Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/01/2009 G Issue 13254
الأحد 14 محرم 1430   العدد  13254
من يحمي المسيحيين العرب؟ 2-2
أ.د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني

 

أما تجربة الاضطهاد الثالثة للمسيحيين العرب كما يراها مؤلف كتاب: (من يحمي المسيحيين العرب؟) الأستاذ فكتور سحاب فتتمثَّل في التجربة المعاصرة مع الاستعمار الغربي، ويقول المؤلف إن فكرة إيجاد وطن لليهود في فلسطين كانت في البدء اقتراحاً من نابليون بونابرت، ويستشهد على صحة قوله هذا بعدد من المؤرخين

العرب، منهم حسن الخولي، وعبد الوهاب الكيالي، وخيرية قاسمية، ولكن لماذا يذهب نابليون إلى هذه الفكرة؟ يقول المؤلف: (نابليون لا يمكن اتهامه بأنه قد يقترح إنشاء دولة لأسباب دينية.. ولعل إلحاق اقتراحه إنشاء دولة اليهود في فلسطين بجملة مساعيه الإستراتيجية للسيطرة على المشرق العربي قبل بريطانيا أكثر إقناعاً من محاولة إلحاقه بالدوافع الدينية.. ويرى المؤلف أن التنافس والتقاتل بين الغرب على المنطقة العربية جاء قبل المذابح الطائفية في جبل لبنان بأكثر من نصف قرن، وعليه فلا يمكن أن يكون الوجود الغربي جاء لحماية المسيحيين من الاضطهاد، بل إن الوجود الغربي هو الذي أشعل التقاتل الطائفي الذي ارتبطت أحداثه بالامتيازات الأوروبية، حتى أمكن أوروبا أن تدق في جدار هذا البيت العربي مسمار جحا، حين أوحت أنها إنما جاءت إلى المنطقة وفككت السلطة العثمانية وجزأت المنطقة الموروثة، كل ذلك من أجل حماية المسيحيين العرب، ويتساءل المؤلف: من يدفع الثمن ومن يقطف الثمار؟ المسيحيون العرب أم ساسة الغرب؟، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن القوى الغربية هي التي تستفيد وأن المسيحيين العرب هم الذين يدفعون الثمن عن طريق تنصيبهم وكلاء لحفظ مصالح الغرب، وأدوات لتحقيق أهدافه، ويقارن من ناحية أخرى بين هذا الوضع الذي تعرضوا فيه للاضطهاد وبين وضعهم في ظل الدولة الإسلامية، وينقل قول باحث مسيحي هو الدكتور أدمون رباط عن نظام أهل الذمة بالحرف: (من الممكن، وبدون مبالغة، القول بأن الفكرة التي أدت إلى إنتاج هذه السياسة الإنسانية (الليبرالية) إذا جاز استعمال هذا الاصطلاح العصري، إنما كانت ابتكاراً عبقرياً، ذلك لأنه للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة هي دينية في مبدئها، ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها ألا وهو نشر الإسلام من طريق الجهاد بأشكاله المختلفة، من عسكرية ومثلية وتبشيرية، إلى الإقرار في الوقت ذاته بأن من حق الشعوب الخاضعة لسلطانهم أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وتراث حياتها، وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد فيه بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم) (ص26).

ويعلق المؤلف على ذلك بقوله: (لا شك في أن المسيحيين المخضرمين، الذين عاصروا الفتح الإسلامي، هم أكثر من لمس الأمر بوضوح، إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطدهم اضطهاداً وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لا يُشبَّه حتى بأعمال البهائم.. إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم).

ويُذكر أن عمرو بن العاص عندما فتح الإسكندرية للمرة الثانية بعد أن تمكن البيزنطيون من استردادها لبعض الوقت، خالف السنن الإسلامية فوزع من بيت المال على الأقباط أموالاً طائلة، لتعويضهم عن العقوبات التي أنزلتها بهم الحكومة البيزنطية لمعاونتهم العرب في فتح مصر (ص27).

ورغم ذلك فإن الكاتب لا ينكر أن بعض التجاوزات قد حدثت من بعض الحكام المسلمين على حقوق المسيحيين وبخاصة في جانب الإتاوات والجزية، ويستنتج في نهاية هذا الجزء من الحديث عن النصارى تحت حكم المسلمين أن (هذا يعني أن دولة الإسلام كانت حليفاً طبيعياً للنصارى العرب، ما داموا في صفها السياسي، لا في صف الدول العدوة.. ولا حاجة إذن بالمسيحيين العرب إلى الغرب، بل إن الغرب هو الذي توسل إلى مصالحه بحماية المسيحيين العرب، وجعلهم في كثير من الأحيان يدفعون من دمهم ثمن تحويلهم إلى ترس يختبىء من ورائه، حدث ذلك كلما كانت تقوم للغرب دولة في منطقتنا: الحقبة البيزنطية، والحقبة الصليبية والحقبة الحالية، فمن يحمي النصارى العرب من (الحماية الغربية) التي كانت وبالاً عليهم عبر العصور؟) ص (34 - 35).

ويواصل الباحث حديثه عن العلاقة بين الدولة والدين، وعن الإسلام الدين والإسلام الحضارة، ويقول بأن المسيحيين قد شاركوا في الإسلام الحضارة في مواقف وحقول كثيرة للمعرفة والعلم، كما شاركوهم لغتهم وأذواقهم ووجدانهم الاجتماعي، ويربط ذلك كله بالحالة في لبنان وما جرى ويجري فيه من صراع طائفي، ويصل إلى نتيجة يقول فيها: (وأثبت التاريخ للمسيحيين العرب أن الغرب يسوقهم إلى الهلاك، وأن التعريب أكثر مدعاة إلى اطمئنانهم إلى مصيرهم) ص51.

إن إشعال الفتن بين الطوائف والدول وتجزئة المنطقة وتفتيتها هي هدف وسياسة غربية قديمة، وقد أثبت ذلك المستشرق اليهودي المتصهين برنارد لويس في كتابه: (الشرق الأوسط والغرب) عندما قال كما نقل عنه المؤلف (إن التغريب في المنطقة العربية، أدى إلى تفكيكها وتجزئتها، وأن هذا التفكيك السياسي واكبه تفكيك اجتماعي وثقافي، والواقع أن إلحاق المنطقة العربية بالغرب لم يكن ممكناً إلا من طريق تفكيكها وتجزئتها، ولو أعطيت لأي سياسي في العالم، مسألة يسألونه فيها أن يسعى إلى إلحاق المنطقة العربية بالغرب، لما اختار غير الأسلوب الذي اختاره الغرب فعلاً، وهو تفكيك المنطقة بالفتن الطائفية، والتفتيت الاجتماعي والثقافي، وافتعال الخصومات والفروقات، وتوسيع مواطن الاختلاف والمبالغة في إبرازها، وليس من شك في أن من يسعى إلى هذا، يحزنه مشهد السلام بين الطوائف، ويسعده اندلاع التقاتل بينها، ولعل من يستبعد دور الغرب في إشعال فتيل هذا التقاتل، هو واحد من اثنين خادع أو مخدوع) (ص56).

هذا كلام مستشرق من أبرز المعادين للعروبة والإسلام، وليس كلام خبير عربي غيور على أمته ودينه وثقافته، إن هذا يفسر لنا التدخلات المختلفة في قضية لبنان خلال الثلاثين سنة الماضية، والتدخلات في العراق، وفي مصر، وفي السودان، وفي كثير من الأقطار العربية.. وما أورده الكاتب هنا من أن الإسلام في صورته المشرقة، ومن خلال تاريخه المطبق يحمي النصارى، ولو لم يكن الإسلام عادلاً مع تعامله مع رعاياه لما بقي نصارى في مصر والعراق والشام، ولتم محوهم كما مُحي الإسلام من الأندلس بعد ثمانية قرون من البقاء هناك، إن هذه الشهادة التي قدمها رجل مسيحي عن عدل الإسلام وإنصافه للنصارى الذين عاشوا تحت ظله، ومثل ذلك يُقال عن اليهود يُعتبر أكبر دليل على أن الإسلام دين سلام وحوار، وإخاء في الأوطان، ولقد جاءت كثير من الآيات في القرآن تؤيد هذا المعنى وتدعمه، قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.. وقال تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.. وقال في آية ثالثة: { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

ويجب على المسلمين والعرب التنبه لسياسات التفرقة والتشتيت، وإحداث الفتن بين الطوائف والدول والجماعات، وأن يتمثَّلوا الإسلام في حياتهم وفي معاملاتهم بينهم ومع غيرهم، وأن يكونوا قدوة كما كان الصحابة رضوان الله عليهم قدوة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
فاكس 012883689


zahrani111@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد