Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/01/2009 G Issue 13254
الأحد 14 محرم 1430   العدد  13254
دفق قلم
غزَّة دروس وعبر
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

هذه الحرب الشرسة التي شنَّها العدو الصهيوني طيلة الأيام الماضية على قطاع غزَّة في فلسطين المحتلة، حربٌ متميزة في أدائها، ومواجهتها والتعامل معها عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، إنها حَرْب المفاجآت، ووضوح المواقف، وكشف الاتجاهات، ولهذا فهي حَدَث مهم جدير بالتأمُّل والدِّراسة.

اليهود الغاصبون أثبتوا للعالم أجمع أنهم أعدى أعداء الإنسانية، وأنهم لا يعرفون قيمة القوانين والمبادئ والقيم وأخلاق التعامل، وأنهم عصابة متآمرة فاجرة لا مكان للرحمة في قلوبهم، وقد استطاعت غزَّة الصابرة المجاهدة الجريحة أن تكشف هذه الحقيقة البشعة للعدو الصهيوني أمام أعين المخدوعين بهذه الدولة المسخ من شعوب أوروبا وأمريكا، ولهذا رأينا تلك المظاهرات الضخمة التي خرجت في أكثر من بلد أوروبي وأمريكي تعلن تعاطفها مع ضحايا غزة من الأطفال والنساء، ورفضها القاطع لهذه السياسة الصهيونية التي لا خلاق لها.

لقد خسر اليهود المعركة ميدانياً، وخسروا الموقف السياسي، وكشفوا عن دناءتهم ووحشيتهم بأنفسهم، خسروا كل شيء في هذه الحرب الظالمة الغاشمة، ولم يربحوا إلا تلك الدماء والأشلاء البريئة وذلك الدَّمار الذي يدل على وحشيتهم وسقوطهم الخلقي والثقافي والسياسي المشين.

درسٌ لكل طاغية متسلِّط متكبر، ولكل ظالم في هذا العالم، لا يغفل عنه إلا من فقد عقله وفهمه وضميره.

وأبطال غزَّة المجاهدون المرابطون الصابرون ومعهم الشعب الفلسطيني المسلم في كل مكان، في غزة، والضفة الغربية وأنحاء العالم، أثبتوا للدنيا كلها المعنى الحقيقي للصمود أمام الظلم والطغيان، والثبات على منهج الحقِّ مهما كانت قسوة البغاة المعتدين، (حماس) علَّمت الدنيا كلها أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وأن تسلُّط الأعداء وتجبُّرهم لا يمكن أن يصد بمناقشات، واتفاقيات، وإنما يُصَدّ بالقوة والصبر والثبات، لأن العدوَّ الصهيوني لا يحترم مناقشة ولا قانوناً ولا اتفاقاً، ولا يرعى عهداً ولا يفي بوعد.

لقد انتصر الشعب الفلسطيني بقوة الإيمان والصمود، وأثبت أن منطق الحديد والنار يتلاشى أمام الثبات على الحق، ويتهاوى أمام الإيمان بالله تعالى والاستنصار به، والتوكل عليه.

ووسائل الإعلام بأنواعها المختلفة أصبحت مكشوفة في العراء أمام غزة وصمودها ورأينا بأمِّ أعيننا كيف تمايز الصف الإعلامي العربي أمام هذه الحرب الصهيونية الشرسة على غزة بصورة واضحة لا غَبَشَ فيها.

إعلامٌ صمد مع الصامدين، ووقف مع الضحايا والمظلومين، وقام بدوره الفاعل في بيان الحق للناس برغم الأكاذيب والأباطيل الإعلامية الصهيونية. وإعلامٌ آخر تذبذب واضطرب، وتأرجح بين الحق والباطل وأصبح كالتائه في الصحراء لا يدري إلى أين يتجه.

وإعلامٌ خطير مؤسف وقف مع العدوِّ الغاشم بوضوح، وأخذ يبرز من الوجوه الكالحة الحاقدة على غزة وعلى فلسطين وعلى الأمة كلها ما يؤسف ويحزن.

لقد جهد هذا الإعلام المنجرف مع العدوِّ على تصوير الأمر بغير صورته الحقيقية وبذل جهوداً مضنية لإشاعة روح اليأس والقنوط في نفوس الناس ولإشعارهم بأن المعركة محسومة أصلاً لصالح العدوِّ الصهيوني، وما زلت أتذكر بمرارة كلمات سمعتها في إحدى وسائل هذا الإعلام المخذل من أحد الرموز السياسية العربية المنهزمة وهو يقول: (أين المفر، طائرات، وزوارق، ودبابات، لقد أصبحت غزَّة بين فكي الأسد ومع هذا فإن عنتريات حماس ما تزال تضحك على عقولنا).

لاحظوا أيها الأحبة هذه الروح الانهزامية الشنيعة في كلمات هذا الإنسان المخذِّل المتخاذل، حتى في حديثه عن العدو الظالم كان مهولاً حينما شبَّه همجية العدوان الصهيوني على غزة بفكي الأسد، وما هما والله سوى (فكي كلب مسعور) ألقمته المقاومة الصامدة حجراً فانهزم وانكسر.

صورة اليهود وهم يستقبلون صواريخ القسَّام بانهزام واضطراب شديدين كما رأينا جميعاً، تقابلها صورة المظلومين الصابرين المحتسبين الذين رأيناهم يبكون ويصرخون على أشلاء شهدائهم وهم يرددون بقوة وحماسة عبارات (حسبنا الله ونعم الوكيل) و(لا حول ولا قوة إلا بالله) و(نحن صامدون يا أحفاد القردة والخنازير) وغيرها من عبارات العزَّة والقوة والشموخ.

دروس كثيرة لابد من الوقوف معها وقوف المتأمِّلين المستفيدين.

إشارة

إنَّ العدوَّ بثوب خيبته الْتَحَفْ




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد