Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/01/2009 G Issue 13254
الأحد 14 محرم 1430   العدد  13254
نوافذ
أرى ما أريد..... أسمع ما أود
أميمة الخميس

 

لو قسنا ردود الفعل العربية على المستوى الشعبي حول مأساة غزة لوجدنا نسبة كبيرة منها تدخل تحت بند الوجداني العاطفي المغيب في كثير من جوانبه للمنطقي العقلاني.

ولاسيما أن المشهد بمجمله واضح والأطراف معروفة غير ملتبسة الهوية فالعدو المعتدي هو عدو تاريخي، والضحية هم مجموعة ممن أعلنوا... الجهاد!

وبين هؤلاء وأولئك ركام من جثث الأطفال والنساء والتشريد والظلم.

أي أنها الصورة المثالية التي تغيب علاقة المشهد بالواقع، وتستبدل بما تود أن تراه، وبما اعتادت أن تجلبه وتوظفه في مثل هذه االمواجهات طوال سنين الصراع العربي الإسرائيلي، حيث الطوفان العاطفي وصراخ الزخم الانشائي والأحلام الطوباوية نفسها التي لم تأخذ أصحابها سنتيمتراً واحداً إلى الأمام في طريق المقاومة والصراع، حيث النتائج والمحصلة النهائية دائما هي مجزرة جديدة تضاف إلى المجازر والهزائم التي ترصف فوق سجلنا التاريخي المدمي الذي سيكبل أرواح وتفاؤل وآمال الأجيال القادمة بغد عربي مشرق وطموح.

والجيشان الشعبي المخدوع بعاطفة تجعله يرى الحل كما يريد أن يراه.... كبوابة ذهبية تدخل منها جيوش التحرير فوق الخيول المطهمة، ولاتسمع سوى ما تود سماعه من أهازيج النصر وأناشيده التي تغيب أوجاع الثكالى والجرحى وأنين المكلومين.

وظفت حماس خلافاتها السياسية مع الأطراف الأخرى، ورفضت القيام بانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة (وهو على فكرة الممر الذي أوصلها للسلطة)، ورفضت أن تكون حزبا سياسياً يسعى إلى تداول السلطة وفق الشروط الديمقراطية، واستبدلت هذا لتتحرك كما تتحرك مليشيات المرتزقة عبر حرب الشوارع والتصفيات الفردية لأعدائها السياسيين، في النهاية ورطت الشارع الفلسطيني المنكوب بهذه المواجهة دون تنسيق مع محيطها أو عمقها الاستراتيجي، ودون الالتزام بشروط ومتطلبات المقاومة الذكية ذات النفس البعيد التي ترفض الحلول الآنية المؤقتة المبنية على ما تود أن تراه لا ما هو موجود على أرض الواقع، حتى حلفاؤها في المنطقة لم تنسق معهم بشكل واضح والنتيجة أنهم خذلوها فلم نر في قمة المجزرة صواريخ شهاب الإيرانية تنطلق لتدك تل أبيب، ولم يتقدم الجيش السوري على محور الجولان لتخفيف الضغط عن غزة، والثلاثة صواريخ الكاتيوشا الخجولة التي انطلقت من جنوب لبنان أنكرها حزب الله.

وها نحن نعود الآن إلى النقطة صفر حيث أصدر مجلس الأمن قراراً بوقف إطلاق النار، ولاحقا حتماً ستوقع حماس هدنة مع إسرائيل (ستلتزم بها هذه المرة)، وستستمر خلافات حماس مع الأطراف الفلسطينية الأخرى على السلطة.

مشهد يشبه تماماً مشهد صيف لبنان 2006 لكن الفرق هي تلك الأرواح الزكية الطاهرة التي استشهدت وقضت نحبها، وتدمير البنية التحتية لغزة نتيجة للرعونة السياسية التي فقط ترى ما تريد.... وتسمع ما تود.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد