Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/12/2008 G Issue 13233
الأحد 23 ذو الحجة 1429   العدد  13233
ثقافة التعبير بالحذاء
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

ثقافة .. التعبير عن الرأي أو المشاعر باستخدام الحذاء، أو التلويح باستخدامه، ثقافة معروفة وثقت استخدامات البعض منها وهي قلة، فيما يتسحيل توثيقها بشكل كلي وشامل.

في العصر الحديث بدأ بها رئيس الوزراء السوفيتي نيكيتا خروتشوف وأعاد عرضها الإعلامي العراقي منتظر الزيدي.

لذا من الطبيعي أن يختلف الإعلاميون العرب في وجهات أنظارهم ومشاعرهم وتحليلاتهم حول حادثة حذاء مراسل قناة البغدادية العراقية الشهيرة التي كانت وسيلة من وسائل التعبير المباشر عن مشاعر غضب واستياء إعلامي عراقي كان من المفترض أن يراعي ولو على الأقل آداب المهنة الإعلامية، لكن على ما يبدو أن كان لصبره حدود وأيضاً لمشاعره وخلقه حدود أقل.

الغضب العربي والإسلامي والعراقي على سياسات الرئيس الأمريكي جورج بوش الخارجية لا يمكن أن يصفه قلم ناهيك عن أن يعبر عنه لسان إنسان تعرض لسلبيات لا تحصى لتلك السياسات. بيد أن وسيلة التعبير وطريقته كان من المفترض أن تراعي حقائق الواقع العربي والإسلامي في عرين العلاقات الدولية من جهة، ومن الجهة الأخرى كان لابد لذلك الغضب العربي أن يصب جامه على كل من تسبب في وقوع فتنة القرن العشرين وانتشارها. بمعنى أدق ومباشر تحديدا على رأس تنظيم القاعدة وزعاماته التي تمادت منذ 11 سبتمبر في ارتكاب أعمال العنف والإرهاب في العالم كله.

صحيح أن ردود الفعل العربية تجاه حادثة حذاء منتظر الزيدي العراقي تخطت حدود الابتهاج والفرح والتشفي والفخر، وصحيح أن الحدث استخدم كمادة صحفية دسمة لإشباع نهم القراء العرب، لكن الحذاء لم يصب هدفه المباشر، بل أصاب أهدافا عدة على كافة المستويات بداية من إحراج حكومة دولته، مروراً بتعزيز صورة سلبية التصقت بوعي شعوب العالم كلها عن وسائل التعبير العربية عن الغضب، ونهاية بما سيترتب على تلك الحادثة التاريخية من معوقات وعقبات لوسائل الإعلام العربية وممثليها.

التراشق بالأحذية إبان الخلافات والصراعات الإنسانية ليس بحدث جديد ولا وسيلة جديدة للتعبير عن المشاعر أو لإلحاق الضرر بمن تستهدفهم الأحذية، فهو وإن أعطى صاحبه انطباعاً جيداً وإشباعا نفسيا جيدا حين استخدامه بالفعل أو التهدد باستخدامه، إلا أنه يعطي انطباعاً سلبياً سيئاً لمن يستخدمه أو لمن يلوح باستخدامه ينضوي في إطار صورة همجية لا إنسانية وغير حضارية على الإطلاق.

تصرف الإعلامي العراقي كان تصرفاً خاطئاً مغايراً للأخلاق الإنسانية أيا كانت تلك الأخلاق ولأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، ليس وحسب لأنه يتنافى مع مقومات الحضارة الإنسانية المتمدنة، ولكن لكونه يتناقض تماماً مع الثقافة الدينية الإسلامية ومع السياسية الإسلامية المتمدنة التي كان من المفترض أن يتحلى بها ذلك الصحفي المقهور.

ترى هل ستغير ثقافة استخدامات الحذاء من الأمر والواقع العراقي؟ هل ستنهي الوجود الأمريكي في العراق؟ تلكم أسئلة قليلة من أسئلة كثيرة لا يمكن أن يوجد لها أجوبة شافية وكافية في ثقافة الحذاء واستخداماته.

الذي يمكن أن يفخر به صاحب الحذاء الإعلامي ومن يؤيدونه لن يقل عن إشباع للنهم، ولن يكثر على التعبير عن السخط بأي طريقة أو وسيلة كانت، رغما عن هذا وبموجب ذلك السلوك تأطرت حقائق، وثبتت حقائق أخرى، وأوجد مبرر جديد يضاف إلى المبررات التي تستخدم ضد العالم العربي والإسلامي. ديدن الحدث أنه سيبقى شاهداً جديداً على حقبة تاريخية عربية مؤلمة من حقب التاريخ العربي المؤلم الذي ما انفك يتوالى بإصرار على صدور شعوب العالم العربي.

لنحيي ذلك الإعلامي العراقي على شجاعته وجرأته وعصبيته وغضبه، بل وعلى صموده في أي مكان يقبع فيه اليوم وغداً. الذي قطعاً لا يمكن نفي حدوثه من حدث حذاء الإعلامي العراقي هو تأكيد النظرة العالمية السلبية تجاه العرب والمسلمين، بل وستعزز تلك الواقعة من تفاقم حدة القيود والمعوقات الأمنية على العالم العربي عامة وعلى كافة الإعلاميين العرب خاصة.



drwahid@email.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد