سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
اطلعت على مقال نشر في صحيفتكم الغراء يوم الأربعاء المواقف 12-12-1429هـ موضوعه (حق اليتيم على المجتمع). والأيتام فئة من الضعفاء في المجتمع، وهم بحاجة إلى الرحمة لأنهم عاشوا حياة البؤس والحرمان، وفقدوا مشاعر العطف والحنان، ففارقت الابتسامة وجوههم، وأحاطت بهم ظروف الحياة المتنوعة، والمتقلبة في أطوارها. ولقد اهتم الإسلام باليتيم، وأمر بالرحمة والرفق به، والشفقة عليه، ونهى عن قهره، وكسر نفسه، والاعتداء على أمواله، وممتلكاته.
وجاء الوحيان الكتاب والسنة مملوءين بالنصوص والشواهد الكثيرة التي تشير إلى رعاية الأيتام، والاهتمام بهم, تميز الإٍسلام دون غيره من النظم والشرائع بهذه الرعاية والتربية لحماية الأيتام فقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. ونهى الله عن قهر اليتيم فقال تعالى: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}، كي لا يشعر بالنقص والدونية عن غيره من أفراد المجتمع فينعكس أثر ذلك على أخلاقه وسلوكه وتوعد الله الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، كما أكد الرسول عليه الصلاة والسلام (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما.
ولذلك فإن الإسلام قدم هذه الفئة إلى المجتمع في أحسن صورة إنسانية تمثلت في صورة التكافل الاجتماعي والدمج في المجتمع للترويح عن النفس، والخروج من الغربة والوحدة التي يشعر بها هؤلاء اليتامى داخل المجتمع، ولم يقدمهم على أنهم ضحايا القدر كما هو شائع في المجتمعات الأخرى، ويظن كثير من الناس أن كفالة اليتيم تعني فقط النفقة عليه، وهذا فهم قاصر بالرغم من عظم ثواب النفقة إلا أن مفهوم الكفالة أوسع من ذلك، فهو صورة تسمو على كل الارتباطات المادية والدنيوية، إذ جاءت نظرة الإسلام إلى مجتمع اليتامى نظرة إيجابية شع فيها عنصر الإيمان وحافز الثواب، فهم في المجتمع الإسلامي ليسوا عالة على المجتمع ولا عبئاً على أفراده، وإنما هم في الشرع حسنات من ينالها يفوز بجوار الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ومرافقته يوم القيامة في الجنة.
وإن الكثير من الاضطرابات النفسية التي تسيطر على نفوس بعض الأيتام لا علاقة لها باليتم، بل هي من صناعة المجتمع الذي يهمل أيتامه، ولهذا فإن القرآن الكريم لم يخاطب اليتيم فيما حصل له لأن اليتم قدر من الله، وإنما الصرف بخطابه إلى المجتمع مباشرة يحمله عاقبة التفريط في فئة من أبنائه، واضعاً بذلك أسس المعاملات التي تحمي اليتيم من كل أشكال الظلم الاجتماعي والقهر النفسي، فمن الظلم الاجتماعي أن يحرم هؤلاء مرتين، مرة من حنان الأمومة وعطف الأبوة، وأخرى من رحمة المجتمع ورعايته مع علمنا بوجود أنفس رحيمة، وقلوب عطوفة في مجتمعنا تتلهف كلها لخدمة اليتيم. فالخير باق في الناس إلى يوم القيامة.
عبدالعزيز السلامة - أوثال