Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/12/2008 G Issue 13225
السبت 15 ذو الحجة 1429   العدد  13225
قصص واقعية من حياتنا اليومية:
يا مشعر الأقوياء ...( رفقاً بالقوارير)

قالها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما بدأ بلال بن رباح بالحداء. ولما عُرف عنه من حلاوة الصوت، قال صلى الله عليه وسلم مقولته المشهورة (رفقاً بالقوارير) فشبّه عليه السلام النساء بالقوارير لرقتها وشفافيتها وسهولة عطبها.

صدق الله العظيم.. {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). وصدق في قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ولكم في رسول الله أسوة حسنة.

عرفت المرأة، منذ الأزل بحبها للجمال ولم ولن تألو جهداً عبر العصور لإظهار جمالها. وهذا أمر غريزي في كل أنثى، فكم رأينا طفلة صغيرة تعبث بزينة أمها وترتدي حليّها، وكم من فتاة تقضي الأوقات الطويلة تسأل مرآتها... كم أنا جميلة!!.

تحب المرأة الإطراء.. والتغني بجمالها مهما كان حظها منه.. فلا يوجد امرأة ليست جميلة، كلهن حباها الله بشيء من الجمال علمت موضعه أم لم تعلمه!! ثم يأتي دور المرأة في إظهار جمالها بذكاء مع مراعاة الضوابط الشرعية.

السؤال هو.. لمن تتزين المرأة المسلمة؟

وممن تحب أن تسمع الإطراء؟

هل يكفيها المديح من أختها أو جارتها؟

هل ستسعدها كلمة إطراء من زميلتها في العمل؟

لمن ترتدي المرأة أجمل حليّها؟ لمن تعاني ما تعانيه من الجمال والتجمل لمن تنفق مالها ووقتها في أدوات الزينة!!

- لك أنت أيها القوي.

- لك أنت أيها الحبيب.

- لك أنت أيها الزوج.

تريد إسعادك وإبهاج ناظريك، تريد حبك وولاءك.

قد لا تعرف أيها القوي كم أن كلمة بسيطة قد لا تلقي لها بالاً قد تدمي قلب شريكة حياتك وتجعلها فريسة سهلة لصانعي ومتصنعي الجمال...!

مشهد درامي يتكرر أمامي بشكل شبه يومي.

- تجلس أمامي سيدة جميلة ولطيفة، أم لأطفال تعاني من مشكلة ندبات حب الشباب بدرجة متوسطة.

أسألها:

* منذ متى؟

- منذ فترة المراهقة.

* هل عالجتها من قبل؟

- لا تهمني لم تزعجني قبل ذلك.

* وماذا ذكرك بها الآن؟

- أريد أن أعالجها مللت منها يا دكتورة.

تفهمت شكواها الطبية وتجاهلت النظرة الحزينة المنكسرة في عينيها والتي لم أفهمها وقتها.. وبدأت باستعراض مهارتي في هذا المجال فمن الكريمات إلى الجراحة الجلدية إلى التقنيات الحديثة من الليزر بأنواعه.

أدهشني كم كان تحمسها يدفعها للقبول ببعض الإجراءات الجراحية الجلدية دون معرفة التفاصيل.. ولا حتى الأسعار..

لكن قلت متحمسة.. ومتفائلة.. لا بأس!!.

ذهبت بعد أن أصرّت بأن تحصل على موعد باكر جداً وفي أقرب فرصة لأن زوجها مسافر!!

لا بأس... لا تريد أن تلقاه بوجه مزرق ومتورم.. أتفهم ذلك.

تمت الجلسة الأولى وعمل فيها أكثر من إجراء جراحي في نفس الوقت لتحسين شكل الندبات ولتحسين الوجه ككل وتكبدت ما الله به عليم من تكاليف مادية ومعاناة معنوية.

وبفضل الله تكون نتائجها مرضية لدرجة أنها اكتفت بجلسة واحدة من أصل ثلاث جلسات. كانت فرحتي أكبر من فرحتها بالنتائج.. واعتقدت (أني جبت راس غليص) وبالرغم من ذلك ما زالت نظرة الحزن وعدم الثقة بالنفس في عينيها وهي تسألني... دكتورة هل شكلي مقبول بعد إجراء الجراحة. وكانت إجابتي صادقة.. أنت جميلة قبل إجراء الجراحة وبعد إجراء الجراحة.. ولم يتغير سوى بضع مليمترات من سطح الجلد ومحيط الوجه.

خرجت من عيادتي وهي سعيدة وأنا أسعد... ولم أحاول أن أفكّر في نظرة الحزن والانكسار في عينيها..

تمر الشهور.. وتعود للعيادة، ظننت في البداية أنها ستكمل الجلسات لكني فوجئت بها بشكوى جديدة تماماً.

لون جسمي كامل... لا يعجبني يا دكتورة! أبغى تبييض كامل وإزالة لون! هذه المرة. كانت نظرة الحزن أوضح ومشوبه باليأس.. كنت أقاوم حدسي كامرأة... وتماسكت وأجبتها كطبيبة: لون جلدك طبيعي وجميل ولا يحتاج إلى معالجات طبية ولا أستطيع مساعدتك...

لم أُنهِ جملتي حتى زرفت الدموع وقالت يا دكتورة تعرفين الرجال....!!

زوجي لا يعجبه جسمي ولا لون جلدي.

أجبتها وأنا أحاول إخفاء أحاسيسي حولها.

* هل قال لك ذلك؟

-لا.. ليس مباشرة ولكن يلمح بجمال بشرة الممثلة فلانة.. ويثني على قوام المطربة علانة ولم أسمع منه كلمة إطراء واحدة منذ عرفته. وأنا أعمل كذا وكذا له.. وأحاول أن أرضيه بكل طريقة...!!!

لن أكمل الحديث....!!.. وسأترك لكم إسداء الرأي....

أيها القوي.. الذي قد لا يعرف مدى قوته وما يمكن أن تعمره أو تدمره.

كلمة بسيطة منك أو نظرة إعجاب (ولو مجاملة) لشريكة حياتك التي اخترتها في يوما ما.. في عز صباها وبهاها.

تريد منك الإحساس بأنها جميلة كما كانت ذات ليلة.

تريدها اليوم والغد... تريدها بعد عقد بل بعد دهر.

بعد أن تركت حضن والديها وتركت مرآتها الصغيرة صارت مرآتها في عينيك. لا تقبل الإطراء إلا من شفتيك وأمانها بلمسة رضا من كفيك، لن تعرف أنها جميلة إلا إذا أطريت.. أو أنها أحسنت الأداء إلا إذا أثنيت، أو أنها أتمت أداء عملها إلا إذا تبسمت ورضيت.

جبل الله المرأة على هذا الطبع وزرع بها الإحساس والرغبة في التودد والتلطف والتجمل لشريك حياتها يستوي في ذلك كل نساء البرية.. مهما اختلفت أجناسهن وأعراقهن وخلفياتهن الحضارية والدينية والاجتماعية.

ومقابل هذه التركيبة النفسية للمرأة جبل الله الرجل على الرحمة... تجاه المرأة. فلا أروع ولا أدق من وصف هذه العلاقة من قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) كلمتان مودة.... ورحمة.. تجمع كل ما سطرته كتب علم النفس والاجتماع وعلم استقراء الشعوب والنظريات التي درست العلاقات الإنسانية.. وعلاقة الرجل بالمرأة.

فقط مودة.... ورحمة. هي توده وهو يرحمها، ويدرج تحت هاتين الكلمتين كل ما تحتمله.. وهو كثير.... فتتودد المرأة لشريكها بالقول والعمل ومن صور التودد التجمل والتزين للشريك.

وأنت أيها القوي ارحمها بالقول والعمل ومن صور رحمتك لها أن تشعرها أنها أنثى وجميلة في نظرك مهما كان حظها من الجمال.. فإن قلّ فاحمد الله وانظر إلى ماذا عوضها الله به.. وأنت به أول العالمين. وإن كثر... فاحمد الله واسأل الله لها من حسن الخُلق مع حسن الخَلق.

يا معشر الأقوياء.. لا أدّعي المعرفة النفسية أو الحصافة الاجتماعية لكني أتكلم بصوت المرأة والطبيبة. هذه المعاناة من النساء تمر عليّ في العيادة بشكل يومي.. مع اختلاف مفردات الحوار.

عزيزي القويّ... لا تجعل شريكة حياتك كمن يركض في حلقة مفرغة بحثاً عن الجمال... والحل بل كل الحلول لديك.

فقط (رفقاً بالقوارير).

د. فاطمة الشهري
استشارية أمراض طب وجراحة الجلد والليزر



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد