاملة لا نقص فيها، عقيدة واضحة لا غموض فيها، عقيدة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أي نقص فيها فهو مردود وأي عبادة غيرها في مردودة.

وقال (إن الأمن من أهم مطالب الحياة وهو ضروري لكل البشرية وأساس التسامح للمجتمعات البشرية بكل ما أوتي من إمكانات مادية أو فطرية، {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، وقال جل وعلا {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}. وأكد أن طلب الأمن مقدم على طلب الرزق والكساء وأن طلب الأمن مقدم على طلب الرزق والغذاء. فلا يهنأ لنا منام ولا أمن في أوطان ولا رغد للعيش إذا اختل الأمن والعياذ بالله. (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) وبالأمن والإيمان تتحد كلمة الناس وتتحد الحياة وتتوحد الأمة وينتشر العدل وتؤدى الشعائر بكل أمن وأمان.

وأضاف (إن توفير الأمن والمحافظة عليه لابد له من الأخذ بالأسباب ومن الأسباب إرساء العقيدة بالبعد عن الشرك).

وقال سماحة المفتي العام للمملكة إن من أسباب تحقيق الأمن طاعة ولي الأمر واجتماع الكلمة قول الحق تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. وأضاف (إن الله شرع الحدود والقصاص والتعزيرات لإيقاف المجرمين والآثمين المتلاعبين بدماء الناس وأعراضهم وأموالهم عند حدهم الذين ضعف الأيمان في نفوسهم فلم تؤثر فيهم المواعظ والزواجر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقلص الجرائم ويحمي الأخلاق ويحفظ الأمة من الانهيار) {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} وسبب للتمكين في الأرض. وأكد أن عواقب اختلال الأمن عواقب وخيمة ونتائج سيئة فإن اختل الأمن والعياذ بالله تغيرت الحال وسفكت الدماء البريئة وأوذيت الناس والأطفال وسلبت الأموال والممتلكات وانتهكت الأعراض وشاع الظلم وحل الخوف محل الأمن والفقر محل رغد العيش أعاذنا الله وأياكم من حال السوء، مشيراً إلى التحذيرات الشديدة من الله سبحانه وتعالى ومن أجهزة هذه الدولة لكل من يحاول إعاقة الأمن ونشر الفساد والعدوان (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).

وأوضح سماحته أن مفهوم الأمن في الشريعة الإسلامية لا يقتصر على على متابعة المجرمين بل عام في كل ما يحتاجه المسلمين والبشرية في دينها ودنياها, أمن عام في كل تحتاجة البشرية في الأمور المادية والمعنوية لك فرد أو جماعة مسلم أو غير مسلم.

وبين أن من أنواع الامن في الشريعة الأمن العقدي في المحافظة على العقيدة الغسلامية الغراء مما يخدشها أو يزعزعها وينقضها بالدعوة غلى توحيد الله وإخلاص الدين له والبعد عن المخالفات الشرعية، ومنها أمن نفسي فالإسلام يسعى إلى إصلاح النفس وإزالة القلق والخوف عنها من إيمان بالله والرضى بحكمه وابتاع شريعته والإنابة إليه، والمسلم يسعى في طريقه إلى الله يمده إيمانه بالعمل والرجاء إلى الله وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً وأن أعماله محفوظة له وسيجازى بها يوم القيامة، ومنها الأمن الأخلاقي بتربية المجتمع على الأخلاق والقيم الإسلامية السامية وعلى الطهارة والعفة والحشمة والحياء والبعد عن الأخلاق الرذيلة الهابطة التي لا خير فيها.

ولفت سماحة المفتي العام النظر إلى الأمن الأسري والاجتماعي وذلك بتأسيس الأسرة السعيدة القائمة على قواعد الأخلاق والضوابط المشروعة الطاهرة مع العناية بها من التفكك والضياع والاعتناء بها والمحافظة على بر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار والضيف والإحسان إلى الأيتام والمساكين وتحقيق التكافل الاجتماعي.

وأبان سماحته أن حقيقة الأمن السياسي تكمن في المحافظة على وحدة الأمة وجمع كلمتها وتوحيد صفها والوقوف سداً منيعاً أمام من يخل بأمنها واستقرارها، مما يؤكد حقيقة التزام الأمة بالالتفاف حول قيادتها والحذر من مكائد أعدائها، داعياً القيادة الحكيمة إلى النظر الدقيق والبعيد والانتباه لأن هذه الأمة مستهدفة من قبل أعدائها يسعون إلى إضعاف شأنها من خلال إيجاد نزاعات مختلطة وإشعال فتيل النزاعات.

وأشار إلى الأمن الاقتصادي الذي وضع له الإسلام أسساً عادلة لقيام اقتصاد قوي متين بعيد عن الربا والظلم، ومن ميزاته أنه مرتبط بالإسلام عقيدة وشريعة وذلك بالنظر إلى أن الشريعة أباحت التملك وأعطت الحرية المقيدة بفرض الزكاة المفروضة والنفقات الواجبة، ودعت إلى عظيم الخير وحرمت البيوع المشتملة على الربا والضرر والظلم والميسر وأكل أموال الناس بالباطل ومنعت من كل بيع لا يعرف عينه ولا ثمنه ولا أجله وبيع ما لا يملك وما لا يستطيع الإنسان سداد ثمنه حماية للمجتمع أن يأكل بعضه بعضاً.

وقال سما حته إن ما نسمعه اليوم من انهيارات اقتصادية أو من هذه الأمور كلها نتيجة لإخلال الناس بأصول الشريعة.

لافتاً إلى تحريم الله تعالى الربا وأخبر أنه يمحق الربا (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا) حكم شرعي أمر شرعي أن الله ماحق الربا ومهلك الربا، فعلى المسلمين أن يعودوا إلى شرع الله وأن يقيموا اقتصادهم على دين الله ليحفظ لهم دينهم وأموالهم واقتصادهم.

وأشارسماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ إلى أن هناك أمناً فكرياً لا يقل شأناً عن أمن الأنفس والأموال مؤكداً أن الإسلام حمى عقول المسلمين من الانحراف والتقصير أو الأفراط أو النفاق أو الغلو بأن أقام التوازن والوسطية العادلة التي جاء بها الإسلام مستدلاً بقول الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) وبهذا يضمن المسلمون سلامة مجتمعهم على الخير والهدى. وأبان سماحته أن هناك أمناً إعلامياً في ظل ما يشهده العالم من ثورات مذهلة في وسائل التقنية الحديثة الأمر الذي حمل الأمة عبئاً ثقيلاً والتزاماً أخلاقياً ودينياً نحو التعامل معها مفيداً أن تلك الوسائل مفتوحة لنشر الفكر والتأثير على المتلقي مشدداً على أهمية التعامل معها بحذر.

ووصفها بالأرهاب الإلكتروني الذي أضر بالأفراد والمجتمع تحت أسماء وهمية ومستعارة لنشر الرذيلة والفساد. وحث سماحته الأمة الإسلامية على توعية أبنائها التوعية الصحيحة وتحذيرهم مما يقال ويعرض داعياً العلماء والدعاة إلى الله ومراكز البحوث وأساتذة الجامعات إلى استغلال تلك الوسائل بما يدعو إلى الحق ويبطل الباطل ويرشد الأمة إلى الطريق المستقيم.

وتحدث سماحة المفتي العام في خطبته عن الأمن البيئي والأمن الصحي مشيراً إلى أن الأمن البيئي في الإسلام يدعو إلى الاهتمام بالبيئة وسلامتها ونظافتها وحماية مكوناتها وحماية المرافق العامة ومصادر المياه من التلوث فالإسلام حمى ذلك وكل ذلك حماية للمجتمع لعدم تلوث البيئة. ولفت النظر إلى ما يسمى بـ(صفة نوعية) التي يستعملها أعداء الإسلام في البلاد الضعيفة أو بعض الدول الإسلامية التي شوهت الأجنة وورثت الحيوان في البر والبحر مما يدل على حرص الإسلام على المصالح العامة وحماية المجتمعات من كل ما يؤذيها.

وأوضح أن الإسلام دعا إلى سلامة المجتمع ومنع من أسباب الوقوع في الأمراض فنهى عن الاختلاط بالأمراض المعدية والفرار منها ونهى عن الدخول في الأماكن الموبوءة كل ذلك حماية للصحة وحرصا على العلاج بعد وقوع الأمراض وما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء. وتابع سماحته قائلاً: (إن الأمن مسؤولية جميع الخلق لا يختص به فرد عن آخر. فالمجتمع مطلوب لحماية أمور المسلمين وممرات تجاراتهم وبضاعاتهم من قرصنة البحار والجو ومن المفسدين في الأرض).

وشدد على أهمية أن يجرم المجتمع هذا الإرهاب ويلعن براءته منه ومن كل ما يضر المسلمين وعصابات الاجرام بأي صفة كانوا انهم اللصوص المدمرون للأمة.

وقال {إن الإسلام حمى المجتمع وأرسى العقوبة على المفسدين، إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ..}،. فالإسلام لا يقبل تعدي حدود الله ولا يقبل الظلم ممن جاء به ولا يرضى بالظلم لأي أحد. فلنكن على حذر من هذا الإرهاب مهما كان نوعه ولنحارب عصابة الإجرام وليقف العالم كله ضد هذه العصابات المجرمة الظالمة المعتدية التي دمرت البلاد والعباد ونشرت الفساد).

وأضاف (إن تعظيم النصوص الشرعية ألا يقدم أحد على كتاب الله رأياً أو فكراً أو وجداناً ويعتقد أن محمداً جاء بالحق وأن القرآن يأتي بالتي هي أقوم، ومن أعظم الضلال إهمال النصوص الشرعية وإخضاعها القاصر في فهمها وتقديم آراء الناس عليها).

وقال سماحته (إن الغزو الفكري استطاع أن يكون فئة من أبناء المسلمين يتكلمون بألسنتنا يستحون من لبس الإسلام ويشمئزون من ذلك ويصفون حجاب المسلمة بالتخلف والرجعية وحدود الشرع بالوحشية والتشدد ويأتون إلى قراءة جديدة للنصوص يفهمونها كما يشاؤون على خلاف ما فهمها سلف الأمة من الصحابة والتابعين).

ودعا المسلمين إلى شكر الله على هذا الدين القويم الذي هداهم إليه ووصفه بأنه دين كامل في مبادئه وفي عقيدته وفي أخلاقه ومعاملاته وفي باب المعتقد حرر العقول من الضلالات والتعلم من الخرافات وحذر من البدع والمعاصي. فهو دين كامل في أوامره شرع الشرائع وفرض الفرائض ودعا الى فعل الخير.

ووفر نظام الأسرة من حيث الطلاق والقضاء وأوجد طاعة الزوجة لزوجها وعلى الزوج القيام بحقها وأن تكون الحياة الزوجية حياة كريمة فيها المحبة والتعاون على الخير والهدى. ورتب العلاقات المالية والمعاملات التجارية فأباح البيع والتجارة وحرم الغش والتدليس والقمار وكل ما يؤدي إلى الجهالة وأباح الطيبات وشرع الحدود الشرعية أصالة وخططا للأمن وحماية للمجتمع من الرذائل. وشرع القضاء بالعدل وحث عليه مستشهدا بقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيرًا}.

وأضاف (دينكم دين الإسلام .. دين رحمة وإحسان ..دين عدل وسلام ..و حفظ الحقوق كلها بجميع أنواعها ومنها حقوق الإنسان هذا الإنسان الذي كرمه الله على كثير من خلقه وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً).

وأكد أن الدين الإسلامي دين أكرم الإنسان وشرفه من حيث إنه خلقه في أحسن تقويم، جعل منهم الأنبياء والرسل والأئمة المصلحين وحرر الانسان من الجاهلية وجاء لإنقاذ الإنسان وسموه عن الوقوع في الرذائل وحمى الإنسان حقا من خلال المحافظة عليه من حيث النفس والعقل والدين والغريزة وأعطى الإنسان حقوقه.. حقه في الحياة وحرم الاعتداء عليه (إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم)، وأمر ببر الوالدين وصلة الرحم وإكرام الجار، وحفظ حقوق غير المسلمين مع المسلمين فحث على الإحسان إلى المعاهدين والمستأمنين وحرم الظلم عليهم، هذه عقيدكم استعزوا بها هذا دينكم شرفكم الله وكونوا به أعزاء (ولله العزة ولرسوله وللمومنين).

وأكد سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء أن المؤمن ولي لأخيه المؤمن يهمه ما يهمه ويحزنه ما يحزنه وأنهم كالجسد الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضاً مستدلاً بقول المولى عز وجل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء}.

مشيراً إلى أن المسلم لا يعيش لنفسه فقط ولكن يعيش لنفسه ولأمته ليحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى).

وأبان أن الموفقين من عباد الله من جعلهم الله سبباً لقضاء حوائج المسلمين وإسعادهم وأن أولئك فضلهم الله لافتاً النظر إلى أنه لما انقضى الناس للاسترخاء ضعف شأن الأمة وانقطعت أواصر المحبة وحبال المودة بينهم وفشت الأنانية وحب الذات مشيراً إلى أن ذلك سبب لتخلفهم. ووجه سماحته النداء إلى قادة العالم الإسلامي قائلاً: (يا قادة العالم الإسلامي، يا من ولاهم الله أمر شعوبهم إن مسؤوليتكم عظيمة أنتم سلطان الله في الأرض لإقامة شرع الله في أرضه إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أقيموا شرع الله بمن تحت أيديكم لتعيشوا أنتم وهم أمناً وسلاماً واطمئناناً، كونوا رحمة لرعاياكم وأحسنوا إليهم، سيروا بهم في طريق الإيمان والإحسان، جنبوهم طريق الرذيلة والشر وحذروهم من مكائد الأعداء). بعد ذلك وجه النداء إلى الآباء والأمهات وقال لهم (أحفظوا وصية الله في أولادكم فقد إئتمنكم عليهم يقول صلى الله عليه وسلم) كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول، فإن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حتى يسأله عن أهل بيته داعيهم في الوقت ذاته إلى أن يعتنوا بتربية أولادهم وأن يكونوا قدوة حسنة لهم وأن ينشئوا فيهم العقيدة الصحيحة والإيمان وأن يحذروهم من المعاصي وأن يأمروهم بالصلاة والزكاة وأخلاق الإسلام. إثر ذلك وجه سماحته الخطاب إلى العلماء وقال (إن مسئوليتكم عظيمة خذوا بيد النشء لما فيه الخير والصلاح خذوا بأيدهم لما يسعدهم في دينهم ودنياهم، بينوا لهم محاسن الإسلام، حذروا المجتمع المسلم من الأهواء والرذيلة والدعوات المغرضة الفاسدة، حذروهم من مكائد الأعداء).

عقب ذلك دعا الشباب المسلم إلى أخذ العلم من معدنه الصافي ومناهجه المعتمدة وأن يلازموا علماء الشرع وأن يحذروا الأفكار المنحرفة والمناهج المشبوهة والشعارات البراقة وإن أظهر أهلها الخير والصلاح، وأن يقبضوا على دينهم ثم على أوطانهم وأن يصونوا أنفسهم عن ما يصدهم عن الخير.

ووجه سماحة مفتي عام المملكة النداء للفتاة المسلمة وقال لها (اتقي الله في نفسك وألزمي دينك والحقوق الزوجية وابتعدي عن الاختلاط والسفور والتبرج وثقي بهذا الدين وأعلمي أن الله أعزك به فلا تبتغي سبيلاً غير الإسلام ديناً واحذري تغرير الأعداء وإتباع أهل الأهواء الذين يظهرون تحرير المرأة وهم يسعون في إضلالها وإبعادها عن طريق الخير).

فيما وجه سماحته الخطاب للمربين (أيها المربون ربوا فلذات أكبادنا، أبناءنا وبناتنا، على الخير وربوهم على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وربوهم على الأخلاق الشريفة، وأروهم المذاهب الطيبة التي تصلهم بدينهم ونبيهم وربهم، والتي تغرس فيهم الإيمان الصحيح والوسطية والاعتدال).

إثر ذلك وجه النداء لرجال الأعمال وقال (إن طلب الرزق محمود طبعا ومأذون فيه شرعاً إذا ضبط بضوابطه الشرعية، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، فاخلصوا لله العمل، واحذروا الغش والتدليس والتجارات المحرمة ومن ضمنها الخمور والمخدرات والقنوات الهابطة وطهروا أموالكم من كل مكاسب خبيثة، فإنها تفسد الأخلاق وتفسد جيل الأمة واحذروا مكاسبها وإن عظمت، فمهما يكثر من غسيل الأموال نتيجة لهذه المخدرات وتعاون بعض ضعاف النفوس معهم حتى يصبغها بالصبغة الشرعية فالحذر الحذر من ذلك).

وخاطب سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رجال الإعلام قائلاً: (بيدكم أمر عظيم وبيدكم سلاح عظيم، فاتقوا الله في أنفسكم أحرصوا على أمانة الكلمة وأن تقولوا الحقيقة، احذروا التهويل والإثارة أجعلوا قنواتكم قنوات دعوة، ومنبر خير، أحذروا الانسياق أمام الحملات المغرضة التي تهاجم الإسلام وأهله أو فضائله، وكونوا درعاً للأمة يقيها من الحملات السرية، ولا تكونوا سلاحاً ضد الأمة بينما يأمل منكم أن تكونوا سلاحاً للأمة، أحذروا المشاهد الخبيثة التي تكدر عقيدة المسلم وتكدر نقاء فطرته وتأتي بالانحراف الخلقي).

ودعا سماحة المفتي العام للمملكة صانعي القرار في العالم الاسلامي إلى أن تكون قراراتهم معبرة عن آمال الأمة الإسلامية وهمومها وسبب لازدهار حياتها وارتباطها بعقيدتها. أحرصوا على وحدة الأمة وجنبوها كل بلاء وشر وأحرصوا على موارد الأمة تنمية وإصلاحاً وعدم الصرف فيما لا ينفع.

ونبه قادة العالم إلى أن البشرية لن ينجيها من شقائها ولن يتحقق لها أمنها وحضارتها إلا عضد الدين الذي اختاره الله {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}.

كما دعا إلى المحافظة على الضرورات الخمس التي جاءت بها الشرائع السماوية (الدين والمال والعرض والنفس والعقل) والمحافظة الله عليها وعلى الحقوق ومنع الظلم والاهتمام بمكارم الأخلاق وحماية الأسر من التفكك والضياع.

وأكد أن العالم لا ينعم بالأمن في ظل ازدواج المعايير وتجييش الشعوب والحكومات واستحلال البلاد.

وقال (إن المحافظة على الأمن لا يكون بالاستبداد والتلويح بأسلحة الدمار واستحلال البلاد وإصدار قرارات جائرة وفرض الحصار والخناق والإذلال والحرمان الذي لا يؤدي إلى نتيجة ولا يرفع الظلم بل يزيد الأمر سواء ويزيد البلاد بلاء).

وخاطب سماحته حكام العالم فقال (إن الله سبحانه وتعالى بين أن الظلم سبب لسقوط الحضارات ودمار الأمم).. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله ليمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته). إن العالم اليوم يشكو من الظلم ونقص الموارد فهيا بنا نحمى المجتمعات من هذه الأخطار.

وأوصى الفلسطينيين بتقوى الله واجتماع الكلمة والنظر في واقعهم والرحمة بالنساء الرمل والأيتام والمسنين.

وقال (ارحموا بلادكم وشعوبكم عودوا إلى رشدكم يا معشر المسلمين اتحدوا فيما بينكم واحذروا مكائد الأعداء لا تكن قضيتكم تجارة بعضكم لبعض كونوا يداً واحدة لتحققوا مصالحكم. كفى ما حصل من قتل وتشريد وبلاء نسأل الله لكم السلامة والعافية).

وتطرق سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ إلى ما يحدث في الصومال والباكستان وأفغانستان.

ووجه سؤالاً إلى الصوماليين المسلمين عن التمزق والاختلاف الذي يمزق الصومال وقال سماحته (ألا يوجد فيكم رجل رشيد .. دمرتم بلادكم ومزقتم شملكم فاتقوا الله في أنفسكم..).

وفيما يتصل بالباكستان وأفغانستان قال مفتي عام المملكة (يا إخواني في باكستان وأفغانستان وغيرهم من دول الإسلام ليحرص المسلمون على حماية دينهم وأوطانهم واجتماع الكلمة ومانع كل ضرر يلحق بالأمة الأذى).

وخاطب حجاج بيت الله الحرام فقال (إن الوصول إلى هذه البلاد المقدسة كان صعب المنال، والحج كان من أشق العبادات حتى هيأ الله بفضله وكرمه في هذه الأزمنة المتأخرة الملك عبدالعزيز مؤسس هذه الدولة فوفقه الله ووحد البلاد بعد تمزقها وجمع الله به القلوب بعد تفرقها وأمن البلاد بعد خوفها وأقام الشريعة والعدل وحفظ الحقوق والسعي في راحة الحجاج وتسهيل مهمتهم ثم قام بعده أبناؤه البررة من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله وأعانه في سبيل راحة الحجاج وخدمتهم بذلوا الغالي والنفيس من توسعة المشاعر وتمهيد الطرق ومياه عذبة سهلة وخدمات صحية راقيه وأجواء آمنة مطمئنة).

