Al Jazirah NewsPaper Friday  16/01/2009 G Issue 13259
الجمعة 19 محرم 1430   العدد  13259
دور الميزانية الحكومية في إعادة الثقة بسوق الأسهم
الدكتور سعود عبد العزيز المطير

 

سوق الأسهم السعودي يعمل كرافد رئيسي في تمويل عمليات التنمية بالاقتصاد الوطني، وقد بدأ هذا الرافد يستحوذ على اهتمام الجهات الرسمية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه يعمل بحساسية مفرطة لأي مستجدات بالسوق العالمي؛ ولهذا تأثر سوق الأسهم المحلي تأثراً شديداً عند بداية ظهور تأثيرات الأزمة المالية العالمية على البورصات العالمية، حيث خسر السوق قرابة 60% منذ بداية السنة، واستمر بالانخفاض والتذبذب حتى قارب المؤشر 4000 نقطة.

لقد تم الإعلان عن ميزانية سنة جديدة توضح وقائع الميزانية الفعلية لعام 2008م ومعالم الميزانية المخططة للسنة القادمة 2009م. ومن المتوقع بإذن الله أن تحقق الميزانية الحكومية الفعلية لـ2008م فائضاً فعلياً لم يسبق له مثيل بمقدار 590 مليار ريال، رغم زيادة الإنفاق الفعلي لـ 2008م عما خطط له بمقدار 100 مليار. كما تم الإعلان عن الإنفاق المخطط للميزانية القادمة لـ 2009 الذي يبلغ 475 مليار ريال سعودي، وهو أكبر إنفاق مخطط في تاريخ المملكة. إن هذا الفائض الفعلي الكبير والإنفاق الحكومي التاريخي التوسعي للعام القادم سيعطي درجة عالية من التفاؤل والثقة بالاقتصاد السعودي رغم تراجع أسعار البترول وتقلباتها الحادة. وستعمل الميزانية الحكومية على عمل كافة التدابير الوقائية التي تساهم في صيانة الاقتصاد الوطني من حدوث أي تداعيات سلبية أو طوارئ غير متوقعة نتيجة تفاقم الأزمة العالمية الراهنة، وذلك من حيث السعي لاستخدام بعض من الفوائض المالية المتاحة لتعزيز أوجه الإنفاق الحكومي بإعطاء دفعة للأنشطة الاقتصادية المتوقع ركودها، وخاصة أنشطة المقاولات والبناء والتشييد وغيرها.

لا شك أن مثل هذه الميزانية ستؤتي ثمارها بإعادة شيء من الثقة بسوق الأسهم السعودي بحول الله؛ وذلك لأن الفائض الفعلي يعتبر فائضاً تاريخياً لم يسبق له مثيل، مما يُعدّ رافداً قوياً للميزانيات القادمة بإذن الله، خاصة إذا استمر تذبذب أسعار البترول بالشكل الحالي!!..

إن زيادة الإنفاق الحكومي في المملكة هو دعم للسيولة في الاقتصاد السعودي حيث إن غالبية الإنفاق الحكومي يمول عن طريق إيرادات البترول المباع في الخارج. وهذا يعني تدفق سيولة جديدة في الاقتصاد، تسهم في بث روح التفاؤل، وتدعم الاستثمار، وتنشط عمل البنوك في أداء الوظائف المنوطة بها وخصوصا في دعم سوق الأسهم بالسيولة.

ويمكن القول إن هناك ثلاثة عوامل منبثقة من الميزانية يمكن أن تعمل على زرع الثقة والتفاؤل في تحسن وضع سوق الأسهم السعودي وهي:

1- فائض الميزانية التاريخي لعام 2008م عامل دعم واطمئنان للمستقبل ورافد قوي للميزانيات القادمة عند الحاجة إليه.

2- الزيادة في الإنفاق الحكومي المخطط للعام القادم إلى معدلات تاريخية تبث روح التفاؤل وتحفز الطلب الكلي وخصوصا زيادة الطلب على منتجات الشركات المحلية، كما ستخلق فرصا وظيفية جديدة تستوعب جزءا من العمالة العاطلة.

3- انخفاض الدين العام إلى معدلات لا تشكل قلقا أو زعزعة في الملاءة المالية للدولة، وهذا دليل على قوة الاقتصاد وعلامة مهمة على سلامة الموقف المالي للاقتصاد في المملكة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يُستغل جزء من الفائض الفعلي لقيام صندوق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - للاستثمار بالأسهم، الذي يحتاج قيامه إلى رأس مال ضخم، يمول من الفائض الفعلي للميزانية، ويُكتتب بجزء منه لأفراد الشعب، مع ضمان رأس المال للمكتتبين؛ حيث إنه في الوقت الراهن ومع تردي الوضع في سوق الأسهم لن يُقدم أحد على الاكتتاب ما لم يُضمن رأس المال للمكتتب ومن قِبل الدولة. وهذا راجع إلى انعدام الثقة بسوق الأسهم لأن أسعار بعض الأسهم أقل من قيمتها الاسمية والبعض أقل من قيمتها الدفترية، الذي يُعتبر بحد ذاته كارثة.. وسيعمل صندوق خادم الحرمين الشريفين على تحقيق أهداف منها:

* تحسين الأوضاع المعيشية لشريحة كبيرة من الأفراد، ممن كانوا مدخرين في السابق وتحولوا إلى مقترضين لسداد ديونهم، بل إن منهم من فقد كل شيء بسبب انهيار سوق الأسهم من جهة وتسييل البنوك لمحافظ المقترضين من جهة أخرى.

* إعادة الثقة بسوق الأسهم ومن ثم تدفق السيولة من جديد لسوق الأسهم وانتعاشه للسير قُدماً في نفس مسار قوة ونمو الاقتصاد السعودي، الذي يمر بمعدلات نمو عالية، وبفائض استثنائي في الميزانية لـ2008م غير مسبوق إطلاقاً.

إن المشكلة واللغز المحير هو التباين الشاسع بين قوة الاقتصاد السعودي ومتانته من جهة وضعف وانهيار في سوق الأسهم من جهةٍ أخرى، بينما المفترض أن يسيران في نفس الاتجاه.

* العمل كصانع سوق يحفظه من التذبذبات والتقلبات الحادة لاسيما بعد فقدان الصانع الفعلي للسوق، الذي جعل السوق يعاني من هذه التقلبات بسبب سيطرة تصرفات وسلوكيات أفراد يمتلكون أكثر من 90% من سوق الأسهم.

هذه النسب الكبيرة من السيطرة الفردية ستظل أمراً مثيراً للقلق, والأزمة العالمية الراهنة دليل على ما يحدث حيث تسيطر الشائعات والمخاوف غير المنطقية على السوق. فالأوضاع الحالية لا تساعد على بناء خطط أو استراتيجيات طويلة المدى. وسوق الأسهم السعودي في المجمل قائم على الشائعات في ظل بحث الأفراد عن أرباح سريعة، وحتى قبل الأزمة الراهنة كانت هناك فرص جذابة ولكن بوجود الأخبار الكاذبة من الجهات المسيطرة كمجموعات ألغت هذه الفرص.

* إيجاد فرص مناسبة لاستثمار الفوائض المالية للدولة في سوق الأسهم السعودي، ولاسيما أن أسعار الأسهم الحالية أقل بكثير من الأسعار العادلة لها. وهذا يعني التوقعات بتحقيق أرباح هائلة يمكن أن تساهم في أن يكون رافداً من روافد تمويل الميزانية العامة للدولة والمساهمة في استقرار إيراداتها.

* الحد من الخسائر الكبيرة التي لحقت بالصناديق الاستثمارية الحكومية وشبه الحكومية من خلال الانهيار الذي لحق بسوق الأسهم السعودي، والتي تقدر بنحو تريليون ريال.

* تحييد سوق الأسهم السعودي ولو جزئيا من تأثيرات الأزمة المالية العالمية، خاصة من التأثر النفسي العنيف، الذي جعل ردة الفعل للأزمة المالية العالمية قوياً إلى درجة أن الهبوط في سوق الأسهم السعودي يفوق بكثير مثيله في السوق الأمريكي.

كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية - جامعة الإمام



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد