أظهرت جريدة الجزيرة في صفحتها الأخيرة في العدد (13175) بتاريخ 25- 10-1429هـ صورة لمجموعة من الأطفال الماليزيين وهم مجتمعون في إحدى مدارس كوالالمبور احتفالاً بيوم القراءة، ولقد عكست تلك الصورة جزءاً من الجهود التي يقوم بها الماليزيون في سبيل تثقيف أبنائهم من خلال نشر ثقافة القراءة بين طلاب وطالبات المدارس والجامعات.
إنه لا نهضة لأي أمة دون توجه قوي نحو القراءة، ومن هنا فإن الدول المتقدمة والتي تحاول اللحاق بركبها تقوم بجهود جبارة في نشر ثقافة القراءة؛ وذلك لإيمانهم التام بأن القراءة هي سبيل المعرفة والتقدم ومنافسة بقية الأمم. إن دولة ماليزيا لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد تخطيط علمي مدروس هَدَف إلى تثقيف الصغار من خلال مشروعات قرائية متعددة في طول البلاد وعرضها، حيث ذكر السفير الماليزي في المملكة قبل سنوات - في إحدى المحاضرات في مكتبة الملك عبد العزيز العامة - أنه شارك في إنشاء أندية قرائية ومكتبات متنقلة في ماليزيا شجعت المشاركين من خلال منحهم الجوائز والكتب والقصص.
إن مما يؤسف له أن كثيراً من الأسر السعودية تعاني من ضعف توجه أفرادها نحو القراءة، وخاصة في الطبقات قليلة التعليم والثقافة وإن كانت المشكلة مشتركة بين جميع فئات المجتمع. ويعود ذلك - كما تشير كثير من الدراسات العلمية - إلى عدة أسباب أبرزها قلة وعي الوالدين بأهمية القراءة وفوائدها العديدة على الطفل والمراهق. كما يعود الأمر إلى أن كثيراً من الأهل لم يكونوا قارئين في طفولتهم وشبابهم؛ ما ساهم في قلة توجيههم لأبنائهم وبناتهم في ممارسة القراءة الحرة، بالإضافة إلى قلة توافر الكتاب وتداوله بشكل يومي بين أيدي الأطفال والأهالي، حيث لا وجود للمكتبات العامة في الأحياء والمجتمعات التجارية!
وعلى الرغم من هذا كله، فإنه لا بد من السعي - بمشاركة أفراد المجتمع كافة - لرفع مستوى الوعي بأهمية القراءة وإعادة إدخال هذه العادة الجميلة إلى سلوكيات المجتمع. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تثقيف الأسرة ورفع الوعي لدى الوالدين في تنشئة أبنائهم وبناتهم على حب القراءة والتعود عليها، سعياً لجعل القراءة ثقافة تسري وتنتشر بين الأطفال من البنين والبنات. ويتطلب ذلك توفير الكتب المشوقة والماتعة بين أيدي القراء الصغار، وذلك من خلال عمل برامج توعوية وتثقيفية في محافظات وقرى مملكتنا الغالية، يشارك في دعمها الوزارات المعنية والمكتبات العامة والأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية، بالإضافة إلى شركات ومؤسسات القطاع الخاص؛ وذلك سعياً إلى وجود أسرة تقرأ وتبني مجتمعاً واعياً حضارياً.
إن هذا البرنامج التثقيفي يمكن أن ينطلق من استراتيجية تسعى إلى توعية وتدريب الأهالي على القراءة لأبنائهم مع تقديم نواة لمكتبة منزلية لهم، وذلك من خلال تقديم دورة تدريبية قصيرة موجهة للآباء والأمهات تدور حول الفوائد العظيمة للقراءة على بناء شخصية الطفل وتربيته وتحصينه وزرع الأمل لديه ليكون عضواً فاعلاً ومتميزاً في المجتمع. وبعد حضور الأهل للدورة يتم تسليمهم حقيبة تحتوي على مجموعة متنوعة من الكتب الموجهة للأسرة؛ لأن حصول الأهالي على هذه المكتبة سيكون حافزاً عظيماً لهم في ممارسة القراءة مع أطفالهم.
وأخيراً، فإنه لا بد من تكاتف الجميع للعمل على إيجاد جيل قارئ واعٍ، وبالتالي يجب التركيز على المدن الصغيرة لحاجة أفرادها إلى التثقيف والتوعية في هذا الجانب.
د. فهد بن علي العليان
alelayan@yahoo.com