لا توجد شريحة تلقى النقد والتشكيك كما هو الحال برجالات السياسة فهم - كما يقال - أصحاب نظرية (الغاية تبرر الوسيلة)، وكذا يقال أنهم أنصار مقولة لا صديق دائم ولا عدو دائم إنما مصلحة دائمة، كل ما سبق قرأناه عن الساسة والسياسيين، ولست هنا بصدد الدفاع عنهم حيال هذه التهم أو العبارات التي يرى البعض أنه جزء مهم من المقرر الدراسي السياسي!

لكن دعني في عاصفة النقد الموجهة لهم (وإن كانوا لا يعبئون بها في أكثر الأحيان) وأقول إن كل سياسي ناجح هو باحث تاريخي بامتياز وهذه قاعدة دقيقة ليس لها أي استثناء أو خروج عن القاعدة أو شذوذ.

انظروا في أي سياسي يتحدث أو يكتب سواء كان يكتب في قضية سياسية أو يكتب مذكراته أو أي موضوع يناقشه تجد أنه مؤرخ وبامتياز فهو حين يتحدث في مشكلة بين بلدين أو ينتقد خصمه أول ما يشرع فيه هو الخلفية التاريخية لهذه القضية أو يذكر تاريخ خصمه وتاريخه وتاريخ أبائه وأجداده.

وتأملوا حين يتحدث أحد الشخصيات السياسية في موضوع يتعلق بالحكم أو التعامل مع الخصوم فإنه يستشهد بحوادث موغلة في القدم ويجعله مقدمة أو نتيجة لحاجة في نفسه أو موضوع يريد أن يثبته في عقول السامعين وأذهانهم.

الوثائق والخرائط والكتب والروايات الشفهية كلها حاضرة لدى السياسي وهي نفسها أدوات المؤرخ وكاتب التاريخ ألا تلاحظون ذلك.

لكن هل كل مؤرخ وباحث في التاريخ سياسي؟!

الجواب: لا، ولو كان المؤرخون يفهمون في السياسية أو الجانب السياسي لرأينا الكثير من الإشكالات الصغيرة بينهم قد حلت فضلاً عن القضايا الكبرى.

قد يكون المؤرخ وكاتب التاريخ أداة للسياسي أو بنك معلومات، هذا محتمل، ولا أقول مؤكداً ولو قال أحدهم إنه مؤكداً فلن اعترض عليه!!

ختاماً هذه علوم ومواقع اقتسمها الناس كما اقتسموا أرزاقهم وعقولهم وكل يبذل جهده لأن يرتقي في هذا السلم.