عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي بالسعودية صدر العدد التاسع عشر من مجلة دارين؛ الفصلية الثقافية (ديسمبر 2008). وقد جاء العدد يحمل بصمة الفنانة ريم البيّات من حيث الغلاف والرسوم الداخلية. وتوزّعت مواد العدد بين النقد والشعر والسرد والتشكيل والترجمة، بالإضافة إلى الحوار وكتابة الأسفار. في افتتاحية العدد يكتب محمد الدميني، مدير التحرير، عن غياب ثلاثة من رموز الكتابة العربية على مشارف السبعين (محمود درويش) والمحلية (عبدالله جفري وجبر جمعة).
في باب النقد نقرأ لعلي شدوي (المقدمات التاريخية للحداثة في المملكة العربية السعودية) وقد اختار الكاتب نموذجه من المجتمع الحجازي بين عامي 1924 و1953 وقد توصل إلى أن الحرية في هذه التجربة التاريخية في الحجاز كانت مرتبطة بالإصلاح الاجتماعي والثقافي والتربوي.. ويكتب فيصل الجهني مقاربة للرواية السعودية وفيها يرجع تدني هذه الرواية إلى قصر ومحدودية الرؤية للعوالم الروائية خاصة، والحياة الإنسانية عامة بمظاهرها المتنوعة؛ والفقر الفني المعرفي الذي ينتج أعمالا حكائية غاية في البساطة على مستوى الصياغة والتقنية، ويرى أن معظم إصدارات الرواية الاجتماعية السعودية تحولت إلى مجرد بوح فضائحي لا يمت للأدب الروائي بصلة.. ويتوقف علي الدميني في مقاله (بهاء الهزائم في قصيدة (حديث الشتاء لغازي القصيبي) عند هذه القصيدة المفعمة بشفافيتها وكثافتها التعبيرية الساطعة، تختزل سيرة عمر طويل وخصب.. ويقارب الدكتور محمد عبدالرحمن يونس (أهمية الأسطورة شعرا وفكراً) حيث تشكل الأسطورة نظاماً خاصا في بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر، وقد يبدو هذا النظام عصيا على الضبط والتحديد وذلك لضبابية الرؤية المراد طرحها في النص الشعري ولكثافة الأسطورة نفسها غموضاً وتداخلاً مع حقول معرفية أخرى.. كما تعرض الشاعرة هدى الدغفق في مقالها (الكتابة على شاشة محو أثر كاتبها) تجربتها مع الورق والكتابة إذ تقول كنت وأنا أكتب على الورقة أخترع معادلة هندسية خاصة لكل كتابة أو نص تؤسس قاعدته ورموزه الحسابية المخيلة الإبداعية ولحظة الإلهام، وتؤكد أن الكتابة الإلكترونية مهمة عسكرية شاقة تشبه مهمة التجنيد ووظيفة عسيرة على ذات المبدع وهو يمارسها حفاظا على أفكاره ومؤلفاته.
وفي السرد والشعر نقرأ في هذا العدد: الحنين الذي يلمع في عتمة كل كلمة لحمد الفقيه، دلّني صوتي عليك لعلي الحازمي، عشب أيديهم الخشنة يابس من التعب لمعتز طوبر، أول الأبجدية لشفيق العبادي، ملحمة تذكارات المغني الضرير لأحمد الواصل، في جفن الشمس تظلين لمجبل المالكي، رثاء لجبير المليحان، مدينة الألعاب لعبدالله الدحيلان، إنسان يفكر في الأمر لضيف فهد، يدان لهناء حجازي، طقس أزلي لعبدالله الوصالي، وقصص قصيرة جدا من توقيع: هيام المفلح، تركي الرويتي، عبدالله علي المطمي.
ومن الترجمات في هذا العدد: مقابلة مع الروائي الفرنسي لوكليزيو الذي حصد جائزة نوبل لهذا العام وقد أجراها معه ترثانكر تشاندا (ترجمة د. مبارك الخالدي).. وكذلك نقرأ حوارا مطولا مع المخرج السينمائي الراحل فلليني والذي يفضي إلى تحقيق فهم أعمق لمحركات ومصادر ودوافع الإبداع عند واحد من أهم السينمائيين في العالم (ترجمة أمين صالح).. ونقرأ لنيتشه الحقيقة والزيف وعلاقتهما بالأخلاق (ترجمة د. طارق النعمان).. وهناك دراسة نقدية لجون ماكسويل كويتزي حول رواية (نصف حياة ل في. إس. نايبول (ترجمة كميل الحرز).. ومن الشعر الفرنسي يترجم أحمد عتمان قصائد لأندريه فيلتر.. ومن الأدب الياباني نقرأ قصة (طبق طائر في كوشيرو) لهارووكي موراكامي (ترجمة عبدالوهاب أبوزيد).
ويكتب محمود تراوري عن مدينته مكة المكرمة (أتعقّبها كامنا في غباري) متوقفا عند فصل من جماليات الزمن القديم في الحارة القديمة، حين كانت الكُنى والألقاب تتناثر بكثرة كما الشوق وتشتبك بوجد مع أسماء الناس، معبرة عن حركة اجتماعية حية صخّابة ومنتجة. وحيث توزيع الألقاب والاختباء خلف كنية أو لقب مستعار كان جزءاً محبباً من تقاليد الحارة وطقسها الاجتماعي الحميم.
ويضم العدد حوارا مع الناقدة الدكتورة فاطمة الوهيبي، أجراه عبدالوهاب أبوزيد، الذي تنفي فيه ما يقال إن ثمة ظلما وقع عليها لأنها دخلت مجالا يكاد يكون محصورا على الذكور: لقد حظيت بمتابعة واهتمام زملائي وأساتذتي، وحظيت كتبي كلها بتقدير من المؤسسة التي أنتمي إليها ومن عدد من المؤسسات الأخرى؛ فكتابي الأول (نقد النثر في القرنين الرابع والخامس الهجريين) وهو رسالتي للماجستير رُشح لجائزة الملك فيصل العالمية، وكتابي (نظرية المعنى عند حازم القرطاجني) مرشح حالياً من أكثر من جهة لجائزة عربية كبرى، وكتاب (المكان والجسد والقصيدة) فاز بجائزة باشراحيل للإبداع الثقافي، وكتاب (دراسات في الشعر السعودي) فاز بجائزة نادي الرياض الأدبي للدراسات النقدية الخاصة بالأدب السعودي، وكتابي الأخير (الظل: أساطيره وامتداداته المعرفية والإبداعية) مرشح لجائزة عربية كبرى. كل ذلك يعني بوضوح أن هذا النتاج العلمي يحظى بتقدير واضح من قبل المؤسسات والأكاديميين والمثقفين فأين الظلم إذاً؟ أما إذا كنت تعني اللمعان تحت أضواء الصحافة وقنوات الإعلام فمعك حق، إلا أني أنا المسؤولة عن هذا؛ أنا لا أهتم بأن أكون تحت الضوء.
ملف التشكيل في هذا العدد يكتبه فيصل الخديدي عن أعمال الفنان فهد القثامي وتجربته التي تحفر في الزمن وتؤنسن المسامير. ويعرض في هذا المقال إيجازا سيريّا عن بدايات وتشكل الفنان القثامي بمدينته الطائف وتطور تجربته وبراعته في استخدام الخامات فبين أكوان الركام يتلمس الفنان الجمال، ومن توليفته التي مازج فيها بين الخشب والمعدن ترتسم علاقة الحياة بالخلود التي تنشدها شخوصه بنظرات يعتريها شيء من الشحوب وكثير من الأمل.
في باب أسفار يكتب يوسف المحيميد (أمشي في نيويورك مأخوذاً بالفوضى) وفيه يعرض جزءا من يوميات رحلته الأخيرة إلى مدينة نيويورك والتي سيضمنها في كتاب يصدر قريباً بعنوان (حجر أحمر).
وتستعرض المجلة عدداً من الكتب الصادرة مؤخراً، يكتب الدكتور عبدالرحمن الطلحي عن مجموعة (دماء الفيروز) للقاص طلق المرزوقي، وأحمد سماحة عن قصص (ظل البيت) لصالح الأشقر، وعلي دهيني عن (رياح وأجراس) لفهد الخليوي.
وفي الصفحات الأخيرة من العدد يقرأ عبدالله السفر أعمال الفنانة ريم البيّات ويكتب عن هاجس البناء والتشكيل الذي يمكنها من تحرير اللقطة وتصعيدها إلى لوحة فنية صنعتها روح فنانة لها القسط الأوفى من الإبداع تسخر الكاميرا والتقنية، توظيفاً لرؤية تعتمل تحت السطح في ماء الأحلام، ثم تمثل بازغة في مزيج من الأمشاج الغارقة في ضباب اللون وارتعاشه بما يشبه (ظلال الصخب) تنحل فيها الملامح والوجوه وأجزاء البدن ونثار الأشياء، ما يتبقى مغموسا في السكينة يقول بأن شيئاً مرَّ من هنا وثمة حاجات تركها الصاخبون، تنبئ عن نقصان، وتشي بتوق هائم يفر من صورة إلى صورة حيث لا مُستقر إلا هذه الحركة الجوابة تبتلع العين.. ويصافح القارئ دليل الفعاليات الثقافية التي أقامها نادي المنطقة الشرقية الأدبي خلال الفترة الأخيرة من العام الهجري.