ودعا سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الله تعالى التوفيق والسداد والأجر والمثوبة للقائمين على خدمة الحجيج في الجوانب الأمنية والصحية والتنظيمية والجوانب الأخرى المعنية على أداء المناسك بيسر وطمأنينة.

وأوصى الحجاج بأداء المناسك وفق هدى النبوة وحثهم على الالتزام بالأنظمة التي وضعت لراحتهم وخدمتهم وتنسيق تحركهم في المشاعر وقال (إن الله فرض الحج على أمة الإسلام في العمر مرة واحدة فإن قام بها برئت ذمته).

مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة وسماها العلماء حجة الوداع وجاء عليه أفضل الصلاة والتسليم يوم عرفة فنزل بنمرة ثم خطب بهذا الوادي خطبته العظيمة المشهورة التي هدم فيها قواعد الشرك وأقام بها قواعد الدين وأوصى الأمة بكتاب الله والاعتصام به.

وأضاف سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (وقف صلى الله عليه وسلم بعرفة وصلى بعرنة الظهر والعصر جمعا وقصرا ثم أتى موقف عرفة فوقف به راكبا متجها القبلة رافعا يديه حتى غربت الشمس يدعو ربه ويتضرع بين يديه، وقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لهم، وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، وقال، الحج عرفة من جاء عرفة فقد أدرك، وهو صلى الله عليه وسلم وقف يدعو حتى غربت الشمس وفي هذا اليوم أنزل الله عليه{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.

واستطرد سماحته قائلاً: (وحتى غربت الشمس واستحكم غروبها نزل الهادي الأمين إلى مزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا وبات بها ورخص للضعفاء بالدفع من مزدلفة بعد نصف الليل) موجها سماحته الحجاج إلى الوقوف بعرفة إلى الغروب والوقوف بمزدلفة معظم الليل وإذا صلوا بها الفجر فهو أولى لهم ثم ينصرفوا بعد مزدلفة إلى منى لرمي جمرة العقبة ثم يحلقوا رؤوسهم ثم ينطوفوا بالبيت لطواف الحج وأن يسعوا إذا كانوا متمتعين أو قارنين ثم يرموا الجمار ويبيتوا في منى.

وواصل سماحته توجيهه الحجاج بإيضاحه لهم أن رمي الجمار في اليوم الحادي عشر والثاني عشر إن تعجلوا بعد الزوال ثم في الثالث عشر كذلك ثم يودعوا البيت وقد تم حجهم بإذن الله. وبين سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ لحجاج بيت الله الحرام علو مكانة وفضل يوم عرفة قائلاً: (يوم عرفة من خير أيام الله مستدلا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ما من يوم يعتق الله به عبيدا من النار مثل يوم عرفة).

وحث الحاج على الحرص بأن يكون حجه حجا مبرورا وأن لا يشوبه شائبة حتى يكون بعد الحج خيرا منه قبل الحج ويزيد من الأعمال الصالحة ويبتعد عن الأعمال السيئة ويحقق صحيفة إعماله لتكون بيضاء نقية بطاعة الله وأن يحافظ على الصلوات الخمس وأن يبتعد عن المحرمات وعن ظلم العباد وأن يكثر من ذكر الله في هذا اليوم المبارك والاستغفار.

وأهاب بجميع الحجاج تذكر الموقف أمام الله تعالى في ذلك اليوم العظيم يوم أن يقوم الجميع من قبورهم شاخصة أبصارهم وعارية أجسادهم وحافية أقدامهم في ذلك اليوم العظيم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين في يوم مقداره خمسين ألف سنة وتدنو الشمس من العباد فيكون العرق بقدر أعمالهم وأن يتذكروا ذلك اليوم الذي تفرق فيه الكتب فمنهم آخذ كتابه بيمينه وآخر آخذ كتابه بشماله وأن يتذكروا السراط الموضوع على جهنم الذي يسلكه الناس على قدر أعمالهم فأشد الناس عبورا له من كان في الدنيا قد أكثر من طاعة الله.

ودعا الحجاج والمسلمين إلى تذكر يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا وأن يتذكروا يوم يقال لأهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت.

وسأل سماحته في ختام خطبته الله عز وجل أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا وصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية لكل خير وأن يبارك فيهم، على ما عملوه وبذلوه واجتهدوا به وأن ينصر بهم الإسلام والمسلمين.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد